الحَذر والقَدر

17 سبتمبر 2019
+ الخط -
هذه الفيضانات الغزيرة التي شهدها المغرب في هذه الآونة، وللأسف نجم عنها العديد من الضحايا، وللحقيقة فهذه الكوارث التي أصابتنا لا نستطيع أن نقارنها بتلك التي تحصل في أميركا وبعض دول آسيا التي تعرف أعاصير قوية لا مثيل لها، والتي تُتلف الأخضر واليابس، لكن هذه البلدان بالكاد تكف عن بث نشرات إنذارية عبر كل الوسائل السمعية والبصرية والتواصلية لكي تُخبر الجميع بصعوبة المناخ والطقس والجو، حتّى تقلّل من وطأة الخسائر البشرية والمادية التي تخلّفها الفيضانات وغيرها من المصائب الطبيعية، وحتى مواطنو هذه الدول يأخذون هذه النشرات الإنذارية على محمل الجد والاهتمام، لأن هذه الشعوب تخاف أن تفقد حياتها على يد هذه الفواجع.

في المغرب يختلف الأمرُ جذرياً، فحينما تذيع قنواتنا التلفزية منها أو الإذاعية نشرة إنذارية بخصوص أمطار غزيرة أو طوفانية يكون هذا الخبر تحصيل حاصل، لأنه يُذاع وراء جميع الأخبار السياسية وهلم جرا، كأن الفيضان والمطر الغزير هما آخر شيء نستعد له ولا يبعث على الخطورة التي يسبّبها للعباد ويتركهم في بعض الأحيان كأنهم حمرٌ مستنفِرة، فالدولة أحيانا يُكتشف أنها لا تكترث لأرواح الناس بقدر ما تهتم بقتلهم عن سبق إصرار وترصد، والشاهد على هذا القول هو أنه حينما تقع الفجيعة بالكاد نرى سيارات الإسعاف ووسائل الإنقاذ الأخرى فبالأحرى المروحيات التي تبقى محجوزة سلفا للجنس الأشقر.


أما "الكنسْ" الآخر كما يقول المغاربة فهو إنسانٌ من الطبقة غير المصنفة لدى منظمة حقوق الإنسان المغربية؛ ففي الدول التي تقدر مواطنيها تعلّق الدراسة إلى أجل غير مسمّى ويتم إرجاء السفر والرحلات ويتم الإعلان عن حالة استنفار قصوى حتى تهدأ العاصفة أو الفيضان أو شيء آخر يمكنه أن يهدّد أمن وسلامة شعبها، لكن ثمّة بونا شاسعا بيننا وبينهم، والمقارنة هنا يمكنها أن ترسلك إلى أقرب عيادة للأمراض العصبية والنفسية.

لكن الحق يقال إننا نحن كمغاربة، غالبيتنا العظمى لا تكترث لأمر هذه الأخبار الإنذارية حتى وإن تمّ بثُها سواء في القنوات بنوعيها أو حتى عرضها في الطرقات والشوارع لا نهتم ونترك الأمر للقدر أو"المكتوب" وخير برهان ودليل على ذلك هو هذه الفيضانات الأخيرة التي راح ضحيتها أشخاص أغلبهم مستهترون غير آبهين بالخطر على حياتهم، ولكم في ما وقع في ملعب كرة القدم بمدينة تارودانت مثال عن ذلك حيث رأى الجميع أنّ من مات قد لقيَ حتفه بظِلفه، حيث كان بإمكانهم الفرار بجلدهم نحو النجاة والخلاص، قبل اكتساح الفيضان الملعب، لكن حال بينهم الموج وكانوا من المغرقين.

تحضرني الآن واقعة كانت قد جرت معي منذ عهد طويل، فخلال أحد الأعوام كان قد تم إذاعة خبر في نشرة الأخبار مفاده قدوم كسوف شمسي يحجب الشمس عن سماء المغرب، حيث تم نُصح الجميع بعدم النظر في الكسوف إبّان ظهوره لأنه يؤثر على البصر ويصيب بالعمى في حالة مشاهدته بالعين المجردة، وحتى سكان البادية تم نصحهم بعدم إخراج البهائم والقطيع خارج الحظائر بسبب خطورة الكسوف التي تصيب الحيوانات أيضا، وحين حلّ الكسوف، هناك من عمل بنصيحة الدولة وهناك من ضربها بعرض الحائط، وكنت أنا من بين هؤلاء الذين لم يتقبّلوها، حيث فتحت دفّتي النافذة في غفلة من الجميع ورمقت نحو الكسوف لأرى شمسا غير تلك التي أراها في الأيام العادية، لكن سرعان ما أقفلت النافذة ورجعتُ لمكاني وتملّكني حينها خوف شديد بأني سأفقد بصري لأني نظرت إلى الكسوف.

مهما يكن من أمر فإننا كمغاربة يبقى أغلبنا لا يهتم بالنشرات الإنذارية الخاصة بأحوال الطقس والمناخ والأرصاد الجوية إلا نادرا، وفي حالة اهتمامنا لا نأخذ حيطتنا وحذرنا، فالحَذر يغلبُ القَدر في أحايين كثيرة.
دلالات
C05B7C00-9625-436F-8731-452E6AE23884
عبد الجليل شرفاوي

حاصل على شهادة البكالوريوس تخصص علم الاجتماع من جامعة محمد الخامس بالرباط.