لم تمض سوى أسابيع قليلة على صدور كتابه "مئتا عام على ميلاد ماركس" (صدر بالعربية عن "الفارابي" وبالفرنسية عن منشورات "ديلغا")، حتى رحل عن عالمنا المفكر الاقتصادي المصري سمير أمين عن 87 عاماً، منذ ساعات في باريس. هكذا شاءت الصدفة أن يكون آخر إصداراته التي تنشر في حياته تعود إلى الينبوع الذي نهل منه مرجعياته، وكأنما شاءت الأقدار أن تنغلق الدائرة هناك تحديداً.
على عكس معظم استعمالات ماركس في الوطن العربي، في سياقات السياسة والفلسفة، أخذ أمين من الماركسية أدواتها الاقتصادية، واشتغل عليها نظرياً وعملياً. وقد يكون من العسير أن نجد عالم اقتصاد صار جزءاً من المشهد الثقافي العربي كما هو الحال مع صاحب كتاب "التطوّر اللامتكافىء".
كان ذلك بفضل مساهمة جدّية في تمرير المعرفة الاقتصادية من خلال مؤلفات عدة تقاطعت مع السياسة والفكر، وذهبت إلى قراءات شتّى حول قضايا البلاد العربية الراهنة، والعالم بشكل عام، وتفكير مثابر في تقديم حلول لها.
لكن شهرة أمين، أو الاعتراف به، كان يمتدّ إلى أبعد من حدود العالم العربي، فقد كان أيضاً أحد وجوه علم الاقتصاد في فرنسا، حيث درس وعاش معظم حياته. وفي الساحة الفرنسية أيضاً، يتخطى أمين حدود الاختصاص حيث يُعترف به كمنظّر رئيسي في مناهضة العولمة.
لكن يبقى مرجع الاعتراف الرئيسي هو اعتباره أحد أهم مطوّري الفكر الاقتصادي الماركسي، سواء من الناحية العملية حيث شارك في حركات تجديدية كثيرة، أو على المستوى النظري حين اشتغل على تطوير العديد من الأدوات المنهجية من أجل تسخيرها لقراءة الواقع أو تفسير التاريخ بعيداً عن المركزية الأوروبية، فمعظم المفاهيم المستعملة في النصف الأول من القرن العشرين في علم الاقتصاد كانت وليدة المركز الأوروبي وبالتالي محكومة بسياقاته التاريخية وغير ملبية للحاجيات التفسيرية حين تكون المسائل المدروسة متعلقة بالعالم العربي أو شرق آسيا أو أفريقيا وهي مناطق كان أمين يتناولها في دراسات، ويشتغل فيها على الأرض.
ما يبقى من أمين بعد رحيله هو مجموعة مؤلفات موزّعة بين الثقافتين، في العربية يمكن أن نذكر: "أزمة الإمبريالية.. أزمة بنيوية" (1982)، و"أزمة المجتمع العربي" (1985)، و"نحو نظرية للثقافة" (1989)، و"نقد روح العصر" (1998). أما بالفرنسية، فنقع على أبرز أعماله والتي ترجم عدد منها إلى العربية مثل "التراكم على الصعيد العالمي" (1973)، و"الطبقة والأمة في التاريخ وفي المرحلة الإمبريالية" (1980)، و"عولمة المقاومة" (2003).