29 اغسطس 2020
+ الخط -

بعد نحو عامين على تأديته دور "الفهد الزهري" كأول أفروأميركي يُقدِّم هذه الشخصية في فيلمٍ سينمائي؛ وبعد أسابيع قليلة على بدء عرض فيلمه ما قبل الأخير Da 5 Bloods لسبايك لي على شاشة المنصّة الأميركية "نتفليكس" (12 يونيو/زيران 2020)؛ علماً أنّ آخر فيلمٍ له موضوعٍ في سيرته المهنية يحمل عنوان "القاع الأسود لِمَا ريني" (2020) لجورج سي. ولف؛ يُعلَن عن رحيل الممثل الأميركي تشادويك بوزمان (1976) في 28 أغسطس/آب 2020.
سبب الوفاة؟ سرطان القولون. يُفيد النبأ بأنّ بوزمان مناضلٌ شرسٌ ضد مرضٍ سرطاني يفتك بالجسد ويُنهك الروح. حياته قصيرة، لكن في لائحة أفلامه عناوين مُثيرة للاهتمام، سينمائياً على الأقلّ، لكونها تمتلك اشتغالاتٍ متينة الصُنعة، وبعضها مهمومٌ بسلسلة أفلام الإنتاجات الضخمة، كـ"كابتن أميركا: حرب أهلية" (2016) لأنتوني وجو روسّو، و"آفنجرز"، في فيلمين اثنين للمُخرِجَين نفسيهما، هما "الحرب اللانهائية" (2018) و"أندغايم" (2019)؛ من دون تناسي "آلهة مصر" (2016) لألكس بروياس، رغم ما فيه من تحايل هوليوودي على شيءٍ من "الميثولوجيا المصرية"، التي قيل إنّه مستوحى منها.


وإذْ يستكمل سبايك لي تنقيبه في التاريخ الأفروأميركي (والبعض يستخدم مفردة "السود")، عائداً بذلك إلى حرب فيتنام، لتوثيقٍ ما لحضورٍ يُراد له تغييباً؛ فإنّ الفانتازيا والخيال العلمي والبطولات الخارقة تبقى أعمالاً منضوية في إطار المهنة، كسباً للمال، أو تثبيتاً لحضورٍ سينمائي يحتاج كلّ ممثل إليه. ومشاركته في عملٍ، يُنقِّب في تاريخ السود لتوثيقه وكشف معالم وحقائق منه (سبايك لي)، يأتي من تجربة سابقة، تتمثّل بـ"مارشال" (2017) لريجينالد هادلن، الذي يروي حكاية محامٍ أفروأميركي منضوٍ في NAACP (الجمعية الوطنية لتقدّم الملوّنين)، يُدافع عن أفروأميركي متّهم باغتصاب امرأة بيضاء البشرة في "غرينويتش"، فيُواجه صعوبات جمّة أثناء المحاكمة، لأنّ القاضي يمنعه كثيراً من ممارسة مهمته.


غير أنّ مهنته غير محصورة في التمثيل السينمائي، إذْ يمتلك سيرة تلفزيونية متنوّعة الاشتغالات، كتنوّع اشتغالاته السينمائية الأخرى، وإنْ يكن عددها أقلّ من تمثيله. فهو مخرج، له فيلمان قصيران بين أفلامٍ قصيرة أخرى يمثّل فيها بين عامي 2004 و2014، ومنتج لفيلمين قصيرين أيضاً. التنويع يُثري المرء دافعاً إياه إلى اختبارات ودروس وبلورة مسار مهنيّ يتطلّب جهوداً يومية لثباتٍ في عاصمة سينمائية غير هادئة البتّة، إلى درجة أن البعض يتغاضى عن جماليات ومواقف ومواجهات ترتكز أفلامٌ عليها، ويُنجز مخرجون أفلاماً عنها، من دون التقليل من أهمية أداء، أو أسلوب عمل.
ولادته لأبوين ينتميان إلى طبقة اجتماعية متوسّطة تصنع نواة حياة وتفكير، وتدفع إلى معاندة قدرٍ ومسار، لصُنع شيء مختلف عن عيشٍ وسيرة. والده لِرُوي عاملٌ في مصنع للنسيج، ووالدته كارولاين ممرضة. مولود في كارولينا الجنوبية، يمضي طفولته ومراهقته في مدينة "أندرسن"، مع إخوة وأخوات ينتمون إلى أصول عائلية مختلفة، ويلتقون في عائلة واحدة. عام 2000، يحصل على شهادة جامعية في الفنون الجميلة، من "جامعة هاورد" (واشنطن)، وفي الوقت نفسه يتخرّج في "الأكاديمية البريطانية الأميركية للدراما" (أوكسفورد)، علماً أنّ تمويل دراسته فيها حاصلٌ بفضل منحة من الممثل الأفروأميركي أيضاً دنزل واشنطن، عبر المغنية والممثلة والمنتجة الأفروأميركية فيليسيا راشاد، أستاذته في "جامعة هاورد".

لذا، يبدو تكوينه التمثيليّ قديماً، إذْ يتشكّل تدريجياً في مناخٍ يمزج الأكاديميّ بالمهنيّ والحرفيّ والعمليّ، وإنْ يبقى دنزل واشنطن بعيداً عن المشهد حينها. ولن تكون اختباراته المسرحية أثناء الدراسة عابرة، فللتكوين المسرحيّ تأثيرات يصعب على المرء التحرّر منها خلال حياته المهنية خارج المسرح. وإذْ تبدأ تلك السيرة بأعمال تلفزيونية بوليسية تمنحه حضوراً يُلفت أنظار البعض إليه، فإنّ انتقاله إلى لوس أنجليس، يُتيح له إخراج أول فيلم قصير بعنوان "دم على بيدق مكسور" (2008)، إلى جانب كتابته وإنتاجه، يدفعه إلى عالم السينما، خصوصاً بعد فوزه عنه بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان الفيلم الأسود (Film Noir) في هوليوود.
رغم أنّ حياته قصيرة، ربما لانهماكه منذ البداية في عالم الأفلام القصيرة، تبقى أعمالٌ مختلفة له جزءاً من صناعة سينما هوليوودية منفتحة على الأساليب والهواجس والتفاصيل كلّها.

المساهمون