لرحلة "سفر نامة" للرحالة والشاعر والداعية الفارسي ناصري خسرو؛ أهمية استثنائية في تاريخ الأدب الجغرافي الإسلامي. فهذه الرحلة، بما تضمنته من وصف دقيق للأماكن التي زارها، ومنها بلاد المشرق العربي عشية الغزو الصليبي، تعد وثيقة تاريخية مهمة عن الأوضاع العلمية والعمرانية في زمن خطير تميز بالصراع السياسي والمذهبي بين العباسيين والفاطميين.
ولعل الحديث الفريد عن حكيم المعرة وشاعرها الفرد أبي العلاء المعري من أثمن ما احتوته رحلة "سفر نامة" للشاعر والداعية الفارسي ناصر خسرو، من فرائد وكنوز، فهو يقدمه بصورة غير معهودة في كتب التراجم العربية التي تناولت هذا الشاعر والفيلسوف العظيم، إذ يكتنف الغموض الكثير مما كتب حول حياته في سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، ووفيات الأعيان لابن خلكان، وغيرها من الكتب التي تصدت لسيرته، ولكن ناصري خسرو الذي زار المعرة حين كان المعري يعيش فيها، يوضح أنه كان مالكاً للمعرة، وأنه كان واسع الثراء، ومع ذلك فضل الزهد في المأكل والملبس.
ولد ناصري خسرو لأسرة متوسطة الحال في قباديان ببلاد فارس عام 394هـ [1003م]، وشغل بعض المناصب الحكومية المهمة في الدولتين الغزنوية والسلجوقية، وكان واسع الاطلاع، قرأ كثيرًا في الديانات حتى كاد أن يصل إلى درجة الإلحاد، ولكنه عزم بعد ذلك على الحج، بعد أن شاهد رؤيا دعاه فيها شيخ كبير للتوجه نحو القبلة.
وقد ذكر ناصري خسرو أن السبب الحقيقي وراء رحلته، هو ما ورد في سورة محمد {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}. بالإضافة إلى ما ورد في سورة الفتح {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}، فعزم على الرحيل حتى موضع الشجرة التي بايع المسلمون في ظلالها الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقائع الرحلة
وقد وقعت أحداث رحلته بين العامين 437هـ/444هـ [1045/1052م]، إذ غادر ناصري مرو مستصحباً أخاه أبا سعيد وغلاماً هندياً، وبعد أن زار حلب والمعرة وحماة وطرابلس وبيت المقدس، قصد الحج لأن محدثه في الرؤيا أشار إلى القبلة حين سأله أين يجد ما يبدد شكوكه، ولأن قراءة القرآن هدته إلى الذهاب حيث الشجرة التي تعاهد تحتها المؤمنون على نصرة النبي عليه السلام إلى النهاية مهما كلفهم الأمر، وعاد إلى بيت المقدس فعزم على زيارة مصر على أن يغادرها إلى مكة مرة أخرى.
فلم يكن في عزمه أن يقيم بمصر زمناً طويلاً، ولم يكن في نيته أن يرحل إلى بلاد أخرى، لذلك لم يكن استعداده كاملاً لهذه الرحلة الطويلة الشاقة التي دامت سبع سنوات، لقد اكتفى، حين طلب إعفاءه من عمله في الديوان، بالقليل الذي لا بد منه للرحلة بل لقد ترك بقية أمواله.
ثم ها هو يحدثنا عن الحال التي كان عليها. هو وأخوه، عندما بلغا البصرة، لقد بليت ملابسهما ولم يبق منها إلا خرق مدلاة على جسديهما، وطال شعر رأسيهما، وبدت عليهما سيماء الفقر والجوع والإعياء، فاضطر ناصري إلى أن يبيع هذه الكتب التي اضطر من أجلها إلى أن يعود من مكة إلى مصر. فلما باعها ذهب مع أخيه إلى الحمام، ولكن الحمامي رفض إدخاله ولم يرق لحاله، ولا لحاجته إلى الدفء والنظافة، وحسبه أطفال الطريق مجنوناً فأخذوا يعدون وراءه ويقذفونه وشقيقه بالحجارة.
ولكن ناصري، وإن لم يجد المال الكافي للقيام بهذه الرحلة الطويلة، لأنه لم يدبر أمرها قبل قيامه من مرو، وكانت الحوادث هي التي كانت تسيره، وقد كان يعتمد على علاقاته الشخصية في كثير من الأحيان، فهو رجل ذائع الصيت، يعرفه كبار القوم، فإن أصابه ضرّ أو ألمت به مصيبة استطاع أن يجد عون الأصدقاء ليبدلوا عسره يسراً. على هذا النحو نجد أن ناصري لم يكن يسير في رحلته وفق ترتيب سابق مرسوم، وكل ما استعد له في أمر الرحلة كان قاصراً على زيارة مكة، ثم زيارة مصر على ألا يطيل المكوث فيها ليعود إلى مكة مرة أخرى.
عاد ناصري إلى بلخ سنة 444 هجرية [1052م] بصحبة أخيه أبي الفتح عبد الجليل، وقد طوف كثيراً في خراسان، وهي جزيرته التي عين حجة لها من قبل الفاطميين، ثم انتقل إلى مازندران فأقام بها زمناً طويلاً حتى نسب إليها، وقد استطاع أن يقنع كثيراً من أهلها بالدخول في مذهبه. ولكن مناظرته للعلماء وشهرته بمذهب خاص يتنافى مع السنة وجهره بآرائه وعنايته ببثها بين الناس. كل هذا أثار عليه الناس والحكومة، فاعتدي على منزله واضطر أهله إلى هجره، كما اضطر هو إلى أن ينجو بنفسه فهاجر إلى يمكان.
وهناك أخذ يصنف الكتب والرسائل في مذهبه، وكان بعضها بوحي من الخليفة الفاطمي المستنصر بالله نفسه. وكتب ناصري كثيرة، منها المنظوم ومنها المنثور، وقد ذكر الدكتور يحيى الخشاب مترجم رحلته من الفارسية إلى العربية، أن كتب ناصري خسرو المنشورة أو المخطوطة التي رآها هي: في الشعر (الديوان) و(سعادت نامة) و(روشنائي نامة). أما المنثورة فهي: (زاد المسافرين) و(خوان الإخوان) و(الرسالة) و(وجه دين) و(سفر نامة)، كما عثر الدكتور الخشاب على مخطوطة تحتوي على جزء من كتاب كشايش ورهايش.. وقد لخص شريعته في كتاب (وجه دين) الذي أراد أن يقلد به «كتاب البيان» الذي وضعه غياث أحد كبار رجال الدعوة الباطنية في أوائل القرن الثالث الهجري، وهو يحوي شرحاً باطنياً لأركان الإسلام والجهاد والإمامة.
ظل ناصري يدعو لمذهبه في يمكان، ولا يزال لدى الإسماعيليين النزاريين في شوغان كتب لناصري منها "الصحيفة" و"مرآة المحققين" ثم إنهم يعرفون "سفر نامة" ولكنهم ينسبونه إلى سعيد سهراب أحد أقارب ناصري خسرو الذين عاصروه. ولا يزال قبر ناصري للآن مزاراً يؤمه الإسماعيليون النزاريون – نزار بن المستنصر – من الصين وآسيا الوسطى الروسية والهند والأفغان.
مصدر لعديد من الموسوعات
نهلت منها الموسوعات الكبيرة مثل الموسوعة الفلسطينية والموسوعة البريطانية والموسوعة الفارسية وغير ذلك. كان ناصري خسرو أمينا فيما كتبه، فإذا رأى في رحلته شيئا كتب أنه شاهد، أما إذا سمع عن أشياء فيكتب أنه سمعها من الرواة.
صدرت رحلة ناصري خسرو بالعربية عن معهد اللغات الشرقية في جامعة القاهرة عام 1943م، بعد أن قام الدكتور يحيى الخشاب بترجمتها عن الفارسية، ومقارنتها بالترجمة الفرنسية للمستشرق الفرنسي شارل شيفر التي صدرت عام 1881م، وقد استوعب الدكتور الخشاب أيضاً ملاحظات غني زادة الذي حقق الرحلة بالفارسية. كما نقلها إلى الإنكليزية تاكستون عام 1986م.
وفي ثمانينيات القرن العشرين صدرت ترجمة جديدة للرحلة في جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية لخالد أحمد البدلي مع ملاحظات أوفى حول جغرافية الجزيرة العربية ومواقع الحج.
بين سلطتين
تبدو بلاد الشام من خلال وصف ناصري خسرو مستقرة إلى حد كبير تحت سلطة الفاطميين، رغم إشاراته السريعة لوجود خطر رومي قادم من البحر، وخطر داخلي ناجم عن وجود قطاع طرق، وفي الوقت الذي يحدثنا عن مدينة حلب كآخر محطة في طريق الحرير، نجده يسهب في الحديث عن مدينة المعرة وحكيمها، ويذكر أن جميع سكان المدينة كانوا خدما لأبي العلاء.
وبعد أن يمتدح مدينة طرابلس ويتحدث عن غلالها التي تفوق غلال أي مدينة أخرى، تجده يذكر مدينة طبرية كمعقل شيعي (شديد التعصب) في ذلك الوقت.
ويسهب ناصري خسرو في وصف بيت المقدس وصفاً دقيقاً، فيذكر التفاصيل المعمارية للمسجد الأقصى، ولقبة الصخرة، ولقبة السلسلة، ومهد عيسى، ومحراب مريم. إضافة إلى عين سلوان ووادي جهنم. ثم يصف الحرم الإبراهيمي ويتحدث عن المضافة التي تقدم الطعام للزائرين.
ويشير إلى أن أهل الشام يحجون إلى القدس إن لم يستطيعوا الحج إلى الحجاز، ويؤدون الشعائر نفسها من ذبح الأضاحي والتكبير. ولعل هذه العادة كانت لا تزال مستمرة منذ أيام الأمويين، حيث أشار إلى ذلك المؤرخ اليعقوبي والرحالة المهلبي.
وما يلفت النظر في رحلة ناصري خسرو عدم ذكره لأي من العلماء في فلسطين عموماً، وبيت المقدس خصوصاً، ولعل السبب في ذلك يعود إلى اختلاف المذهب الرسمي الفاطمي عن المذهب الذي يتبعه معظم أبناء فلسطين، وربما ارتحال هؤلاء العلماء إلى دار الخلافة العباسية في بغداد.
وعموماً تعتبر رحلة ناصري خسرو من المصادر الجغرافية و التاريخية والاجتماعية المهمة للعرب والمسلمين عموماً، ففيها ملاحظات ثمينة عن العمارة و المواقع الأثرية و الطبيعية.
من منبج إلى حلب
وفي يوم السبت الثاني من رجب (يناير) بلغنا مدينة سروج واجتزنا الفرات في اليوم التالي ونزلنا في منبج، وهي أولى مدن الشام كان هذا أول بهمن القديم (يناير- فبراير) والطقس هناك معتدل جدا ولم يكن خارج المدينة عمارات قط، وقد سرت منها إلى حلب، ومن ميافارقين إليها إلى حلب مائة فرسخ.
ورأيت مدينة حلب فإذا هي جميلة بها سور عظيم قست ارتفاعه فكان خمسا وعشرين ذراعاً، وبها قلعة عظيمة مشيدة كلها من الصخر. ويمكن مقارنة حلب ببلخ وهي مدينة عامرة أبنيتها متلاصقة، وفيها تحصل المكوس عما يمر بها من بلاد الشام والروم وديار بكر ومصر والعراق.
ويذهب إليها التجار من جميع هذه البلاد، ولها أربعة أبواب: باب اليهود، وباب الله، وباب الجنان، وباب أنطاكية. والوزن في سوقها بالرطل الظاهري، وهو أربعمائة وثمانين درهماً. وتقع حماة جنوبي حلب بعشرين فرسخاً، ومن بعدها حمص. ومن حلب إلى دمشق خمسون فرسخاً، وإلى أنطاكية اثنا عشر فرسخاً، وإلى طرابلس كذلك، ويقال إن من حلب حتى القسطنطينية مائتي فرسخ.
في حضرة حكيم المعرة
وفي الحادي عشر من رجب خرجنا من حلب وعلى مسافة ثلاثة فراسخ منها قرية تسمى جند قنسرين، وفي اليوم التالي سرنا ستة فراسخ وبلغنا مدينة سرمين التي لا سور لها، وبعد مسيرة ستة فراسخ أخرى بلغنا معرة النعمان، وهي مدينة عامرة ولها سور مبني، وقد رأيت على بابها عموداً من الحجر عليه كتابة غير عربية، فسألت: ما هذا؟ فقيل إنه طلسم العقرب حتى لا يكون في هذه المدينة عقرب أبداً ولا يأتي إليها، وإذا أحضر من الخارج وأطلق بها فإنه يهرب ولا يدخلها. وقد قست هذا العمود فكان ارتفاعه عشر أذرع.
ورأيت أسواق معرة النعمان وافرة العمران، وقد بني مسجد الجمعة على مرتفع وسط المدينة بحيث يصعدون إليه من أي جانب يريدون، وذلك على ثلاث عشرة درجة. وزراعة السكان كلها قمح وهو كثير، وفيها شجر وفير من التين والزيتون والفستق والعنب، ومياه المدينة من المطر والآبار.
وكان بهذه المدينة رجل أعمى اسمه أبو العلاء المعري، وهو حاكمها.. كان واسع الثراء عنده كثير من العبيد، وكان أهل البلد خدماً له.
أما هو فقد تزهد فلبس الكلتم واعتكف، في البيت كان قوته نصف مَنٍّ من خبز الشعير لا يأكل غيره، وقد سمعت أن باب قصره مفتوح دائماً، وإن نوابه وملازميه يدبرون أمر المدينة ولا يرجعون إليه إلاَّ في الأمور الهامة، وهو لا يمنع نعمته أحداً، يصوم الدهر ويقوم الليل ولا يشغل نفسه مطلقاً بأمر دنيوي.
وقد سما المعري في الشعر والأدب إلى حد أن أفاضل الشام والمغرب والعراق يقرون بأنه لم يكن من يدانيه في هذا العصر ولا يكون. وقد وضع كتاباً سماه "الفصول والغايات" ذكر فيه كلمات مرموزة وأمثالاً في لفظ فصيح عجيب بحيث لا يقف الناس إلا على قليل منه، ولا يفهمه إلا من يقرأه عليه، وقد اتهموه بأنه وضع هذا الكتاب معارضة للقرآن!
يجلس حوله دائما أكثر من مائتي رجل يحضرون من الأطراف، ويقرأون عليه الأدب والشعر، وسمعت أن له أكثر من مائة ألف بيت شعر. سأله رجل لمَ تعطي الناس ما أفاء الله تبارك وتعالى عليك من وافر النعم ولا تقيت نفسك؟ فأجاب: إني لا أملك أكثر مما يقيم أودي. كان هذا الرجل (المعري) حيا وأنا هناك.
من حماة إلى طرابلس
وفي الخامس عشر من رجب سرنا إلى كويمات، ومنها إلى حماة، وهذه المدينة جميلة عامرة على شاطئ نهر العاصي ويسمى هذا النهر بالعاصي لأنه يذهب إلى بلاد الروم، فهو يخرج من بلاد الإسلام ليدخل بلاد الكفر، وقد نصبوا عليه نواعير كثيرة، ومن حماة طريقان أحدهما بجانب الساحل غرب الشام والآخر في الجنوب وهو ينتهي إلى دمشق، فسرنا عن طريق الساحل وقد رأينا في الجبل عيناً قيل إن ماءها يتفجر في الثلاثة أيام التالية لنصف شعبان من كل سنة ثم ينضب فلا تخرج منه قطرة واحدة حتى السنة التالية.
ويذهب الكثيرون لزيارة هذه العين تقربا إلى الله سبحانه وتعالى، وقد بنيت هناك عمارات وأحواض. ولما سرنا من هناك بلغنا سهلا كساه النرجس ثوبا أبيض وذهبنا بعد ذلك إلى مدينة تسمى عرقة وبعد مسيرة فرسخين منها بلغنا شاطئ البحر فتبعناه ناحية الجنوب حتى بلغنا مدينة طرابلس بعد مسيرة خمسة فراسخ.
ومن حلب إلى طرابلس أربعون فرسخاً عن هذا الطريق، كان بلوغنا إياها يوم السبت الخامس من شعبان، وحول المدينة المزارع والبساتين وكثير من قصب السكر وأشجار النارنج والترنج والموز والليمون والتمر، وكان العسل يجمع حينذاك، ومدينة طرابلس مشيدة بحيث أن ثلاثة من جوانبها مطلة على البحر فإذا ماج علت أمواجه السور، أما الجانب المطل على اليابس فبه خندق عظيم عليه باب حديدي محكم، وفي الجانب الشرقي من المدينة قلعة من الحجر المصقول عليها شرفات وطلاقات من الحجر نفسه، وعلى قمتها عرادات لوقايتها من الروم فهم يخافون إن يغير هؤلاء عليها بالسفن.
ومساحة المدينة ألف ذراع مربع وأربطتها أربع أو خمس طبقات، ومنها ما هو ست طبقات أيضاً، وشوارعها وأسواقها جميلة ونظيفة حتى لتظن إن كل سوق قصر مزين. وقد رأيت بطرابلس ما رأيت في بلاد العجم من الأطعمة والفواكه بل أحسن منه مائة مرة.
وفي وسط المدينة جامع عظيم نظيف جميل النقش حصين وفي ساحته قبة كبيرة تحتها حوض من الرخام في وسطه فواره من النحاس الأصفر، وفي السوق مشرعة ذات خمسة صنابير يخرج منها ماء كثير يأخذ منه الناس حاجتهم ويفيض باقيه على الأرض ويصرف في البحر.
ويقال إن بها عشرين ألف رجل، ويتبعها كثير من السواد والقرى ويصنعون بها الورق الجميل مثل الورق السمرقندي، بل أحسن منه، وهي تابعة لسلطان مصر، قيل وسبب ذلك أنه في زمن ما أغار عليها جيش الروم الكفار، فحاربه جند سلطان مصر وقهروه فرفع السلطان الخراج عنها وأقام بها جيشاً من قبله على رأسه قائد لحمايتها من العدو.
وتحصل المكوس بهذه المدينة فتدفع السفن الآتية من بلاد الروم والفرنج والأندلس والمغرب العشر للسلطان، فيدفع منه أرزاق الجند وللسلطان. بها سفن تسافر إلى بلاد الروم وصقلية والمغرب للتجارة، وسكان طرابلس كلهم شيعة، وقد شيد الشيعة مساجد جميلة في كل البلاد، وهناك بيوت على مثال الأربطة ولكن لا يسكنها أحد، وتسمى مشاهد، ولا يوجد خارج طرابلس بيوت أبداً عدا مشهدين أو ثلاثة من التي مر ذكرها.