رحلة لجوء بنكهة التوابل

24 اغسطس 2015
يبيع حسن التوابل بأسعار زهيدة (العربي الجديد)
+ الخط -
يفترش عدنان حسن الطريق كلّ يوم في سوق مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا، جنوب لبنان. يعرض بضاعته من التوابل على المارة، ما يجعل معظم زبائنه من النساء ربّات المنازل اللواتي لا تغيب نكهاته المختلفة عن مأكولاتهن.

يبيع حسن التوابل بأسعار زهيدة. يحضّرها في أكياس صغيرة بحسب أنواعها، ويمضي نهاره يجمع فئات نقدية صغيرة فوق بعضها البعض حتى يتأمن له ما يحميه من الجوع مع عائلته. ولا يتوقف حسن عن نشاطه المعتاد هذا إلاّ في شهر رمضان وفيه يبيع العصائر من جلاب وتمر هندي، وسوس، وتوت يعدها بطريقته الخاصة، كما يقول.

عدنان أحمد حسن أحد أولئك الذين حكم عليهم النزوح تغيير مسار حياتهم. فهو فلسطيني الجنسية ونازح إلى لبنان من مخيم اليرموك جنوب العاصمة السورية دمشق. يعمل في هذه المهنة البسيطة بالرغم من حمله شهادة جامعية من معهد الآثار والمتاحف في سورية. كذلك درس في معهد للإدارة وأرشفة المكتبات. وفي لبنان أيضاً درس الحقوق عامين في الجامعة اللبنانية ولم يتخرج.

يقول عدنان: "كنت أعمل في الإمارات قبل الأزمة السورية، وبقيت فيها تسع سنوات بصفة مدير إنتاج لشركة ديكور. وهي الفرصة التي منعتني من العمل في تخصصي. انتهت إقامتي هناك قبل الأزمة بشهر. عدت إلى سورية بهدف تأسيس شركة لكنّ الحرب غيرت كلّ شيء".

يتابع: "عندما تركت الإمارات وعدت إلى سورية فكرت في إنشاء شركة للمقاولات، لكن مع بداية الأزمة عدلت عن فكرتي، وافتتحت محلات تجارية للمواد الغذائية في منطقة الدبابية (ريف دمشق). وبعدها بفترة بدأت المعارك في المنطقة، فتركتها وعدت إلى مخيم اليرموك، مخلفاً ورائي خسارة مادية كبيرة. وفي اليرموك مكثت ثلاثة أشهر تحت الحصار، حتى هربت مع عائلتي إلى منطقة الهامة (ريف دمشق)، وعندما قصف الطيران الإسرائيلي المنطقة تركناها وذهبنا إلى قدسيّا، ومنها إلى الميدان، ومنها إلى السويداء (جنوب سورية)، ومنها إلى لبنان وتحديداً مخيم عين الحلوة".

في مخيم عين الحلوة استأجر حسن شقة في حي الصفصاف. وبدأ يبحث عن عمل في أيّ مجال. عمل في بيع القهوة طوال ثلاثة أشهر، ليعمل بعدها في مجال الديكور كعامل. وبعد فترة، انضم إليه ابنه المراهق عبد الذي أنشأ بسطة لبيع خلاصات العصير. وكان ذلك في رمضان 2014، ليحولها معه بعد ذلك إلى بسطة لبيع التوابل. وبينما يتعاونان في البيع طوال الصيف، يعمل الإبن على البسطة في عطلة نهاية الأسبوع فقط بسبب دراسته.

عن عائلته ووضعه المعيشي، يقول: "لديّ أربعة أولاد، وجميعهم في المدارس. تركت المنزل الذي كنت قد استأجرته سابقاً بمائة دولار أميركي. واليوم نقطن في منزل أحد أقاربنا ولا أدفع إيجاره".

بيع العصائر في رمضان يساعده في سد احتياجات العائلة خلال شهر الصوم. يقول: "العصائر التي أبيعها أصنعها بنفسي على الطريقة السورية، فالجلاب اللبناني مستخلص من الزبيب، أما الجلاب السوري فهو مستخلص من التوت. ولدى إعدادنا للتمر الهندي نضيف إليه السكر وماء الزهر، ما يختلف عن طريقة صنعه في لبنان". ويسهب حسن في شرح طريقة صنع السوس المختلف عن المنتشر في لبنان، ويقول: "أولاً أعمل على تخمير السوس، وذلك بوضعه تحت أشعة الشمس مع ترطيبه بالماء، ووضع الكربونة (بيكربونات الصوديوم) عليه لمدة 11 ساعة. ثم أضع قطعة من القماش في حوض وأعمل على تقطير خلاصة السوس. ثم أضع معه القليل من المطيبات الخاصة".

يقول حسن: "منذ جئت إلى لبنان تمكنت من تغطية احتياجاتي الحياتية. ولم أخجل من العمل في أيّ مهنة في سبيل ذلك. لم أقف أمام أبواب المؤسسات الإغاثية. ومع ذلك، لم أتخيل قبل أربع سنوات أنّني سأصل إلى ما وصلت إليه اليوم. طموحي كان أكبر بكثير من هذا، لكن لا أستطيع إلاّ أن أتمنى أن تتحسن الأوضاع في سورية، وتعود الأحوال على ما كانت عليه، فنعود إلى بيوتنا وأعمالنا التي تركناها مرغمين".

إقرأ أيضاً: من القنص في اليرموك إلى المرض في لبنان