رحلة في لوحات وصور فنية... بالقاهرة الملطخة بالدماء والسياسة

07 يونيو 2014
من المعرضَين
+ الخط -

في شارع محمود بسيوني المتفرّع من ميدان طلعت حرب بوسط القاهرة، وعلى بعد خطوات قليلة من مؤتمر أعدّه حزب التجمع المصري، للمرشّح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، قبيل الانتخابات، والذي لم يحضره بالطبع، كانت قاعتان متجاورتان تشعان فناً صافياً، تستقبلان زواراً، بعيداً عن صخب السياسة ومهاتراتها.

في الدور الأول من عمارة عتيقة وسط البلد، مدخلها وسلالمها على الطراز المصري القديم، وباتت الآن فندقاً يستقبل "الخواجات" من عشاق وسط البلد... كان المعرض الفوتوغرافي الذي يسرق زوّاره إلى رحلة خاطفة عبر الزمان والمكان.. فيعود بهم إلى 18 يوماً من الثورة في ميدان التحرير العام 2011.

"تشكيلات من صور فوتوغرافية مكوّنة بطريقة الكولاج، تأخذ المشاهد في رحلة عبر الأماكن والأزمنة. من معركة كوبري قصر النيل في 28 يناير/كانون الثاني 2011، إلى زيارة العائلة المقدّسة في مصر.. ومن صور المتظاهرين، إلى مشهد لامرأة من العصر الفرعوني تقدّم البيض في شم النسيم"، هكذا عرّفت المصورة الصحافية الشابة، هبة خليفة، معرضها بعنوان "من الميدان"، بأحرف سوداء مطبوعة على لوحة بيضاء منصوبة على مدخل معرضها.

هبة خليفة هي مصوّرة صحافية تعمل في جريدة الشروق المصرية منذ العام 2008، حاصلة على البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة حلوان. عملت في برامج اجتماعية مع الأطفال الفقراء قبل أن تتفرّغ للتصوير الصحافي. وحصلت على جائزة محمد منير في الفنون البصرية من صالون الشباب في مصر، كما حصلت على منحة لدراسة الجرافيك في أكاديمية سالزبورج بالنمسا، وشاركت في ورشة لـ"الحكي المصوّر" نظمها "المجلس الأعلى للصحافة".

بعدما افتتحت خليفة معرضها أعادت الدعوة مرّة أخرى على مسامع الزائرين كي يلتقطوا صوراً مع اللوحات الفنية المعروضة على جدران القاعة. واللوحات الفنية هي عبارة عن صور التقطتها خليفة طوال أيام "ثورة يناير". وبفرشاتها أدخلت مجموعة من المؤثرات والتشكيلات أضفت من خلالها على الصور روحاً من نوع خاص، امتزج داخلها الواقع بالخيال.

كما لو أنّ هناك أرواح شهداء ترفرف فوق الميدان، وملائكة تحمي المتظاهرين، وشخصيات فرعونية تمرّ هنا أو هناك فتضرب جذور الثورة في عمق التاريخ.. هكذا بدا المعرض أمام الزائرين، الذين التقطوا الصور مع اللوحات، واستعادوا ذكريات لا ينسونها أبداً في الميدان.

فما إن تخرج من الفندق العتيق، عليك فقط أن تمشي خطوات معدودة قبل أن تنحني في السير شمالاً قليلاً، لتجد أمامك مجموعة من اللافتات الدعائية لمعارض فنية وتشكيلية، حينها ستعرف أنّك وصلت إلى معرض "جولو"، الذي سيأخذك بدوره من رحلة امتدت ثلاثة أعوام فقط، حيث "ثورة يناير"، إلى تاريخ يبعد واحداً وأربعين عاماً.

مدخل العمارة يبدو كأنّه على الطراز اليوناني. فهناك أطفال بأجنحة ملائكة على بوابة العمارة القديمة. درجات قليلة توصلك إلى لافتة كبيرة مطبوعة عليها مجموعة صور ورسومات كاريكاتير، بعضها بالعربية وغيرها بالفرنسية. وما إن تتجه يميناً نحو مدخل القاعة، حتّى تدخل في عالم خيالي بكلّ الألوان والشخصيات المصرية.. إنه عالم "جولو".

جولو هو فنان فرنسي، عاش في مصر منذ العام 1973، درس المجتمع المصري بأدقّ تفاصيله، ونسجها في خطوط ترسم شخصيات مصرية أصيلة، لتحكي ما يدور في الشارع، أو على القهوة، أو في شوارع وسط القاهرة، أو في جلسة عائلية على أنغام "الستّ أم كلثوم"، أو حتّى ترسم واقعاً سياسياً.

"كان لقراءة روايات ألبير قصيري، ولأوّل رحلة لي في مصر، تأثير حاسم في حياتي"، هي الجملة الأولى للفنان جولو التي ستصادفك بمجرّد النظر إلى بعض رسوم الكاريكاتير و"الكومكس" المعروضة على الجدران.

يتابع جولو في حديث لـ"العربي الجديد": "من قراءاتي لألبير قصيري، كان من الطبيعي أن أنتقل إلى مرحلة التطبيق العملي، ووجدت نفسي منجذباً مع تيار شوارع القاهرة وبطول ضفاف نهر النيل. لم يكن مشواري إلا سعيا وراء عالم قصيري، الخيالي وشخصيات رواياته. أوّل من قابلت كان سمير،  الذي استضافني في منزل أسرته وعرّفني بأصدقائه وتحت إرشاده خطوت أولى خطواتي ونطقت أوّل كلماتي بالعربية. ومن بعدها قابلت الفنان ورسام الكاريكاتير جورج بهجوري، الذي قدّمني إلى فريق رسّامي مجلة صباح الخير".

من هنا بدأت حياة جولو تتأرجح بين باريس والقاهرة، واحتضنت المجلة المصرية التابعة لمؤسسة "روز اليومسف"، واسمها "صباح الخير"، رسوماته على صفحاتها، وبرسومات عدّة حول القاهرة، نشرت مجلة "شارلي" الشهرية في باريس أوّل صور له.

"في العام 1993 سكنت في القاهرة للعمل على مشروع يصف مصر بأسلوبي الخاصّ، عرّفني صديقي الرسام، جمال برجي، برسّامين شباب مغرمين بالقصص المصوّرة، الذين أسّسوا بعد سنوات مجلة: توكتوك"، يقول ويضيف واصفا معرضه: "لم أتوقّف عن رسم الحياة اليومية في مجلة صباح الخير، وأيضا أقمت معارض بالروح نفسها في كايرو برلين وتاون هاوس، ومع مولد مجلة كايرو تايمز، أُتيحت لي الفرصة لأعمل على رسوم صحافية ذات طابع سياسي أكبر".

في العام 2000 استقرّ جولو في صعيد مصر، تحديداً في قرية القرنة، حيث الريف والصحراء والآثار الفرعونية التي أدمجها في رسوماته: "مع تدمير هذه القرية من قبل حكومة (الرئيس المصري المخلوع محمد حسني) مبارك، بين 2006 و2009، قرّرت أن أحكي هذه الدراما بالقصّة المصوّرة، ومن هنا خرج ألبوم: يوميات مدينة الموتى".

أما "ثورة 25 يناير"، فقد مضت فيما كان جولو في قرية القرنة بلا هاتف أو إنترنت، فقط كان يتابع الأحداث من خلال تلفزيون جيرانه، وحكى ما شاهده في القرنة والقاهرة لاحقاً في قصص مصوّرة نشرتها مجلة "انترناسيونال" الإيطالية.

يختتم جولو حديثه إلى زوّار المعرض الذين تجاوب معهم طوال رحلتهم في معرضه، قائلاً: "في هذه الأوقات العصيبة لا يسعني سوى أن أتمنّى انتصار حبّ الحياة والضيافة والصداقة وخفة الدم الموجودين دائماً في مصر، أم الدنيا، أيامكم ولياليكم زي العسل".

وقبل أن تخرج من هذا الخيال الواقعي، المليء بالبهجة والألوان، وتفاصيل الحياة المصرية الدقيقة، لا تنس أن تشتري تذكاراً من المعرض، في صورة بطاقة أو كوب أو ألبوم تحمل صوراً لجولو، كما يمكنك الحصول على توقيع خاصّ منه، بلا أحرف أو كلمات، فقط يكتب اسمك، ثم يرسم لك شخصية مصرية أصيلة على طريقة الكاريكاتير.

المساهمون