12 ديسمبر 2019
ربيع مختلف في صنعاء
عبد الرزاق الحطامي
ها هي صنعاء، العاصمة العربية الرابعة التي احتفت إيران بسقوطها في حضن مشروعها التوسعي، تجانب كل التوقعات، وتنكفئ بعيداً عن اللحظة الثورية الراهنة في بغداد وبيروت، وداخل طهران نفسها.
بنى الذين استدعوا صنعاء إلى ثورات الربيع العربي الثاني توقعاتهم على وحدة الحال والمآل بين صنعاء وبغداد وبيروت. وعلى الرغم من واقعيتها في حتمية انتفاضة صنعاء، ولحاقها بركب الربيع، تغفل هذه التوقعات حيثياتٍ تضع صنعاء حالة خاصة، خارج السياق العام للربيع العربي الثاني، المضطرم بالغضب النبيل، فصنعاء ليست بيروت، ولا هي بغداد، ويتحدّد ملمح الاختلاف في أن صنعاء تعيش حالة حرب عسكرية، تسلخ عامها الخامس من دون جدوى، وقد أنهكت البلاد والعباد. كما أن صنعاء أنجزت ثورتها في عام الربيع العربي الأول 2011، وهي من أبهظ الثورات كلفة، بالنظر إلى مآلات الحرب والدم، وما أيقظته حول اليمنيين من ذئاب.
وبما أن صنعاء في أمسّ الحاجة الآن إلى ثورةٍ في ظل خيبات خمس سنوات من "عاصفة الحزم"، وهبوبها خارج الموجهات الرئيسية وبنك الأهداف المعلنة لعمليات التحالف العربي العسكرية، الأمر الذي أدّى إلى انكسار العاصفة على أكثر من مهب، إلا أن ثورةً في صنعاء ومناطق سيطرة المليشيات الحوثية المرعية إيرانياً، وحدوثها تزامناً مع أحداث الربيع الحالي، ما زالت في عداد اللاممكن على المدى المنظور، فاليمنيون، في مناطق الحوثيين، يعيشون تبعات خمس سنواتٍ من عملية الفتك الفكري الممنهج والعميق للهوية الحضارية للإنسان والمكان، ضمن ما اجترحته المليشيات الحوثية من خرائب، على طريق ترسيخ وجودها
اللاشرعي في قلب الدولة والحياة العامة. وكان من أبرز نواتج هذا الفتك اختلال المفاهيم في ذهنية المجتمع، والسهو عن الحرية، بالإضافة إلى تشظي الهوية الوطنية الجامعة إلى هوياتٍ صغيرةٍ قاتلة، وتفكك النسيج الاجتماعي على نحوٍ مريع، يتطلب رتق خروقه، وترميم تصدّعاته سنين عددا.
كما أن اليمنيين الذين كبست على صدورهم الجائحة الحوثية في سبتمبر/ أيلول 2014 أنستهم خمس سنوات من عمر "عاصفة الحزم" اللعوب بهجة استشعار الوهلة الأولى لهبوبها. وها هي العاصفة التي لم تحزم شيئاً توشك أن تحزم أمتعة الرحيل، تحقيقاً لعلة التسمية. وللأسف، يحدث هذا في لحظةٍ عربيةٍ ثوريةٍ عارمة تهز إيوان ولاية الفقيه من آخر حجر. وكانت هذه اللحظة، التي قد لا تتكرّر في صحن الأقدار والمصادفات التاريخية مرتين، الفرصة الكفيلة بتحقيق أهداف عاصفة الحزم، فيما لو أن التحالف الداعم للشرعية اليمنية انتهزها.
ما حدث هو العكس. انكفأت العاصفة في ذروة الربيع، وتوقفت عن الهبوب والضربات الجوية. وذهبت السعودية باندفاعة أحادية، بعيداً عن الشرعية اليمنية، في مفاوضاتٍ سرّيةٍ مع الحوثيين في مسقط، وأطلقت، ترجمةً لنياتها الحسنة، ثلاثمائة مقاتل حوثي، أسروا على يد الجيش الوطني اليمني، وسلمتهم للحوثيين بثياب وشماغات جديدة وخدود متورّدة وجيوب تمور بالريالات الخضراء. وإذا صحّت رواية صديق لي في صنعاء، فإن الواحد من المقاتلين الحوثيين المطلق سراحهم عاد بما لا يعود به أي مغترب يمني في تحويشة العمر، خمس سنوات من الكدح المتواصل.
حيال هذه المكرمة السعودية للحوثيين في إطلاق سراح كتيبة من مقاتلي المليشيات، مجاناً مع تحمل المملكة الكريمة نفقات التوصيل والنقاهة، وبدون أية مقايضة سياسية في عالم اللهث وراء السلام الأحمق، أو حتى صفقة تبادل أسرى، في وقت يرضخ فيه آلاف اليمنيين من المعتقلين المدنيين في سجون الحوثيين، كان على الحوثيين، في غمرة ثورات الربيع العربي الثاني، أن يسندوا ظهورهم على جدار وطيد من الطمأنينة وحسن الطالع، فالسماء التي كانت تمطرهم طيراً أبابيل في السنوات الخمس الماضية تمطر اليوم على رؤوسهم ذهباً.
ليست صنعاء بيروت، ولا هي بغداد. وكان من الطبيعي أن تستكنَّ أية جذوة غضب في ضلوع اليمنيين، بالتزامن مع ثورات الربيع، مع ما يرونها من بركاتٍ تهبّ على الحوثيين من حيث لا يحتسبون، حتى أن الحوثيين يقطفون بلح الشام وعنب اليمن في عز الشتاء، وحتى أن "عاصفة الحزم" الهوجاء باتت أرقّ عليهم من صبا بردى.
ثم إن جسراً جوياً يلوح في أفق ما بين صنعاء والرياض، بحسب ما تمخضته سراً مفاوضات مسقط من نيات حسنة، منها افتتاح مطار صنعاء وعودة رحلاته الجوية بعد سنوات من التوقف، وقد تقرّر تدشينه بنقل الجرحى الحوثيين على طائرات مدنية سعودية إلى مستشفيات للعلاج.
وفي خضم هذه التحوّلات الجذرية لعاصفةٍ هبت أصلاً لتقويض ما أعلنه الحوثيون، غداة الجائحة، عن تشييد جسر جوي بين صنعاء وطهران، بمعدل أربع رحلات يومية، تنام صنعاء حالياً في بيات شتوي تحت الجسر الجديد. وبينما يرتسم القمر العربي في سماءي بيروت وبغداد، بطلعته الربيعية الأنقى والأقرب إلى الأرض، يأمل اليمنيون في صنعاء أن يفيض الهلال الشيعي مزيدا من بركاته على الحوثيين، على أمل آخر في أن ينتقل فائض البلح والعنب في عيد النيروز الحوثي إلى كل اليمنيين، عن طريق العدوى الحميدة وأعاجيب العاصفة.
وبما أن صنعاء في أمسّ الحاجة الآن إلى ثورةٍ في ظل خيبات خمس سنوات من "عاصفة الحزم"، وهبوبها خارج الموجهات الرئيسية وبنك الأهداف المعلنة لعمليات التحالف العربي العسكرية، الأمر الذي أدّى إلى انكسار العاصفة على أكثر من مهب، إلا أن ثورةً في صنعاء ومناطق سيطرة المليشيات الحوثية المرعية إيرانياً، وحدوثها تزامناً مع أحداث الربيع الحالي، ما زالت في عداد اللاممكن على المدى المنظور، فاليمنيون، في مناطق الحوثيين، يعيشون تبعات خمس سنواتٍ من عملية الفتك الفكري الممنهج والعميق للهوية الحضارية للإنسان والمكان، ضمن ما اجترحته المليشيات الحوثية من خرائب، على طريق ترسيخ وجودها
كما أن اليمنيين الذين كبست على صدورهم الجائحة الحوثية في سبتمبر/ أيلول 2014 أنستهم خمس سنوات من عمر "عاصفة الحزم" اللعوب بهجة استشعار الوهلة الأولى لهبوبها. وها هي العاصفة التي لم تحزم شيئاً توشك أن تحزم أمتعة الرحيل، تحقيقاً لعلة التسمية. وللأسف، يحدث هذا في لحظةٍ عربيةٍ ثوريةٍ عارمة تهز إيوان ولاية الفقيه من آخر حجر. وكانت هذه اللحظة، التي قد لا تتكرّر في صحن الأقدار والمصادفات التاريخية مرتين، الفرصة الكفيلة بتحقيق أهداف عاصفة الحزم، فيما لو أن التحالف الداعم للشرعية اليمنية انتهزها.
ما حدث هو العكس. انكفأت العاصفة في ذروة الربيع، وتوقفت عن الهبوب والضربات الجوية. وذهبت السعودية باندفاعة أحادية، بعيداً عن الشرعية اليمنية، في مفاوضاتٍ سرّيةٍ مع الحوثيين في مسقط، وأطلقت، ترجمةً لنياتها الحسنة، ثلاثمائة مقاتل حوثي، أسروا على يد الجيش الوطني اليمني، وسلمتهم للحوثيين بثياب وشماغات جديدة وخدود متورّدة وجيوب تمور بالريالات الخضراء. وإذا صحّت رواية صديق لي في صنعاء، فإن الواحد من المقاتلين الحوثيين المطلق سراحهم عاد بما لا يعود به أي مغترب يمني في تحويشة العمر، خمس سنوات من الكدح المتواصل.
حيال هذه المكرمة السعودية للحوثيين في إطلاق سراح كتيبة من مقاتلي المليشيات، مجاناً مع تحمل المملكة الكريمة نفقات التوصيل والنقاهة، وبدون أية مقايضة سياسية في عالم اللهث وراء السلام الأحمق، أو حتى صفقة تبادل أسرى، في وقت يرضخ فيه آلاف اليمنيين من المعتقلين المدنيين في سجون الحوثيين، كان على الحوثيين، في غمرة ثورات الربيع العربي الثاني، أن يسندوا ظهورهم على جدار وطيد من الطمأنينة وحسن الطالع، فالسماء التي كانت تمطرهم طيراً أبابيل في السنوات الخمس الماضية تمطر اليوم على رؤوسهم ذهباً.
ليست صنعاء بيروت، ولا هي بغداد. وكان من الطبيعي أن تستكنَّ أية جذوة غضب في ضلوع اليمنيين، بالتزامن مع ثورات الربيع، مع ما يرونها من بركاتٍ تهبّ على الحوثيين من حيث لا يحتسبون، حتى أن الحوثيين يقطفون بلح الشام وعنب اليمن في عز الشتاء، وحتى أن "عاصفة الحزم" الهوجاء باتت أرقّ عليهم من صبا بردى.
ثم إن جسراً جوياً يلوح في أفق ما بين صنعاء والرياض، بحسب ما تمخضته سراً مفاوضات مسقط من نيات حسنة، منها افتتاح مطار صنعاء وعودة رحلاته الجوية بعد سنوات من التوقف، وقد تقرّر تدشينه بنقل الجرحى الحوثيين على طائرات مدنية سعودية إلى مستشفيات للعلاج.
وفي خضم هذه التحوّلات الجذرية لعاصفةٍ هبت أصلاً لتقويض ما أعلنه الحوثيون، غداة الجائحة، عن تشييد جسر جوي بين صنعاء وطهران، بمعدل أربع رحلات يومية، تنام صنعاء حالياً في بيات شتوي تحت الجسر الجديد. وبينما يرتسم القمر العربي في سماءي بيروت وبغداد، بطلعته الربيعية الأنقى والأقرب إلى الأرض، يأمل اليمنيون في صنعاء أن يفيض الهلال الشيعي مزيدا من بركاته على الحوثيين، على أمل آخر في أن ينتقل فائض البلح والعنب في عيد النيروز الحوثي إلى كل اليمنيين، عن طريق العدوى الحميدة وأعاجيب العاصفة.
دلالات