يقول راسل إدسن في حواره مع بيتر جونسن: "أكتب في المقام الأول كي أتسلى. أي لأندهش. كثير من الشعراء يكتبون انطلاقاً مما يُسمّونه التجربة. وذلك يبدو طريقاً مسدوداً. أما أنا فبالنسبة لي، القصيدة ذاتها، أو عملية كتابتها نفسها، هي التجربة، وليس كل القمامة المعتمة الكامنة من خلفها".
يَظهر ما يقوله إدسن بوضوح في كل قصيدة من قصائد مجموعته الشعرية، "كلنا نولد مصابين بالغثيان" التي ترجمها أحمد شافعي وصدرت مُؤخراً عن "الكتب خان للنشر والتوزيع" في القاهرة.
من يبدأ في قراءة الديوان، سيلاحظ بالتأكيد نزعة طفولية تحمل منطقها الخاص لا قواعد فيها ولا رسائل موجهة. لا يجد القارئ سوى قصائد تحمل قواعد الشاعر الخاصة والتي يكتشفها في كل مرة مع كل قصيدة.
لن نستطيع في مجموعة إدسن الشعرية أن نتعرّف على الشاعر نفسه في كل قصيدة أو على أي تفصيلة من تفاصيل حياته الشخصية تماماً. إدسن له وصفاته في كتابة قصيدة النثر، والتي ينقل المترجم شافعي عن البلجيكي ميشيل دلفيل واحدة منها، إذ يعمد الشاعر إلى الزج بإنسان معاصر في واقع بديل يفقد فيه السيطرة على نفسه لدرجة أن تمتصّه - مجازياً وفعلياً - في بعض الأحيان البيئة المألوفة له في حياته اليومية.
تعتبر هذه الإشارة من دلفيل مفتاحاً لفهم قصائد ونصوص إدسن الذي نرى عوالم مختلفة وغرائبية في قصائده، عوالم لا تتوقّف عن اختراع حيوات جديدة تتأنسن فيها كل الأشياء وتتحرّك، كرجل يتزوّج حذاء عالي الكعب، أو امرأة ترثي ممسحتها الخاصة، أو غرفة طعام تَشعر بالغثيان.
روح الفكاهة والطرافة تغلّف كثيراً من القصائد، ولا يستطيع القارئ أن يمنع نفسه من الابتسام أمام قصائد تبدو عفوية ومرتجلة من خلال قراءة أولى، لكنها مع القراءة المتأنية تنكشف عن بناء محدّد لكل قصيدة، وهو بناء متقن لدرجة يشعر معها قارئها أنها وُلدت هكذا.
تلخص القصيدة الأخيرة في هذا الكتاب منهجية صياغة قصيدة النثر عند إدسن وكيفية ابتكارها، وهي تحمل عنواناً يكشف عن رؤية وتصوّر "قصيدة النثر حيواناً جميلاً":
"كان يكتب قصيدة نثر، ونجح في الجمع بين زرافة وفيل/ أقبل العلماء من جميع أرجاء العالم ليروا النتائج: بدا الجسم جسم فيل، ولكنه له عنق زرافة ورأس فيل صغير، وخرطوم قصير كان يهتز اهتزاز خيط مبلول./ لقد خلقت حيواناً جديداً جميلاً، قال أحد العلماء/ هل يروقك فعلاً؟/ يروقني؟ صاح العالِم، إنني أعشقه وأودّ أن أمارس معه الجنس حتى أخلق حيواناً جميلاً آخر".
في نهاية المجموعة يوجد حواران مترجمان مع الشاعر؛ الأول بعنوان "راسل إدسن.. عارياً إلا من خياله"، والثاني بعنوان "الشعر متعة.. والقصيدة في أفضل حالاتها تسلية". تنقلنا هذه الحوارات إلى داخل العالم الخاص براسل إدسن كشاعر وتُعرّفنا عليه عن قرب أكثر، ولا تقلّ متعة أثناء قراءتها عن قراءة قصائد ونصوص الكتاب.