رابعة... ذاكرة صحافية تأبى النسيان

14 اغسطس 2019
صحافيون غطّوا المجزرة وعايشوا الاعتصام (مصعب الشامي/فرانس برس)
+ الخط -
أعوام ستة مرت على أبشع مجزرة بشرية مصرية في العصر الحديث. وبينما يحاول مرتكبوها تثبيت رواياتهم حول الواقعة، يروي صحافيون عايشوا اعتصام رابعة الذي استمر نحو 50 يوماً شهاداتهم لـ"العربي الجديد"، مؤكدين أنها مطبوعة في ذاكرتهم ويحفظونها كأسمائهم. 


"صلاح. ل" مراسل صحافي تابع أخبار الاعتصام لحظة بلحظةً منذ بدايته، يتحدث لـ"العربي الجديد"، بشرط عدم ذكر اسمه الكامل أو المكان الذي كان يعمل فيه خشية الملاحقة الأمنية. يقول إنّه تم تكليفه من قبل الصحيفة التي يعمل فيها بمتابعة اعتصام رابعة العدوية، كونه كان متخصصاً في شؤون "الإسلام السياسي" والأحزاب الإسلامية، مشيراً إلى أنه كان متواجداً بشكل يومي في ميدان رابعة وأنه أحياناً كان يبيت في الميدان، ونادراً ما كان يذهب إلى مقر الجريدة، إذ كان يقوم بإرسال المواد عبر البريد الإلكتروني من قلب الاعتصام.

يوضح صلاح أنه في هذا الموعد من كل عام، يُجيّش النظام المصري كتائبه الإعلامية للحديث عن اعتصامي ميداني "رابعة العدوية" و"النهضة" في القاهرة، باعتبارهما بؤرتين مسلحتين كانتا تؤويان عناصر إرهابية تهدد أمن واستقرار البلاد. لكن الحقيقة أن هذا كذب ولا يمت للواقع بصلة، فالغالبية العظمى من المعتصمين كانوا أشخاصاً عاديين معظمهم قدم من المحافظات الأخرى والأرياف.

ويضيف أنه تابع الحديث الذي أدلى به العميد سمير راغب، رئيس ما تسمى بـ"المؤسسة العربية للدراسات الأمنية"، والذي وصف فيه اعتصام "رابعة العدوية "بـ"التمرد المسلح"، في منطقة جهات سيادية ومناطق حيوية، وزعم أن "الفيديوهات أثبتت أن إرهابيين كانوا يحملون الكلاشينكوف، علاوة على الأسلحة البيضاء والسيوف والطبنجات وسلاح الخرطوش". ويؤكّد أنّه على يقين بأن ما قاله راغب هو محض افتراء، لأنه، بحسب قوله، كان على علم بكل كبيرة وصغيرة داخل ميدان الاعتصام، وأنه كان يتجول في جميع أرجاء الميدان ويعلم ما يحدث داخله. ويشير إلى وجود مكان واحد قرب مبنى "طيبة مول" التجاري، كان به 4 قطع سلاح كانت مع أفراد من غير جماعة الإخوان المسلمين، لكنه لا يعلم على وجه التحديد إلى أي جهة كان ينتمي هؤلاء، وكيف قاموا بإدخال تلك الأسلحة إلى مقر الاعتصام. ويضيف المراسل الصحافي أنّه باستثناء هؤلاء الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة والذين لا يعلم أحد من أين جاؤوا وإلى أي جهة ينتمون، فإن الآلاف من المعتصمين كانوا سلميين قطعاً، ولم يرتكبوا أي مخالفات، كما يدّعي البعض.


"خالد. و" مراسل صحافي كان أيضاً يقوم بتغطية اعتصام "ميدان رابعة"، وفي الوقت ذاته كان محل سكنه قريباً جداً من ميدان رابعة، ويقع عند تقاطع شارعي "امتداد رمسيس" وطريق النصر، عند نادي السكة الحديد بمدينة نصر. يقول خالد، الذي رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الملاحظة الأساسية التي كان يلاحظها في أيام الاعتصام، هي وجود كمين أمني بشكل دائم على طريق النصر قرب مدخل الاعتصام، لكن الغريب أن ضباط وعساكر هذا الكمين، لم يقوموا أبداً بتفتيش أو توقيف أي من السيارات التي كانت تتجه إلى مكان الاعتصام.

ويضيف خالد أنه شاهد بعينيه ضباط الكمين يغضّون الطرف ويتجاهلون سيارة نصف نقل كانت تحمل رجالاً ملتحين يبدو أنهم كانوا يحملون بعض الشوم والعصيّ، وهو الأمر الذي أثار استغرابه بشدة، فلماذا يسمح الأمن بتوافد المعتصمين إلى ميدان رابعة من الأساس، بينما كان يمكن منعهم من الدخول إذا كانت الدولة بالفعل لا تريد ذلك التجمع! ويقول خالد إنه بناء على تحليله للموقف، فإن الشرطة كانت ترغب في إتاحة الفرصة لبعض الأفراد لإدخال أسلحة إلى موقع الاعتصام، حتى تكون لديها الذريعة فيما بعد لاستخدام القوة ضد جموع المعتصمين السلميين، لكنها حتى لم تنجح في ذلك، واضطرت فيما بعد إلى جلب بعض صناديق من الأسلحة وتصويرها بالكاميرات بعد الفض الدموي للميدان، لأنها لم تعثر بالفعل على أي أسلحة تذكر بحوزة المعتصمين.



أبلغت وزارة الداخلية المصرية الصحافيين المعتمدين لديها، فجر يوم الرابع عشر من أغسطس/آب، بأنهم مستدعون لمهمة صحافية برفقة قوات أمنية، وسريعاً ما فطن هؤلاء الصحافيون إلى أن الوزارة قصدت عملية فض اعتصام رابعة العدوية. وبالفعل، توجه المراسلون إلى المكان المتفق عليه ورافقوا قوات الأمن التي توجهت إلى ميدان "رابعة العدوية".

ويقول "أحمد. ص"، وهو مراسل صحافي كان موجوداً في اللحظات الأولى لاقتحام الميدان على المعتصمين، إن رواية الأمن المصري والتي تقول إن أول من سقط قتيلاً في ذلك اليوم هو ضابط شرطة، غالباً صحيحة، ولكن المشكوك في صحته أن هذا الضابط سقط برصاص المعتصمين، نظراً لأنه مهما بلغ مستوى تدريب المعتصمين، فلن ينجح أحد منهم في استهداف الضباط بالرصاص، خصوصاً أنهم كانوا على مسافات بعيدة جداً من قوات الأمن، ناهيك عن أن ضباط القوات الخاصة الذين شاركوا في العملية، كانوا مجهزين بأحدث وسائل الحماية الشخصية مثل الدروع والخوذ، ما يصعب عملية استهدافهم بالأسلحة التقليدية مثل رشاش الـ"الكلاشينكوف".

ويضيف خالد أنه يرجح أن يكون هذا الضابط قد تم استهدافه بواسطة قناصة، ليكون حافزاً لزملائه على الهجوم على الميدان والانتقام له. ويؤكّد أن هؤلاء القناصة قاموا بدور بشع في ذلك اليوم، وأنه شاهد بعينيه عشرات القتلى يسقطون برصاص هؤلاء القناصة الذين احتلوا البنايات المجاورة للاعتصام والتي يتبع معظمها للقوات المسلحة.
المساهمون