رائف بدوي يأكل السياط
مات الملك عاش الملك، فيما يعاني رائف محمد بدوي، الناشط السعودي في مجال حقوق الإنسان ومؤسس موقع "الليبراليون السعوديون" الإلكتروني، من سياط جلاديه الذين قرروا جلده ألف مرة، مع الحكم عليه بالسجن عشرة أعوام، ودفع غرامة تتجاوز قيمتها ربع مليون دولار أميركي.
ألف جلدة. 1000! وقد قرروا تقسيمها لأسباب لوجستية وعملية حتماً، على 20 أسبوعا. وإلا فمن هو الجلاد الذي سيقبل، أو سيحتمل، أن ترتفع يده بالسوط وتسقط على هذه المساحة الضيقة الهشة التي يُفترض أنها ظهر المعاقَب، كل تلك المرات، فلا تُشلّ يمينه، أو يسراه، ولا يسقط مغمياً عليه من التعب؟ وكيف لأي بشريّ أن يصمد في وجه ألف جلدة تنزل على ظهره دفعة واحدة، فيبقى صاحياً، صامداً، قادراً على التمعّن في أخطائه، واعياً لمعنى العقاب الذي يُنزل به؟ حكموا، إذن، عليه، وبدأوا تنفيذ حكم الجلد في 9 يناير/كانون الثاني 2015، أي أن رائف تعرض للجلد من ثم في 16 يناير، وفي 23، ثم في 30، وهو لن ينتهي من عقوبته تلك، قبل 20 مارس. كما أنه سيتعرض، في كل مرة، لـ 50 ضربة تسلخ جلده، يريحونه من بعدها 6 أيام، ليعودوا فيسلخونه من جديد. ولمَ هذا كله؟ لأنه اعتدى جنسياً على أطفال؟ لا. لأنه ارتكب جريمة وأودى بحياة شخص، أو عدة أشخاص؟ لا. لأنه سارق؟ لا. مغتصب؟ لا. نصّاب. لا. مسيء إلى الأخلاق العامة أو الذوق العام؟ لا. لا. لا.
حُكم عليه بهذا كله، لأنه كان قد تجرأ فقط على توجيه انتقادات إلى "المطوعين"، أي إلى أعضاء الشرطة الدينية السعودية التي تحمل اسم "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، داعياً إلى إلغائها، ومطالباً بمحاكمة رئيسها في محكمة العدل الدولية.
فقط؟ سيُرَدّ عليّ بغضب واستياء، فهل ثمّة من يجرؤ على المساس بالمؤسسة الدينية السلفية التي يصحو الناس وينامون في المملكة السعودية، على أوامرها وسياطها؟ يفعل هذا وتستمر حياته من بعدها، وكأن شيئا لم يكن؟ ويستمر من بعدها بالحياة، وكأن شيئا لم يكن؟ اتهمت المحكمة رائف بدوي بالإساءة إلى الإسلام، هكذا دفعة واحدة، ومعناه أن من أساء إلى الهيئة والعاملين فيها ورئيسها، إنما يسيء إلى الإسلام.
وفي تعريف الهيئة التي تأسست عام 1940، أنها هيئة رسمية سعودية، تعداد أفرادها حوالي 4000 رجل، مكلفة بتطبيق نظام الحسبة المستوحى من الشريعة الإسلامية، في الأسواق العامة وغيرها من الأماكن العامة، والحيلولة دون وقوع المنكرات الشرعية، والتي منها منع الممارسات التي تظهر عدم الاحترام للدين الإسلامي، ومنع أعمال السحر والشعوذة، والدجل لأكل أموال الناس بالباطل.
أما في تعريف الناس، فالمنكر، بحسب الهيئة، شديد الاتساع، يندرج فيه ما لا يعتبر منكراً من الناحية الشرعية، بحيث يؤدّي عدمُ وجود قائمة واضحة بالمنكرات، إلى التعسف والغلو، وإلى ارتكاب تجاوزات يتسبب بعضها بمقتل أشخاص، ضرباً أو مطاردة. وقد كان من أشهر مآثر الهيئة حادثة حريق مدرسة البنات في مكة عام 2002، حيث قيل إن أعضاءها تسببوا في زيادة عدد الضحايا، إذ أغلقوا الباب على البنات، ومنعوا عنهن المساعدة، لأنهن لم يكنّ يرتدين الحجاب !
والهيئة، كما هو معروف، فوق المساءلة، وكان مفتي المملكة العربية السعودية السابق، الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، قد أفتى بخصوص أعضائها ووضعهم القانوني، قائلا: "أعضاء الهيئات الذين لا يقبل فيهم طعن ولا تطلب عليهم التزكية"، رافضا مساواتهم بغيرهم من رجال الأمن والضبط الجنائي، بخصوص الوقوف متهمين أمام المحاكم.
أما الآن، وقد مات الملك، وعاش الملك، فهل يصدر الملك الجديد عفواً عن رائف بدوي الذي يدفع ثمن إشارته إلى هذا كله؟ نناشده. لعلّ وعسى.