رئيسنا "الثالث عشر"

01 نوفمبر 2016

توزيع صور عون في بيروت ابتهاجا (31/10/2016/فرانس برس)

+ الخط -
في لحظة كتابة هذه المقالة، أي قبل أربع وعشرين ساعة من موعد انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية في 31 أكتوبر/ تشرين الأول، يضع الشعبُ اللبناني يده على قلبه، مرتعباً من إمكانية حدوث طارئ أمنيّ يعطّل الانتخابات الرئاسية، فيُبقي البلاد، مرة أخرى، أسيرةَ فراغٍ طال. هكذا قرّر وزير التربية إغلاق المدارس الخاصة والرسمية، داعياً الجامعات إلى اتخاذ قرارٍ مماثل في اليوم الموعود، كأنه في سريرته يعلم أننا سنلملم أطفالنا، ونغلق أبوابنا متحصّنين متوجّسين، مصوّبين أعيننا إلى الشاشة الصغيرة، بانتظار أن يُبثّ الفيلم التلفزيوني الذي، وإن كنا نعرف خواتيمه، ما زال يُشعرنا برهبة اللحظة، إذ لعلّ وعسى، وربما ومن الممكن، كما سبق أن جرى لنا على مرّ عقود.
يتفرّج اللبنانيون وكأنهم ليسوا معنيين بالحدث إلا لذاته، راجين انتهاءه على خير ما يرام، كي يستأنفوا شقاءهم وقرفهم ويأسهم من حياتهم الغارقة في دبوقٍ لا يقدر عليها شيء، غير عابئين بما سيلي، هم المتيقنين بأن شيئاً حقيقياً لن يلي، وأن هذا التحلّل البطيء الذي طاولهم ماضٍ ولا بدّ في تقدّمه الحثيث.
حتى المحازبون منهم، المتحمّسون المحتفلون الذين نشروا سلفاً الصور والأعلام على الطرقات، وأطلقوا الأناشيد والأهازيج والضوضاء، يدركون جيداً أن الحفل هذا لن يتجاوز برهته تلك، وأنه لن يعدو كونه تسجيل لحظة انتصارٍ، هي أشبه بالفقاعة، فهم يدركون جيداً أن "الرئيس القوي" الذي يعدوننا به، لم يكن قوياً إلا بعناده وبتمسكّه بحلم استمرّ 26 عاماً، عقد من أجل تحقيقه كلَّ التحالفات وقدّم كلّ التنازلات، وها هو يبلغه اليوم، مكبّلاً بوعودٍ متضاربة، منهكاً، مترنّحا، وسط حقل من الألغام.
ثمّة هنا ما يذكّر بشخصية فاوست، ذاك الذي باع روحه لإبليس، في مقابل أن يعيد إليه شبابه خلال 24 عاماً، وبشخصيات روايات ماركيز لما تحويه من عبث التخييل والتراجيديا في آن، "قصة انتخاب معلن"، "ليس لدى الجنرال من يكاتبه"، أو "خريف الجنرال"، وبمسرحيات شكسبير لجنوح بعض شخصياتها المجنون نحو السلطة، وفقدها، إثر ذلك، كل علاقةٍ بالواقع من حولها، كما هي حال "ريتشارد الثالث "، و"الملك لير". شخصية الجنرال ابن المزارع، بناته الثلاث اللواتي يتنازعن وأزواجهن إرثه السياسي، سيرته الحربية ثم السياسية، وصولاً إلى هربه إلى باريس بعد أن وعد بعدم مغادرته القصر إلا جثة، وانتخابه رئيسا (أمس الإثنين)، كل هذا فيه شيء من سِيَر تلك الشخصيات مجتمعة، وإن كانت في العمق لا تحمل كل تلك الأبعاد.
ماذا في رأس الجنرال قبل يوم من انتخابه؟
ستجتمع العائلة على الغداء. بناتي الثلاث والأزواج والأحفاد. زوجتي مضطربة. هي لا تتفاءل أبداً بالرقم 13. تذكّرني بأن الجيش السوريّ شن هجومه في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 1990،على القصر الجمهوري في بعبدا ومواقع الجيش اللبناني في اليرزة التي كانت معقلاً لي رئيسا للحكومة الانتقالية، فانتهى الأمر بهربي إلى فرنسا. وتضيف: لا تنس أيضاً أنك ستكون الرئيس الثالث عشر. تلومها البنات، معنّفات، ثم يرفعن كؤوسهن. نتبادل الأنخاب والتهاني. كأسك فخامة الرئيس. كأسكم جميعا.
لا قابلية لي على الأكل اليوم. لم أنم بما يكفي البارحة. سأنسحب بعد قليل. يكفي أن أقول إني أحتاج أن أرتاح قليلا، كي يذعنوا مباشرة. يخافون أن يصيبني مكروه، قبيل الرئاسة خاصة، فتطير اللقمة من أفواههم. يدارونني كطفل. ليتهم ينصرفون جميعاً. أريد البقاء معي. وحدي. أنا هو الجنرال. 26 عاماً وأنا أنتظر، ربع قرن ونيف، وها هي اللحظة تحين أخيراً. لا أحد يدرك ما كانت كلفة انتظارها عليّ، وها هي الآن باتت في متناول اليد. غداً أدخل قصر أحلامي، قصري. أظهر عليهم من الشرفة، فتشتعل الأيادي تصفيقاً وتهليلاً وهتافا، وتنعقد حلقات الرقص... يجب أن تكون صورتي الرئاسية مُهيبةً، عظيمةً، معبّرة عن موقعي وأهميتي التاريخية. وربما أصدرتُ عملةً عليها رسمي، وطوابع بريدية أيضا، و... ليتني كنتُ أستطيع الجلوس على عرش، وعلى رأسي تاج وبيدي صولجان. ليس أقلّ من هذا. يجب أن أفكّر بخطاب القسم. سأبدأه حتماً بـ "يا شعب لبنان العظيم"... أجل، أنا الشعبُ. وأنا العظيم. وأنا الرئيس. أنا... أغطّ الآن في نوم عمييييق.
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"