رئاسيات تونس: انتهت مرحلة صناعة الديكتاتور

24 نوفمبر 2014
لن تتوقف مسيرة الديمقراطية في تونس (طارق بوراك/الأناضول)
+ الخط -
سعى التونسيون إلى تثبيت حقهم في قطف ثمار ثورتهم، بعد نحو أربع سنوات على دخولها الوجدان الجماعي العربي. فشاركوا، أمس الأحد، في الانتخابات الرئاسية الأهم في تاريخ البلاد. وعلى الرغم من المنع القانوني لشركات استطلاعات الرأي، من بثّ النتائج التقريبية، من خلال عملها الميداني، إلا أن تأثير ذلك بقي محدوداً، في ظلّ وجود مرشحين أقوى من غيرهم. ومع انتهاء الانتخابات، طُويت صفحة أخرى، وبدأ الناخبون يستعدون للانتقال إلى الخطوة التالية.

وساد جوّ عام أمس، في بلد يؤسس ديمقراطيته الجديدة، يقضي بقبول الجميع بنتيجة الاقتراع، بعد أن توافرت كل شروط العملية الانتخابية النزيهة. وتبيّن أنه لا وزن لمن روّج لاحتمال حدوث تزوير انتخابي، أو هدد باللجوء إلى السلاح.

وبعد خطوة أمس تتجه تونس كي تصبح رائدة الديمقراطية في العالم العربي، ولكنها لا تزال تواجه تحديات ضخمة وفعلية. فالبلاد في أشد الحاجة للاستقرار السياسي، الذي يُعدّ الاستقرار المؤسساتي من أهم مرتكزاته. ولهذا يكثر الحديث هذه الأيام، على نوعية العلاقة التي يجب أن تقوم بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة. وهو أمر ستكون له مدلولاته في حال كان الرئيس الجديد من خارج الحزب الفائز.

لهذا بدأت المخاوف تتعاظم بعد أن وجه الرئيس منصف المرزوقي، رسالة إلى رئيس حزب "نداء تونس"، الباجي قايد السبسي، عشية الانتخابات، يطلب منه الشروع في تشكيل حكومة وفق مقتضيات الدستور. واعتبر محسن مرزوق مسؤول حملة السبسي، الرسالة "بمثابة محاولة انقلاب سياسي". وعلى الرغم من دقّة الخلاف السياسي، غير أن الأكثر أهمية في يوم أمس، كان تجاوز التونسيين تحدّي الانتخابات الرئاسية بشجاعة. ولم تشهد البلاد أي حالة عنف حادّة بين أنصار المرشحين، باستثناء حالات فردية.

وكرّست العملية الانتخابية، وقوف التونسيين بشجاعة نادرة وجماعية، ضد الإرهاب، الذي حاول إيقاف المسار الديمقراطي، لكنه فشل. وتُعدّ هذه الحالة من الدروس، التي يُفترض أن يستوعبها الشباب التونسي، الذي تورط في الإرهاب، لسبب وجود رفض جماعي لكل من قرر رفع السلاح في وجه الدولة.

وتحتاج تونس في المرحلة المقبلة، إلى استقرار كي تهضم مكاسبها الديمقراطية، التي أنجزتها في وقت قصير واستثنائي. فالتونسيون يقومون في كل مرة بخطوة عملاقة، من دون أن يدركوا أهميتها وحجمها وتداعياتها المستقبلية. عليهم إدراك أن تونس تصنع التاريخ، وعلى شبابها، الذي لم يشارك بقوة في الانتخابات، إطلاق ورشة عمل جماعية، كي يطرح الأسئلة عما تحقق حتى الآن من منجزات ديمقراطية، ويبني على ضوئها استراتيجيته المستقبلية، بما تتضمّن من أهداف ومطالب، بالإضافة إلى معرفة التزاماته وواجباته.

تونس اليوم في منعرج، ومن يتصور أنه قادر على إيقاف هذه المسيرة هو واهم، لأن الحماس للديمقراطية، وإن كان لا يزال فاتراً لدى البعض، غير أن ما تحقق غير قابل للعودة. فقد تأكد أن مرحلة صناعة الديكتاتور انتهت.

المساهمون