من يشاهد آخر فيديو تظهر فيه الفنانة نور الهدى لا يسعه إلا أن يفكر في الأقدار التراجيدية التي أفقدت هذه الموهبة جزءاً كبيراً من سمعها، بعد أن أصيبت بمرض السل في منتصف الخمسينيات، وكانت الحقن العلاجية التي تعطى لهذا المرض تسبب الصمم فاضطرت إلى اعتزال الغناء، الذي تركت حبيبها من أجله.
تتحدث ألكساندرا بدران، عن نفسها، نادمة لأنها لم تتزوج وأنها عاشت شيخوختها وحيدة بلا أبناء أو عائلة صغيرة، رغم انها عرفت الهوى وخاضت قصة حب قاسية كان إصرارها على مواصلة الغناء سبباً في نهايتها.
تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنانة اللبنانية (1924-1998)، التي تقول في الفيديو نفسه "أنا أبكي على نور الهدى حين أسمعها لأني أعرف أنها لم تقدم كل ما عندها"، كانت نور تلقب بـ "أم كلثوم لبنان"، وكان غناؤها لكوكب الشرق وهي مراهقة سبباً في لفت الأنظار إليها.
وقفت الفتاة تغني لأم كلثوم في حفل في حلب عام 1941 حين كان بين الحضور الفنان المصري يوسف وهبي، ولما كان شكلها لا يقل جمالاً عن صوتها الآخاذ، اقترب منها وهبي بعد الحفل وطلب منها أن تأتي إلى القاهرة، واعداً إياها بالسينما، وفعلاً غادرت إلى "أم الدنيا"، وهناك وقعت أول عقد لها بخمسة أعوام، وقدمت فيلمها الأول "جوهرة" الذي ظهر عام 1943، وكان وهبي هو من اختار لها اسمها الفني.
ربما يكون تسجيل "يا جارة الهوى" الذي قدمته بلا موسيقى، وصدح فيه صوتها كأنه غناء مسافر في الفجر، أفضل تسجيل لهذه الأغنية على الإطلاق، لا سيما وأنها من الأعمال الكلاسيكية التي قدمها مطربون معرفون، لكن أياً منهم لم يتجلى فيها كما فعلت نور الهدى.
التقت بمحمد عبد الوهاب في بيروت وهي ابنة تسعة أعوام، وغنت أمامه فأعجب بصوتها لكنه طلب منها ألا تغني في هذا العمر، غير أن الأقدار ستجمع نور بعبد الوهاب بعد سنوات في القاهرة لتمثل أمامه فيلم "لست ملاكا" عام 1946 وتغني معه "دويتو" إلى جانب عدة أغان من ألحانه.
من أكثر أغنيات نور الهدى شهرة "المتمرد الجميل" و"تانجو الأمل"، حيث كان صوتها من أوسع الأصوات وأجملها في القصائد، وتختلف شخصيته تماماً في الأداء الفصيح عن الغناء بالعامية المصرية فيجود أكثر ويتصرف ببراعة وجمال وقوة، تختلف عن تلك الرقة والشقاوة والمشاكسة في غنائها بالدارجة.
صوت نور الهدى طائر، أو سرب من الطيور يرفرف فجأة ويحلق ما أن تصل إلى حالة الطرب والنشوة الموسيقية مثل تلك التي نراها وهي تؤدي "نم إن قلبي فوق مهدك" في حفل أقامته في الكويت في نهاية الأربعينيات، ولحسن الحظ أن ذاكرة يوتيوب تحفظ هذا الحفل لفنانة كانت كبيرة الموهبة وقليلة الحظ.