دي ميستورا.. بداية تقسيم سورية

27 ديسمبر 2014
+ الخط -
ربما لا أحد في الائتلاف السوري المعارض، والذي نصّب نفسه وصيّاً على الثورة السورية، عنده الوقت، أو الحجة، لكي يتحدث في الموضوع المهم المطروح، والمتعلق بالدعوة إلى إقامة مناطق حكم ذاتي، أو مناطق مجمّدة، أو ما أطلق عليها خطة أو مبادرة ستيفان دي ميستورا (المبعوث الأممي إلى سورية). وذلك، غالباً، لأن الائتلاف، برمته، مشغول بخلافاته المستعصية، حول تقاسم المغانم وتوزيع المناصب، والتفنّن في نصب الأفخاخ، ويعاني من أزمات خانقة في مجال التنظيم والضياع السياسي والفساد المالي.
على كل حال، المطروح على الطاولة خطير جداً، على الرغم من جاذبيته، لجهة إيقاف الحرب التي طالت الحجر والبشر، ولجهة توفير مستلزمات الحياة لمَن بقي حياً.
الخطورة أن طرح مناطق حكم ذاتي، أو مناطق مجمّدة لن يوقف الحرب، ولن يوفر مستلزمات الحياة للناس، بل إنه ربما يزيد الفوضى والاقتتال بين الإخوة من ناحية، ويمهّد لتقسيم سورية، أرضاً وشعباً، من ناحية أخرى. فهو يتوافق مع استراتيجية داعش في إدارة التوحش، ويتوافق مع استراتيجيات أمراء الحرب، والأهم من ذلك كله، يمهّد لجميع الدعوات الشيطانية الداعية إلى الفوضى، ريثما يأتي التقسيم في النهاية.
لندقق في الأمر، ولنسأل لماذا الدعوة إلى إدارة ذاتية في حلب وشمالها تحديداً؟ أي في مناطق المجموعات الإسلامية المتشددة، وفي مناطق النفوذ التركي، ومناطق الوجود الكردي، والمناطق التي وصفها منظرو التقسيم (نأتي على أفكارهم لاحقاً، من أمثال راسموسن ولانديس)، بالمؤهلة للتقسيم قبل غيرها، ولماذا هكذا مبادرة ستفضي إلى التقسيم؟
لأنها ستسمح بإطالة أمد الحرب، وإطالة عمر الأزمة، وتدمير ما تبقى من سورية، وتنويع الكيانات القائمة فيها. ولأن دعوات "المناطق العازلة"، أو "تجميد القتال"، أو "مناطق الحكم الذاتي"، أو "المناطق المجمدة"، ليست سوى مبادرات تهيئ الأرض للتقسيم، في ظل الظروف الحالية على الأرض، أو للتوزيع بين العصابات المسلحة والنظام، متجاوزة الأبعاد الجمعية والجغرافية والوطنية للمجتمع السوري. إن تقسيم الناس، وفق تموضعهم المكاني والجغرافي، سيعطي الحق لمسلحين نصّبوا أنفسهم أولياء على كلا الجانبين، وشيّدوا امبراطورياتهم المالية والاقتصادية والعسكرية، وإلا ما معنى أن لا يكتفي دي ميستورا بتجميد الوضع في حلب، وإنما بإقامة إدارة محلية، بالمشاركة، أو لكل طرف على حدة. في الحالتين، ثمة مزيد من الشرذمة والفوضى، فإذا كانت إدارة محلية مشتركة (النظام والمعارضة)، سيطالب النظام بعودة موظفيه إلى شرق حلب، بما فيهم موظفو الأجهزة الأمنية والمخابرات، وهنا عودة للنظام أو قتال جديد، وإذا كان إدارة مستقلة، فهنا صراع لا ينتهي بين الفصائل المسلحة.

ولا يمكن، كما تدعي المبادرة، لأهالي المناطق أن يباشروا الخدمات الإدارية والخدمية بأنفسهم، ولن يكون في وسع حكومة معارضة مؤقتة، هزيلة وجاهلة، أن تدير شؤون الناس، وتحكم بينهم بالمعروف، في ظروف عدم الاعتراف بها من المسلحين الموجودين على الأرض، وسيكشف دي ميستورا المستور، ويبدو العجز والفقر، ونفوذ العصابات المسلحة، والعصابات التي ستولد بفعل إغراء المال والسلطة.
ولن يستطيع الجيش السوري الحر، قليل العدد والعتاد، وضعيف التأثير والوجود، أن يمنع تأثير الميليشيات المتمترسة في المناطق، بل إنه سيفتت نفسه، ويتحول إلى مرتزقة تتقاتل مع الميليشيات الأخرى. وستندلع الخلافات مع الإخوة الأكراد أكثر، وتطرح أفكار الانفصالين بحدة، تلك المطالبة بالانفصال عن سورية. وهناك مخاوف من نفوذ تركي متزايد في المنطقة العازلة، يمكن أن يتطور إلى نفوذ سياسي واقتصادي، لا يبقي على شيء من الصناعات أو الاقتصاد السوري.
لا تصدقوا كل هذه الخرافات التي لا تعدو كونها مقدمات وبالونات اختبار لأفكار التقسيم الشامل التي يروجها حالياً أصدقاء إسرائيل، أمثال راسموسن ولانديس، والتي سيتم طرحها في الوقت المناسب، حين تسقط الحلول الجزئية المسماة "المناطق المجمدة"، أو "مناطق الادارة الذاتية". ويكذب مَن يقول إن خطة دي ميستورا تقطع الطريق على دعوة المنطقة العازلة التي تريدها تركيا، أو على تقسيم سورية، لأن الخطة نفسها بداية التقسيم، وبداية مذابح الإمارات الإسلامية المسلحة.

avata
تيسير الرداوي

أستاذ جامعي ورئيس هيئة تخطيط الدولة في سورية سابقاً