ودعا دي ميستورا، خلال جلسة مجلس الأمن الدولي، الدول الضامنة لمفاوضات أستانة حول الأزمة السورية إلى الاجتماع خلال الشهر الجاري. وقال: "سأترك منصبي في نوفمبر المقبل، لأسباب شخصية"، إذ تزوّج حديثاً ويريد التفرغ لأسرته، كما قال في تصريحات سابقة.
وأوضح المبعوث الأممي أنه سيتوجّه الأسبوع المقبل إلى دمشق بدعوة من سلطات النظام السوري، لبحث تشكيل لجنة دستورية مكلفة صياغة الدستور، مشيراً إلى أن "تركيا أظهرت موافقة على قائمة المرشحين للجنة الدستورية السورية"، داعياً ضامني أستانة إلى التشاور معه قبل نهاية الشهر في جنيف.
ورأى الدبلوماسي الأممي أن اتفاق إدلب "فتح نافذة كبيرة لإطلاق لجنة دستورية ذات مصداقية".
وخلال مؤتمر صحافي عُقد بعد انتهاء جلسة مجلس الأمن، قال دي ميستورا: "اتفاق إدلب مهم، ونأمل أن يؤدي إلى هدوء دائم في إدلب، كما أنه فرصة لتشكيل اللجنة الدستورية، وهذا سيبقى هدفنا. وإذا كانت هناك إرادة سياسة فلا يوجد أي سبب يحول دون أن تجتمع اللجنة الدستورية في شهر نوفمبر المقبل".
وأكد: "نحن مستعدون، ونحضر للموضوع منذ عشرة أشهر. السبب الرئيسي وراء التأخر في تشكيل وعقد اللجنة الدستورية هو عدم موافقة الحكومة السورية على اللائحة الثالثة التي قامت الأمم المتحدة بإعدادها لتشكل لجان الدستور". وأوضح أن زيارته المقبلة إلى دمشق ستتمحور، وبشكل أساسي، حول هذا الموضوع، بالإضافة إلى "مواضيع مفصلية أخرى".
وأعلن سفراء الدول الأوروبية في مجلس الأمن، الحالية والمقبلة، ألمانيا والسويد وفرنسا وبريطانيا وبولندا، وإيطاليا وبلجيكا وهولندا، خلال مؤتمر صحافي، عن دعمهم مساعي دي ميستورا، ووجهوا رسالة قرأها السفير السويدي تطالب جميع الأطراف في سورية، وعلى وجه الخصوص دمشق، بالتعاون مع مبعوث الأمين العام، بهدف تشكيل لجنة دستورية.
دي ميستورا المثير للجدل
ودي ميستورا من مواليد 1947 في استوكهولم السويدية، وهو عضو سابق في الحكومة الإيطالية. وبعد مسيرة 40 سنة في مختلف وكالات الأمم المتحدة، تم تعيينه وكيل وزارة الخارجية للشؤون الخارجية في الحكومة الإيطالية، برئاسة ماريو مونتي، ثم مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالأزمة السورية خلفاً للجزائري الأخضر الإبراهيمي، الذي قدم استقالته من المنصب.
وخلال عمله مبعوثاً إلى سورية، طيلة السنوات الأربع الماضية، كان دي ميستورا شخصاً مثيراً للجدل، ولم يحظ برضى النظام ولا المعارضة في سورية، فضلاً عن تعرضه لانتقادات عديدة من جانب روسيا.
وآخر تصريحاته التي أثارت امتعاض المعارضة السورية في نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي، حين قال إن عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب يتركزون في مدينة إدلب السورية، بينهم ما يقدر بنحو 10 آلاف "إرهابي" ينتمون إلى "جبهة النصرة" و"تنظيم القاعدة"، وهو ما عدّته المعارضة السورية تغطية مسبقة للعدوان الذي كان يستعد النظام وروسيا لشنه على المحافظة قبل اتفاق سوتشي الأخير.
وسبقت ذلك تصريحات دعا فيها المعارضة السورية إلى الإقرار بهزيمتها في الحرب، والتوجه إلى بناء السلام على هذا الأساس.
من جهتها، ترى روسيا أن دي ميستورا كثيراً ما تجاوز مهمته التي ترى أنها محصورة بالعمل على تشكيل اللجنة الدستورية ورعاية اجتماعاتها بعد التشكيل، وصولاً إلى استئناف المفاوضات بين السوريين.
ويشير سلوك المبعوث الدولي، الذي لم يحظ يوماً بدعم أميركي أو دولي حقيقي خلال السنوات الأربع الماضية، إلى أنه حاول دائماً التأقلم مع مواقف الطرف الأقوى في الصراع السوري، خصوصاً مواقف روسيا، التي باتت اللاعب الأول في الساحة السورية منذ تدخلها العسكري في سبتمبر/ أيلول 2015، ما يشير إلى أنه ليس "صاحب مبادئ"، بل "رجل صفقات وتسويات" يقدر على التخلي عن المرجعيات الدولية الناظمة للحل السياسي في سورية كلما تعرّض لضغوط من الدول الكبرى، خلافاً للمبعوثين السابقين، مثل الأخضر الإبراهيمي وكوفي أنان، اللذين فضّلا الاستقالة على الخضوع للضغوط، أو دفعهما إلى سلوك طريق نهايته الفشل.
بديل دي ميستورا
وقالت مصادر إعلامية إن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الذي مدّد ولاية دي ميستورا شهراً واحداً، وكانت تنتهي في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، يبحث عن بديل لدي ميستورا.
وفي السياق، أكدت مصادر دبلوماسية عربية مطلعة في الأمم المتحدة بنيويورك، لـ"العربي الجديد"، أن وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة هو المرشح الأبرز والأكثر حظاً لخلافة دي ميستورا، وأن ترشيحه يلقى دعم روسيا وسورية، وأنه حتى اللحظة لا توجد اعتراضات قوية على اسمه من قبل بقية الدول الأعضاء دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين.
ومن ضمن الأسماء الأخرى التي يتم تداولها اسم نيكولاي ملادينوف، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، لكن اسمه يلقى كثيراً من الاعتراضات، وخاصة من الطرفين السوري والروسي، فضلاً عن أن أداء ملادينوف في الملف الفلسطيني كان دون المستوى، إذ يعتبر مقرباً، وعلى درجة كبيرة، من الأميركيين.
ومن المتوقع أن يعلن الأمين العام للأمم المتحدة عن اسم خلف دي ميستورا خلال الأسابيع المقبلة، وخاصة أن دي ميستورا يعتزم الخروج من منصبه في نهاية الشهر المقبل.
وتم تعيين الدبلوماسي السويدي، الذي يحمل الجنسية الإيطالية، موفداً للأمم المتحدة في سورية، خلفاً للجزائري الأخضر الإبراهيمي، في يوليو/ تموز 2014.