بفضل "إصلاحات" ترامب...ديون أميركا تتجاوز 22 تريليون دولار للمرة الأولى بتاريخها

18 فبراير 2019
جموح الديون يُنذر بمزيد من الأعباء المالية (فرانس برس)
+ الخط -
لم تنعكس مؤشرات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاقتصادية الإيجابية، التي طالما تغنى بها، محاولاً نسب الفضل فيها إلى سياساته "الحكيمة"، على الموازنة الأميركية، حيث أظهرت بيانات وزارة الخزانة الأميركية أن عام 2018 المنتهي، شهد انخفاض الايرادات الضريبية الفيدرالية بنسبة 0.4%، وارتفاع النفقات الفيدرالية بنسبة 4.4%، مقارنة بالعام الماضي.

وأصدرت الوزارة يوم الأربعاء الماضي بياناً، أوضحت فيه أن هذه التطورات تسببت في ارتفاع عجز الموازنة لفترة الاثني عشر شهراً التي تلت إقرار الإصلاحات الضريبية، ليصل إلى 873 مليار دولار، مقارنة مع 681 مليار دولار في الاثني عشر شهراً السابقة لها، بنسبة ارتفاع تساوي 28.2%، وهو أعلى عجز تحققه الموازنة الأميركية في السنوات الست الأخيرة.

وأظهر ترامب سعادته في العديد من المناسبات بالنمو الاقتصادي الكبير، وارتفاع أرباح الشركات الصغيرة والكبيرة، وانخفاض البطالة إلى أدنى مستوياتها فيما يقرب من خمسة عقود، إلا أن كل ذلك لم ينجح في تخفيض عجز الموازنة الأميركية، بعد أن تسبب قانون الإصلاح الضريبي، الذي وصفه ترامب بـ"الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة"، في تخفيض الحصيلة الضريبية من الأفراد والشركات خلال العام المنتهي 2018.

ويأتي إعلان الوزارة بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من إعلانها أن الدين العام الأميركي وصل إلى أعلى مستوياته في التاريخ، متجاوزاً 22 تريليون دولار، بفعل استمرار تزايد عجز الموازنة السنوي، بعد أن كان تحت العشرين تريليون دولار مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض قبل عامين تحديداً.

كما أشارت الوزارة إلى تسارع معدل زيادة الدين بعد إقرار قانون الإصلاح الضريبي مطلع العام الماضي، وبصفة خاصة مع الموافقة على زيادة الإنفاق الداخلي والعسكري.

وعلى نحوٍ متصل، توقع مكتب الموازنة التابع للكونغرس الأميركي أن يستمر الارتفاع في عجز الموازنة، وصولاً إلى تريليون دولار خلال عام 2022، وهو المستوى الذي لن ينخفض عنه قبل عام 2029.

وعند إقرار الإصلاحات الضريبية، توقع ترامب أن يتم تمويل الإصلاح الضريبي، الذي يحرم الحكومة الأميركية من 1.5 تريليون دولار، ذاتياً، وهو ما عارضه الكثير من الاقتصاديين وقتها.

ويوم الأربعاء، قالت متحدثة باسم وزارة الخزانة الأميركية إن "التخفيضات الضريبية تسهم في زيادة النمو الاقتصادي، وهو ما سيضيف مليارات الدولارات إلى النشاط الاقتصادي، مؤدياً في النهاية إلى زيادة الإيرادات الحكومية".

كما أكدت المتحدثة أن الإدارة الأميركية كانت واضحة، عندما أكدت أن "قانون الإصلاح الضريبي سيؤدي إلى انخفاض الإيرادات الضريبية على المدى القصير".

ورغم أن القواعد العامة تشير إلى أن الاقتصاد القوي عادةً ما يتسبب في انخفاض العجز في الموازنة، بفعل تأثير ارتفاع دخول الأفراد وأرباح الشركات على الإيرادات الضريبية، كما على تخفيض الإنفاق على شبكات الحماية الاجتماعية، لم يتحقق ذلك في الولايات المتحدة خلال أول عام تُطبق فيه القواعد الضريبية الجديدة.

وفي 2018، تسبب رفع بنك الاحتياط الفيدرالي لمعدلات الفائدة أربع مرات، مع تضخم الدين العام الأميركي، في ارتفاع نفقات خدمة الدين لدى الحكومة، الأمر الذي تسبب في ضياع التأثير الإيجابي للإصلاح الضريبي، كما كانت تتمناه الإدارة الأميركية.

ويؤكد صندوق النقد الدولي دائماً على أن الديون لا تمثل مشكلة، طالما بقيت معدلات الفائدة منخفضة، كما كان الحال خلال العقد الأخير، وطالما أنفقت الحكومات ما تقترضه على مشروعات تعزز من إنتاجيتها، كمشروعات التعليم والبنية التحتية.

ولدى أوليفر بلانكارد، الذي شغل من قبل منصب كبير الاقتصاديين بالصندوق، ورقة بحثية، يدفع فيها بانخفاض التكلفة الحقيقية لارتفاع الديون، عند اقترانها بزيادة الإنفاق على التعليم والبنية التحتية.

لكن الصندوق نفسه، أشار في أكثر من مناسبة، على لسان رئيسته كريستين لاغارد، إلى أن كل دول العالم في سبيلها إلى تخفيض مديونيتها، إلا الولايات المتحدة.
وأضافت إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، خلال سنوات حكمه الثماني، ما يقرب مما تم تكوينه من دين منذ نشأة الولايات المتحدة الأميركية. وبعد أن كان الدين العام الأميركي يقف عند مستوى 10.6 تريليونات دولار عند انتخاب أوباما لأول مرة في 2009، وصل إلى 19.9 تريليون دولار عند مغادرته البيت الأبيض، وبزيادة سنوية تقدر بحوالي 1.16 تريليون دولار.

أما ترامب، فلم يتجاوز متوسط الإضافة السنوية للدين العام منذ انتخابه مستوى 991 مليار دولار، حتى الآن.

ولا تعبأ بعض المدارس الاقتصادية بحجم الدين بصورة مطلقة، وإنما تربطه بالناتج المحلي الإجمالي للدولة. وتمثل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي أحد أهم المؤشرات الاقتصادية التي يتم على أساسها معرفة مدى قوة أو ضعف الاقتصاد.

وفي الولايات المتحدة، لم تبدأ تلك النسبة في الارتفاع إلا مع وصول الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان إلى الحكم في عام 1981، حيث سجلت وقتها 30% تقريباً.

وتدريجياً، أخذت النسبة في الارتفاع، حتى وصلت إلى 65% في منتصف التسعينيات، قبل أن تقل حاجة الحكومة الأميركية للاقتراض، بفعل السياسات الاقتصادية الناجحة للرئيس الأميركي وقتها بيل كلينتون، ولتنخفض مرة أخرى إلى مستوى 30% خلال عام 2001.

لكن أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 تسببت، ثم حرب العراق، مع ركودين اقتصاديين كبيرين، في مطلع الألفية وفي 2008، في تزايد التزامات الحكومة الأميركية، حتى وصلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في 2009، وقت وصول أوباما للحكم، إلى 77%، ليتركه وقد تجاوزت النسبة 100%! ولم يُضف ترامب إلى تلك النسبة حتى الآن سوى نصف بالمائة، وفقاً لإحصاءات بنك الاحتياط الفيدرالي.
المساهمون