22 نوفمبر 2024
دولة الاحتلال الإماراتي
قد يبدو عنوان هذا المقال مغرقا في السوريالية، لكنه يعكس واقعا معيشا في اليمن اليوم، وتحديدا في جنوبه، وهو ما استدعى دعوات يمنية إلى ضرورة التصدي لـ"الاحتلال الإماراتي الغاشم"، على حد تعبير رئيس الحراك الثوري الجنوبي، حسن باعوم، في تصريحاتٍ تعكس مزاجا شعبيا يمنيا ممتعضا، ورافضا للسياسات الإمارتية على أراضيهم، وجديدها احتلال الإمارات، في شهر مايو/ أيار الجاري، جزيرة سقطرى الاستراتيجية في المحيط الهندي، وسيطرتها على منافذ ميناء الجزيرة ومطارها، وهو ما رفضته الحكومة الشرعية اليمنية. حتى الحديث عن "الحكومة الشرعية اليمنية" يثير علامات استفهام كثيرة، فـ"التحالف العربي" الذي تقوده السعودية والإمارات، بزعم تحرير اليمن من انقلاب جماعة الحوثيين وإعادة "الشرعية"، لا يلقي بالا لهذه "الشرعية" ومطالبها، حيث يقبع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، رهينة في الرياض ويمنع من العودة إلى عدن، في حين حكومته في عدن رهينة للقوات الإماراتية والمليشيات الموالية لها. ولكن إذا كانت السعودية تتخبط في اليمن، وتتصرف كالفيل الهائج في محل خزف تحطم كل شيء حولها، فإن الإمارات تمارس سياسة خبيثة للسطو على ثروات اليمن ومقدّراته. يدرك اليمنيون الحقيقة السابقة، وهم يرون الإمارات تحاول ابتلاع بلادهم، أو على الأقل الشطر الجنوبي منها، في حين تمارس السعودية التواطؤ بصمتها على جريمة شريكها في تدمير اليمن وأهله، من دون التمكّن من هزيمة الحوثيين.
إذن، تمارس الإمارات منذ إطلاق "عاصفة الحزم"، عام 2015، دورا تخريبيا في جنوب اليمن، وهي لم تتورّع عن بث الخلافات والحزازات الجهوية والمناطقية والقبلية والحزبية بين
أبناء البلد الواحد، من أجل تعزيز نفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي في البلد المنكوب. لم يعد الخلاف في اليمن اليوم شماليا - جنوبيا، ولا بين شرعية وانقلاب، بل إنه طاول كل مكون من مكونات وحدته، وتماسك نسيجيه الاجتماعي والوطني. أبعد من ذلك، لم تتردّد الإمارات في إضعاف الشرعية التي تزعم أنها دخلت حرب اليمن، من أجل استعادتها، فأنشأت مليشيات مسلحة تابعة لها في عدة مناطق في جنوب البلاد، مثل "قوات الحزام الأمني" في عدن، وقوات النخبة، الحضرمية والشبوانية والمهرية، في كل من حضرموت وشبوة والمهرة.
المفارقة الأكبر هنا أن هذه المليشيات تركز معظم مجهودها العسكري على إضعاف قوات الجيش الوطني اليمني، التابع للحكومة الشرعية، حسب التصنيف السعودي - الإماراتي، ولعلنا نذكر جميعا كيف هاجمت، مطلع العام الماضي، قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، مسنودةً بطيران إماراتي، ألوية الحماية الرئاسية، وأسقطت المعسكرات والمقار الحكومية وقصفت مخازن السلاح. بل لا تسمح الإمارات لهادي بالعودة إلى عدن، في حين تبدو السعودية عاجزةً أمام بلطجة حليفها الإماراتي، فما كان منها إلا التواطؤ معه باحتجاز هادي رهينة في الرياض، بذريعة الحفاظ على سلامته. ولا يتوقف دور الإمارات التخريبي في اليمن عند ذلك الحد، بل إنها كثيرا ما منعت تحرير مناطق ومحافظات في اليمن من قبضة الحوثيين، كما في تعز، مخافة أن يضيف ذلك إلى الرصيد الشعبي لعدوها المعلن في اليمن، حزب الإصلاح، والذي ترفضه بسبب ارتباطاته بجماعة الإخوان المسلمين. أيضا، تعمل الإمارات جاهدةً على محاولة بث الحياة مجدّدا في نظام الرئيس الراحل المخلوع، علي عبد الله صالح، عبر تجميع بعض رموز ذلك النظام، وفتح معسكرات لعناصر الحرس الجمهوري، بقيادة بعض أبناء صالح وأولاد أشقائه، لتعزيز نفوذها العسكري. أما المعتقلات السرية التي افتتحتها الإمارات في اليمن، والانتهاكات الفظيعة التي تُمارس فيها، فحدث فيها ولا حرج. كل ما سبق، وغيره كثير، رسّخ قناعة اليمنيين، كما يقول باعوم، بأن الإمارات تمارس "عدوانا سافرا واحتلالا غاشما يجب طرده"، وهو الأمر الذي تعكسه الشعارات المكتوبة على جدران عدن، والداعية إلى مجابهة الاحتلال الإماراتي.
في تفسير السلوك الإماراتي العدواني في اليمن، تبرز أسباب عدة، منها أن ذلك يندرج ضمن سياساتها الإقليمية منذ عام 2011 للعمل على وأد كل نسمة تغيير ديمقراطي في الفضاء العربي. رأينا ذلك في تونس، ورأيناه في مصر، ونراه اليوم في ليبيا. غير أن الدافع الأهم للعدوانية الإماراتية في اليمن يتمثل في مساعيها إلى وضع يدها على ثرواته وموانئه وسواحله وجزره الاستراتيجية. وحسب المعطيات القائمة في جنوبي اليمن اليوم، فإن الإمارات تسيطر
على موانئ عدن وحضرموت والمخا، كما أنها تتحكم بحقول النفط ومنشآته في شبوة، وتحاول السيطرة على حقول النفط والغاز ومنشآتهما في مأرب. ولا تشذ محاولات الإمارات السيطرة على جزيرة سقطرى اليمنية عن هذا السياق، حيث تقع هذه الجزيرة على البوابة الجنوبية لمضيق باب المندب الاستراتيجي والذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، فاصلا بين جيبوتي في أفريقيا واليمن في آسيا، وتتحكم فيه كل من اليمن وجيبوتي وإريتريا. ولعل هذا هو دافع الإمارات الأساس لإنشاء قواعد عسكرية في إريتريا، والمحاولات الإماراتية للسيطرة على موانئ جيبوتي وما تسمى جمهورية أرض الصومال. وقد ألغت كل من جيبوتي والصومال أخيرا عقود امتياز شركة موانئ دبي العالمية، بعد أن أدركا حقيقة الأطماع الإمارتية.
باختصار، تحولت الإمارات إلى دولة احتلال في اليمن، كما أنها دولة تمارس التآمر والتخريب في الفضاء العربي، بل وفي عموم الإقليم. ولكن ما لا يدركه حكام الإمارات اليوم، أنه، عاجلا أم آجلا، ستكتشف الإمارات أن حجمها الضئيل، استراتيجيا وعسكريا وإنسانيا، سيبتلع ما تظنه نفوذا لها، وستنتهي، كما هي حقيقتها، مجرد هامش. اليمن أكبر بست مرات من الإمارات جغرافيا، وسكانه يفوقون سكان الإمارات بأكثر من ثلاث مرات على الأقل، هذا مع احتساب نسبة المقيمين فيها من الأجانب، والذين يفوقون التسعين في المائة من السكان. حتى إمكانات الإمارات الاقتصادية ستستنزف في سياق أطماعها الإقليمية، خصوصا أن اقتصادها رَيْعِيٌّ، وهو عمليا يتعرّض لاستنزاف كبير اليوم. أيضا، تخطئ الإمارات في المبالغة في تقدير قوتها، فأجندتها الإقليمية لا تتحقق بسبب تلك القوة المُتَخَيَّلَةِ، بل لأنها متناغمة مع الأجندتين، الأميركية والإسرائيلية. ولكن ذلك التناغم لن يطول، فهي ليست في نادي الكبار، وإنما هي مجرد أداة سيأتي يوم ينتهي فيه دورها، ثم ستواجه معضلة حجمها الحقيقي، ولن تفيدها جيوش المرتزقة حينئذ.
كلمة أخيرة، متى ستتفرغ دولة الإمارات "العظمى" لتحرير جزرها المحتلة إيرانيا منذ عام 1971، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، الواقعة في الخليج العربي على مضيق باب هرمز الاستراتيجي؟ لا ينفع أبدا أن تكون الإمارات دولة مُحْتَلَّةً وبعضها مُحْتَلٌّ. هذا هو الضعف البنيوي الذي تعاني منه الإمارات، مهما توهمت غير ذلك.
إذن، تمارس الإمارات منذ إطلاق "عاصفة الحزم"، عام 2015، دورا تخريبيا في جنوب اليمن، وهي لم تتورّع عن بث الخلافات والحزازات الجهوية والمناطقية والقبلية والحزبية بين
المفارقة الأكبر هنا أن هذه المليشيات تركز معظم مجهودها العسكري على إضعاف قوات الجيش الوطني اليمني، التابع للحكومة الشرعية، حسب التصنيف السعودي - الإماراتي، ولعلنا نذكر جميعا كيف هاجمت، مطلع العام الماضي، قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، مسنودةً بطيران إماراتي، ألوية الحماية الرئاسية، وأسقطت المعسكرات والمقار الحكومية وقصفت مخازن السلاح. بل لا تسمح الإمارات لهادي بالعودة إلى عدن، في حين تبدو السعودية عاجزةً أمام بلطجة حليفها الإماراتي، فما كان منها إلا التواطؤ معه باحتجاز هادي رهينة في الرياض، بذريعة الحفاظ على سلامته. ولا يتوقف دور الإمارات التخريبي في اليمن عند ذلك الحد، بل إنها كثيرا ما منعت تحرير مناطق ومحافظات في اليمن من قبضة الحوثيين، كما في تعز، مخافة أن يضيف ذلك إلى الرصيد الشعبي لعدوها المعلن في اليمن، حزب الإصلاح، والذي ترفضه بسبب ارتباطاته بجماعة الإخوان المسلمين. أيضا، تعمل الإمارات جاهدةً على محاولة بث الحياة مجدّدا في نظام الرئيس الراحل المخلوع، علي عبد الله صالح، عبر تجميع بعض رموز ذلك النظام، وفتح معسكرات لعناصر الحرس الجمهوري، بقيادة بعض أبناء صالح وأولاد أشقائه، لتعزيز نفوذها العسكري. أما المعتقلات السرية التي افتتحتها الإمارات في اليمن، والانتهاكات الفظيعة التي تُمارس فيها، فحدث فيها ولا حرج. كل ما سبق، وغيره كثير، رسّخ قناعة اليمنيين، كما يقول باعوم، بأن الإمارات تمارس "عدوانا سافرا واحتلالا غاشما يجب طرده"، وهو الأمر الذي تعكسه الشعارات المكتوبة على جدران عدن، والداعية إلى مجابهة الاحتلال الإماراتي.
في تفسير السلوك الإماراتي العدواني في اليمن، تبرز أسباب عدة، منها أن ذلك يندرج ضمن سياساتها الإقليمية منذ عام 2011 للعمل على وأد كل نسمة تغيير ديمقراطي في الفضاء العربي. رأينا ذلك في تونس، ورأيناه في مصر، ونراه اليوم في ليبيا. غير أن الدافع الأهم للعدوانية الإماراتية في اليمن يتمثل في مساعيها إلى وضع يدها على ثرواته وموانئه وسواحله وجزره الاستراتيجية. وحسب المعطيات القائمة في جنوبي اليمن اليوم، فإن الإمارات تسيطر
باختصار، تحولت الإمارات إلى دولة احتلال في اليمن، كما أنها دولة تمارس التآمر والتخريب في الفضاء العربي، بل وفي عموم الإقليم. ولكن ما لا يدركه حكام الإمارات اليوم، أنه، عاجلا أم آجلا، ستكتشف الإمارات أن حجمها الضئيل، استراتيجيا وعسكريا وإنسانيا، سيبتلع ما تظنه نفوذا لها، وستنتهي، كما هي حقيقتها، مجرد هامش. اليمن أكبر بست مرات من الإمارات جغرافيا، وسكانه يفوقون سكان الإمارات بأكثر من ثلاث مرات على الأقل، هذا مع احتساب نسبة المقيمين فيها من الأجانب، والذين يفوقون التسعين في المائة من السكان. حتى إمكانات الإمارات الاقتصادية ستستنزف في سياق أطماعها الإقليمية، خصوصا أن اقتصادها رَيْعِيٌّ، وهو عمليا يتعرّض لاستنزاف كبير اليوم. أيضا، تخطئ الإمارات في المبالغة في تقدير قوتها، فأجندتها الإقليمية لا تتحقق بسبب تلك القوة المُتَخَيَّلَةِ، بل لأنها متناغمة مع الأجندتين، الأميركية والإسرائيلية. ولكن ذلك التناغم لن يطول، فهي ليست في نادي الكبار، وإنما هي مجرد أداة سيأتي يوم ينتهي فيه دورها، ثم ستواجه معضلة حجمها الحقيقي، ولن تفيدها جيوش المرتزقة حينئذ.
كلمة أخيرة، متى ستتفرغ دولة الإمارات "العظمى" لتحرير جزرها المحتلة إيرانيا منذ عام 1971، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، الواقعة في الخليج العربي على مضيق باب هرمز الاستراتيجي؟ لا ينفع أبدا أن تكون الإمارات دولة مُحْتَلَّةً وبعضها مُحْتَلٌّ. هذا هو الضعف البنيوي الذي تعاني منه الإمارات، مهما توهمت غير ذلك.