دمشق تحكي نزار قباني بالألبانية

23 نوفمبر 2014
( ألبانيا، المركز الألباني للدراسات الشرقية 2012، صفحة 112)
+ الخط -
في هذه الفوضى التي نعيشها يفاجأُ المرء بوجود من يتذكر مئوية نزار قباني في ألبانيا ويصدر له في هذه المناسبة مختارات من أشعاره بعنوان "دمشق"، في نهاية 2012. وكان الألبان قد بدأوا يتعرفون على نزار قباني مع تأسيس قسم الاستشراق في جامعة بريشتينا عام 1973، الذي كان الثالث من نوعه بعد قسم الاستشراق في بلغراد 1926 وقسم الاستشراق في سراييفو 1950. ففي هذا القسم الذي أصبح نواة للاستشراق الالباني، بدأ الجيل الشاب من الالبان (مثل فتحي مهدي وشمسي أيوازي واسماعيل أحمدي ومحمد موفاكو وغيرهم) بتعريف الألبان بالأدب العربي من امرئ القيس وحتى محمود درويش.

وفي هذا السياق قام اسماعيل أحمدي بنشر ترجمة قصيدة "طريق واحد" لنزار قباني التي يمجد فيها المقاومة الفلسطينية في الصفحة الثقافية للجريدة اليومية "ريلنديا" بتاريخ 1977، وهي بذاك كانت أول قصيدة تترجم له الى اللغة الالبانية.

وبعد ذلك بسبعة أشهر نشرت الجريدة الأدبية المتخصصة "فيالا" أربع قصائد لقباني من ترجمة محمد موفاكو تعرّف بالمرحلة المبكرة والمتمردة له (يوميات قرصان ، يوميات امرأة لامبالية، وخبز وحشيش وقمر، ومقتل الامام)، وهي القصائد التي دخلت في أول مختارات من الشعر العربي الحديث في الالبانية التي أصدرها م. موفاكو في عام 1979.

وفي الواقع كان هذا جزءاً من اهتمام أوسع في يوغسلافيا السابقة بالأدب العربي ضمن الاهتمام بأدب "العالم الثالث"، الذي جاء مع تأسيس وتنامي حركة عدم الانحياز. ففي سنة 1977 صدرت في بلغراد بالصربية أول مختارات تعرف بالشعر العربي من أمرئ القيس حتى محمود درويش، تلك التي اختارها داركو تاناسكوفيتش.

ولكن مع انهيار يوغسلافيا وما تبع ذلك من صراعات متلاحقة حتى حرب كوسوفو 1999 تشتت الاهتمام بالأدب العربي، وخاصة في كوسوفو. في غضون ذلك كانت ألبانيا قد تخلصت من النظام الشمولي في عام 1992، الذي كانت له معاييره الصارمة في اختيار ما يُترجم وما لا يُترجم، ولذلك بقي نزار قباني وأمثاله غير معروفين حتى للمثقفين هناك. ومع هذا التحول برزت في ألبانيا حركة ترجمة ونشر تحاول تعويض ما فات الألبان خلال عقود محاربة "الأدب البرجوازي المنحطّ"، وأصبحت تيرانا هي المركز الالباني للتعريف بالآداب الأجنبية وليس بريشتينا.

وفي هذا السياق بادر أحد متخرجي قسم الاستشراق في بريشتينا، وهو ارمال بيغا، إلى تأسيس "المركز الالباني للدراسات الشرقية" عام 2005 ليعوّض بذلك عدم وجود قسم للاستشراق في جامعة تيرانا. وقد زار بيغا في عام 2004 دمشق، وتعرّف هناك إلى عشق نزار قباني لمدينته، ولذلك فقد حرص أولاً على نشر ترجمة لبعض قصائده في المجلة التي أصبح يصدرها المركز "أورا" (الجسر)، ثم نشر أخيراً هذه المختارات من أشعار قباني التي هي الاولى من نوعها في الألبانية.

في هذه المختارات نجد ثلاثين قصيدة لنزار قباني، كلها تقريباً تتمحور حول الحب الذي برع الشاعر في التعبير عنه، بما في ذلك قصيدته المعروفة عن بلقيس و"رسالة من تحت الماء" وغيرها، ولكن هناك أيضاً حبّه الكبير لدمشق الذي عبّرت عنه في هذه المختارات قصيدة "مهرجان الماء والياسمين". وضمن هذا المجموع الكبير لدينا فقط قصيدتان عن فلسطين والمقاومة الفلسطينية.

يقودنا هذا إلى مسألة ونتيجة مهمة: فنظراً لأن هذه أول مختارات من أشعار نزار قباني منشورة بالالبانية، فالقارئ يهمه بطبيعة الحال التعرف على الشاعر وعلى معايير الاختيار في المقدمة التي تعتبر مهمة لكل مختارات من هذا النوع. ولكن المترجم غاب عن المقدمة التي جاءت موجزة هنا باسم مدير المركز ارمال بيغا الذي اكتفى بتعريف القراء بنزار قباني باعتباره "أحد أشهر الشعراء في العالم العربي، والذي ترجمت دواوينه الى عدة لغات أوروبية ووجدت فيها التقدير". ومع اعترافه بأن هناك من المستشرقين الالبان من سبق وترجم وكتب عن نزار قباني، فقد كان من الافضل تضمين مقدمة الكتاب أو خاتمته أحدى المقالات التي نشرت عنه في بريشتينا لكي تفيد القارئ في ألبانيا حول التجربة الابداعية لنزار قباني ومكانته في خريطة الشعر العربي المعاصر.

أكاديمي كوسوفي / سوري*
المساهمون