12 مايو 2019
دكاكين العراق الإعلامية
عمر الجنابي (العراق)
"افتح دكاناً وموِّل حزبك، افتح دكاناً وسقِّط خصمك".
هذا ما يدور في الأروقة السياسية وبين ما يسمى اليوم زعماء العملية السياسية بشأن أسباب إنشاء مؤسسات إعلامية وقنوات فضائية من أحزاب وشخصيات سياسية ومتنفذين، والذين يحصلون على تمويل خارجي من خلال هذه المشاريع التي صارت توصف بالدكاكين.
الدكان محل البيع والشراء، وهنا المقصود به للأسف المؤسسة الإعلامية، إن صحَّت تسميتها مؤسسة، ففي العراق عشرات القنوات الفضائية والأرضية والإذاعات والصحف الإلكترونية والورقية والمجلات، معظمها تتبع لأحزاب وشخصيات سياسية وفصائل مسلحة باستثناء شبكة الإعلام الحكومي.
بتجربة منذ عام 2006 حتى 2019، تنقلت خلالها بين عدد من المؤسسات الإعلامية العراقية، أستطيع القول إنه لم يعد لدي أدنى شك باستحالة وجود إعلام مهني هادف في ظل الوضع الراهن، كما تيقنت من أن حقوق العاملين في هذا المجال ضائعة وضائع معها جهدهم وساعات عملهم الطويلة من دون أن يحققوا خلالها أي نتيجة مرجوَّة.
الكارثة الكبرى هنا تكمن في التلاعب بالرأي العام والجمهور بلا أي سياق مهني أو أخلاقي، وبحسب ما تشتهيه الجهة الممولة "التي تدفع مرتبات العاملين"، أما هؤلاء العاملون فهم بلا قانون عمل وبلا ضمانات، وبلا حتى تعامل يليق بهم، ناهيك عن إدخال كلِّ من هبَّ ودبَّ إلى مهنة المتاعب.
وأما عن سبب سوء الإدارة، فعندما تعرف أن المؤسسة الإعلامية بيد من لا علاقةَ له بالإعلام، لا من قريب ولا من بعيد، وأن من يترأسون العمل هم أصدقاء المدير ومعارفه ومن يخصونه، وأن المميزين في العمل، من ناحية الراحة والمرتبات الجيدة، هم أعضاء الحزب، ومن تم توظيفهم بواسطة الإدارة من دون الاكتراث لمستواهم أو قيمتهم الفنية، عندما تعرف كلَّ ذلك، يبطل عندك العجب.
للمؤسسات أو الدكاكين أسلوب خاص في لبس الثوب الجديد المناسب، وطقس الجهة المالكة التي غالباً ما تكون جهة سياسية، فعندما تقتضي الحاجة تكون منبراً معارضاً تلعن وتسب وتشتم وتنتقد وتبكي على الشعب أكثر من الشعب نفسه إلى درجة أن شعار القناة التلفزيونية (اللوغو) تجده مطبوعاً على شاشات معظم العائلات المتضررة مما يحدث في البلاد إلى درجة حبّهم مشاهدةَ تلك القناة التي تمثل لسان حالهم، ولا تستغرب إذا وجدت القناة ذاتها بالشعار ذاته، تبرّر ما تقوم به الجهات نفسها إذا تغيرت التحالفات السياسية بين ليلة وضحاها، كما لا تستغرب إذا تحولت وسيلة الإعلام نفسها إلى مروج وداعم لدولة كانت بالأمس القريب العدوَّ الأوحد، وبشكل مفضوح وبلا خجل. وخلال ذلك يمكنك السؤال: هل بقي لشرف المهنة شيء؟
ولعل سائلاً يسأل: لماذا سميت الدكاكين؟ الجواب لأنها لا توحي للمؤسسات بشيء، لا خطة عمل واضحة، ولا تملك شخصية المؤسسة الإعلامية، وليست ثابتة التوجه، وغير معروف وقت إغلاقها بشكل نهائي، لأنه مرتبط بالدعم الخارجي، وليس لديها خط تحريري واضح، ولا نهج مفهوم المعالم، ولأن الهدف من افتتاحها ربحي فقط، مثل أي دكان تباع به البضائع.
تغير الدكاكين الإعلامية كوادرها بما يتناسب وتوجهاتها المرحلية، وبما تقتضيه مصلحة أصحابها، وذلك لعدم وضوح خطها التحريري، ولفقدانها الإدارة التي بإمكانها السيطرة على كل ما ينتج ويكتب ويقال في القناة أو الإذاعة أو الصحيفة، وضعف الإدارة فنياً ومهنياً يجعلها تخافُ من العاملين معها وهنا الغرابة! حيث يُفترَض أن رؤساء العمل مسؤولون عن متابعة كل ما ينتجه الموظفون وما يكتبونه، ولهذا السبب يجد المتابع لوسائل الإعلام العراقية تغيّر الأسماء والوجوه مع تغير السياسة التحريرية والخطاب العام بالتزامن مع المتغيرات السياسية في البلاد.
الأموال التي تدفعها دول وجهات خارجية لتمويل بعض المؤسسات الإعلامية لا يُصرَف ربعُها ويذهب الباقي إلى جيوب المالكين، لذلك تجدها مؤسسات فقيرة المحتوى، وحتى تلك الممولة من أحزاب تسيطر على وزارات وهيئات تتسلم دعماً خارجياً. وعلى الرغم من ذلك، فإنها مغارة فساد كبيرة تبتلع الأموال، ولا يخرج منها إلا القليل، وهو مرتبات بسبب تأخر الحوالة، وعادة يتأخر تسليمُها إلى العاملين الذين لا يحصلون على أعشار ما يتقاضاه أقرانهم في المهنة، ولكن في دول أخرى تحرص على إيجاد إعلام مؤثر.
لهذا لا تصدّقوا ما تتابعونه في نشرات الأخبار والبرامج، بل لا تصدّقوا معظمَ ما تسمعونه وتقرأونه وتشاهدونه، لأنَّ ذلك كله مدفوع الثمن، واحذروا من الهيمنة على الإعلام الحديث، فسلام لكل من صان المهنة وشرفها وحفظ الأمانة وحمل راية الحق بصوته وقلمه، وبكل ما استطاع، والويل والثبور لكل من باع الغاليَ بثمنٍ رخيص.
هذا ما يدور في الأروقة السياسية وبين ما يسمى اليوم زعماء العملية السياسية بشأن أسباب إنشاء مؤسسات إعلامية وقنوات فضائية من أحزاب وشخصيات سياسية ومتنفذين، والذين يحصلون على تمويل خارجي من خلال هذه المشاريع التي صارت توصف بالدكاكين.
الدكان محل البيع والشراء، وهنا المقصود به للأسف المؤسسة الإعلامية، إن صحَّت تسميتها مؤسسة، ففي العراق عشرات القنوات الفضائية والأرضية والإذاعات والصحف الإلكترونية والورقية والمجلات، معظمها تتبع لأحزاب وشخصيات سياسية وفصائل مسلحة باستثناء شبكة الإعلام الحكومي.
بتجربة منذ عام 2006 حتى 2019، تنقلت خلالها بين عدد من المؤسسات الإعلامية العراقية، أستطيع القول إنه لم يعد لدي أدنى شك باستحالة وجود إعلام مهني هادف في ظل الوضع الراهن، كما تيقنت من أن حقوق العاملين في هذا المجال ضائعة وضائع معها جهدهم وساعات عملهم الطويلة من دون أن يحققوا خلالها أي نتيجة مرجوَّة.
الكارثة الكبرى هنا تكمن في التلاعب بالرأي العام والجمهور بلا أي سياق مهني أو أخلاقي، وبحسب ما تشتهيه الجهة الممولة "التي تدفع مرتبات العاملين"، أما هؤلاء العاملون فهم بلا قانون عمل وبلا ضمانات، وبلا حتى تعامل يليق بهم، ناهيك عن إدخال كلِّ من هبَّ ودبَّ إلى مهنة المتاعب.
وأما عن سبب سوء الإدارة، فعندما تعرف أن المؤسسة الإعلامية بيد من لا علاقةَ له بالإعلام، لا من قريب ولا من بعيد، وأن من يترأسون العمل هم أصدقاء المدير ومعارفه ومن يخصونه، وأن المميزين في العمل، من ناحية الراحة والمرتبات الجيدة، هم أعضاء الحزب، ومن تم توظيفهم بواسطة الإدارة من دون الاكتراث لمستواهم أو قيمتهم الفنية، عندما تعرف كلَّ ذلك، يبطل عندك العجب.
للمؤسسات أو الدكاكين أسلوب خاص في لبس الثوب الجديد المناسب، وطقس الجهة المالكة التي غالباً ما تكون جهة سياسية، فعندما تقتضي الحاجة تكون منبراً معارضاً تلعن وتسب وتشتم وتنتقد وتبكي على الشعب أكثر من الشعب نفسه إلى درجة أن شعار القناة التلفزيونية (اللوغو) تجده مطبوعاً على شاشات معظم العائلات المتضررة مما يحدث في البلاد إلى درجة حبّهم مشاهدةَ تلك القناة التي تمثل لسان حالهم، ولا تستغرب إذا وجدت القناة ذاتها بالشعار ذاته، تبرّر ما تقوم به الجهات نفسها إذا تغيرت التحالفات السياسية بين ليلة وضحاها، كما لا تستغرب إذا تحولت وسيلة الإعلام نفسها إلى مروج وداعم لدولة كانت بالأمس القريب العدوَّ الأوحد، وبشكل مفضوح وبلا خجل. وخلال ذلك يمكنك السؤال: هل بقي لشرف المهنة شيء؟
ولعل سائلاً يسأل: لماذا سميت الدكاكين؟ الجواب لأنها لا توحي للمؤسسات بشيء، لا خطة عمل واضحة، ولا تملك شخصية المؤسسة الإعلامية، وليست ثابتة التوجه، وغير معروف وقت إغلاقها بشكل نهائي، لأنه مرتبط بالدعم الخارجي، وليس لديها خط تحريري واضح، ولا نهج مفهوم المعالم، ولأن الهدف من افتتاحها ربحي فقط، مثل أي دكان تباع به البضائع.
تغير الدكاكين الإعلامية كوادرها بما يتناسب وتوجهاتها المرحلية، وبما تقتضيه مصلحة أصحابها، وذلك لعدم وضوح خطها التحريري، ولفقدانها الإدارة التي بإمكانها السيطرة على كل ما ينتج ويكتب ويقال في القناة أو الإذاعة أو الصحيفة، وضعف الإدارة فنياً ومهنياً يجعلها تخافُ من العاملين معها وهنا الغرابة! حيث يُفترَض أن رؤساء العمل مسؤولون عن متابعة كل ما ينتجه الموظفون وما يكتبونه، ولهذا السبب يجد المتابع لوسائل الإعلام العراقية تغيّر الأسماء والوجوه مع تغير السياسة التحريرية والخطاب العام بالتزامن مع المتغيرات السياسية في البلاد.
الأموال التي تدفعها دول وجهات خارجية لتمويل بعض المؤسسات الإعلامية لا يُصرَف ربعُها ويذهب الباقي إلى جيوب المالكين، لذلك تجدها مؤسسات فقيرة المحتوى، وحتى تلك الممولة من أحزاب تسيطر على وزارات وهيئات تتسلم دعماً خارجياً. وعلى الرغم من ذلك، فإنها مغارة فساد كبيرة تبتلع الأموال، ولا يخرج منها إلا القليل، وهو مرتبات بسبب تأخر الحوالة، وعادة يتأخر تسليمُها إلى العاملين الذين لا يحصلون على أعشار ما يتقاضاه أقرانهم في المهنة، ولكن في دول أخرى تحرص على إيجاد إعلام مؤثر.
لهذا لا تصدّقوا ما تتابعونه في نشرات الأخبار والبرامج، بل لا تصدّقوا معظمَ ما تسمعونه وتقرأونه وتشاهدونه، لأنَّ ذلك كله مدفوع الثمن، واحذروا من الهيمنة على الإعلام الحديث، فسلام لكل من صان المهنة وشرفها وحفظ الأمانة وحمل راية الحق بصوته وقلمه، وبكل ما استطاع، والويل والثبور لكل من باع الغاليَ بثمنٍ رخيص.
مقالات أخرى
16 أكتوبر 2017