في بيان اعتبر غير مسبوق، وجه بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم الكاردينال مار لويس ساكو، فجر اليوم الخميس، نداءً لوقف هجرة العراقيين المسيحيين من بلادهم، محذراً من مخاطر ذلك على ديموغرافية العراق. كما جدد دعوته للعراقيين المسيحيين إلى تغيير رؤيتهم وعدم النظر للأمور من خلال مصالح ضيقة.
ونقلت وسائل إعلام محلية عراقية عن ساكو، وهو أرفع شخصية دينية مسيحية في العراق، قوله: "اُجدد دعوتي للمسيحيين العراقيين إلى التغيير في رؤياهم وفي سلوكهم بدلاً من الانتقادات غير النافعة والصراعات من أجل مصالح ضيقة"، مبينا أن "الموصل فرِغَت من مسيحييها، وهناك ضغوطات على بلدات سهل نينوى من أجل تغيير ديمغرافيتها، والتأثير السلبي على من عاد إليها، والكل يعلم أن معظم الأحزاب المسيحية مختَرَقة، وأجنداتها السياسية لا تأخذ بعين الاعتبار الوجود المسيحي، وتشهد على ذلك الانتخابات الأخيرة".
وأعرب ساكو عن أمله بأن "تهبّ روح منعشة على واقعنا الرمادي المُقلِق والمُخيف، لتُعيننا على مواجهة التحديات المهدِّدة لوجودنا التاريخي"، مضيفاً "إننا جميعا نتحمل المسؤولية المصيرية".
وتابع أن "الهجرة نخرت الجسم المسيحي لأسباب واقعية، وأخذت أعدادهم تتضاءل بشكل مخيف، وإذا استمرت الهجرة والتشظّي وضبابية الرؤية على هذا النحو، فمصيرنا سيكون مثل مصير اليهود عام 1948".
وقال: "إنني أحترم القرار الشخصي في الهجرة والشخص هو من يتحمل مسؤولية قراره، لكنني لست الشخص الذي يطلب من أية جهة تسهيل ذلك، لأني أؤمن أن الهجرة سوسٌ ينخر الجسم المسيحي، بسبب التشتت هنا وهناك والضياع في ثقافات ومجتمعات جديدة وغريبة عن تراثنا وثقافتنا". وشدد على ضرورة "أن نتحد ونشكّل مرجعية بمستوى المأساة، وإلا فإن القادم أسوأ".
وأكد ساكو ضرورة "رفض حالة الشؤم واليأس، والتحرك السريع لجمع الشمل، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن القواسم مشتركة وهي عديدة والمصير واحد؛ وثمة ثقافة مسيحية مشتركة لا تقبل التقسيم؛ وبعيدا عن تجاذبات التسمية وصراع المصالح"، مطالبا بـ"تشكيل خلية أزمة من كلا الجنسين من أشخاص مخلصين لهم قدرات فكرية وعملية واضحة وقراءة وتنظير للواقع، والعمل على تأسيس مكتب رصد (مرصد مسيحيّي العراق) لمتابعة الانتهاكات بحقهم، بجدية تامة، خصوصا قانون الاحوال الشخصية".
ويضم العراق أربع طوائف مسيحية رئيسية هي الكلدان والسريان الأرثوذكس، والسريان الكاثوليك، وطائفة اللاتين الكاثوليك، والآشوريين، إضافة إلى الأرمن والأقباط والبروتستانت
وتعرض المكوّن المسيحي في العراق إلى نكبات كثيرة منذ الغزو الأميركي للعراق حين بدأت هجرتهم من البلاد بعد الغزو مباشرة، وعرف عنهم دعواتهم الوطنية في عدم التعامل مع المحتل ورفضه، وبرزت منهم شخصيات كثيرة في هذا المجال.
ويبلغ عددهم نحو مليوني نسمة إلا أن أعدادهم بدأت بالتراجع عقب عام 2003 بفعل الهجمات الإرهابية واستهداف المليشيات المسلحة لهم. ويبلغ عددهم الآن أقل من نصف مليون، ونزحت أعداد منهم إلى مناطق بإقليم كردستان العراق
وعن البيان، قال عضو في البرلمان العراقي طلب عدم الكشف عن اسمه إن "عشرات القرى المسيحية ما زالت مستباحة وأهلها لم يتم تعويضهم ولا حتى تنظيف أراضيهم من الألغام، وهناك تسلط من مليشيات وفصائل مسلحة بمناطقهم، والجهود الموجودة في سهل نينوى أو داخل الموصل نفسها تعتمد على منظمات مدنية أممية ودولية ومحلية وتبرعات الكنيسة للناس، لذا المواطن العراقي المسيحي لا يلام إذا فكر بحماية أطفاله وأسرته خاصة مع وجود دول تشجعهم على القدوم إليها واستقبالهم ومنحهم حياة مريحة وآمنة"، مبينا أن الحكومة مسؤولة بالدرجة الأولى عن استمرار هجرة المسيحيين.
من جهته، قال الناشط المسيحي صباح بطرس، إن المطالبة بعدم هجرتهم مع عدم وجود بديل أمر غير منطقي. وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، "إن المسيحيين وأقليات أخرى في العراق تهاجر أيضاً، وما زال قسم كبير منهم يبيعون منازلهم وممتلكاتهم إلى غير رجعة، ولو فتح الأمر للمسلمين لهاجروا لأن الأوضاع سيئة ولا أمل بالتغيير"، لافتا إلى أن الحكومة مطالبة بالتحرك للحفاظ على تنوع العراق القومي والديني الذي عرف به منذ آلاف السنين، وإلا فالسنوات القليلة المقبلة لن تبقي فيه هذه الميزة.