15 نوفمبر 2024
دربكة وفيتو وكرة الثلج
لم يكن قتل رقيب الشرطة في مصر، مصطفى فيتو، سائق التوك توك، عادل دربكة، سوى حلقة من مسلسل مستمر منذ ما قبل الثورة المصرية، وكان أحد الأسباب المباشرة التي خرجت من أجلها الجماهير في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني. فالخروج بالأساس كان موجّهاً ضد الشرطة، ولذلك تم تكريسه في أثناء الاحتفال السنوي في عيدها. أحداث كثيرة سبقت الخروج الأول للجموع المصرية في 2011، لعل أبرزها قضيتا خالد سعيد وسيّد بلال اللذين قتلا تحت التعذيب في مراكز للشرطة.
بعد الثورة وتنحي حسني مبارك، ظن الجميع أن مثل هذه الممارسات التي يقوم بها رجال الشرطة انتهت، وأن الدرس الذي كرس، خلال المرحلة الماضية، سيكون كفيلاً بأن يلجم رجال الشرطة عن الظن بأنهم فوق القانون وأن ممارساتهم معفية من العقاب. هذا كان الظن الذي سرعان ما اتضح أنه مبني على وهم. فلم تكد تمر أشهر على الثورة، حتى توالت البراءات بحق ضباط وأفراد الشرطة الذين ساهموا في قتل المتظاهرين وتعذيبهم. في تلك الفترة، حمّل الجميع المجلس العسكري الحاكم مسؤولية هذه الأحكام التي استمرت حتى بعد تسليم المجلس، صورياً، دفة الحكم للرئيس محمد مرسي، وذلك بفعل المهادنة التي اعتمدها الإخوان في علاقتهم مع المجلس العسكري.
اليوم، تبدو الأمور أسوأ بكثير ممّا كانت عليه حتى ما قبل الثورة. فإذا كانت عمليات القتل تتم داخل مراكز الشرطة، أصبحت حالياً ترتكب على الملأ، وفي وضح النهار، ومن دون أي خشية من المساءلة. قتل سائق التوك توك، أول من أمس، لم يكن الحادث الأول، وبالتأكيد لن يكون الأخير في ظل حملة دفاع وزارة الداخلية المستميتة عن الجريمة والمجرم. لم تؤد حالة الغضب الشعبي بالوزارة إلى استنكار الحادث، أو اعتباره "عملاً فردياً"، كما درجت العادة، بل وضعته في إطار "الدفاع عن النفس" و"القتل عن طريق الخطأ"، على الرغم من أن إطلاق النار استهدف الرأس مباشرة.
حالة الغضب الحالية من الجريمة تضاف إلى كسر حاجز الخوف الذي أسس له تحرك الجمعية العمومية للأطباء، والتي استهدفت، أيضاً، وزارة الداخلية، بعد إهانة رجل شرطة عدداً من الأطباء. تحرك الأطباء لا شك كان ملهما للحركة الاحتجاجية الجديدة على الجريمة الأخيرة. فبعد تجمع الأطباء وهتافاتهم جاءت احتجاجات أهالي الدرب الأحمر، لتؤشر إلى أن الغليان الشعبي وصل إلى مداه، أو على وشك الانفجار، خصوصا إذا أضيفت له حالات البراءة الجديدة للضباط، وتحديداً قاتل شيماء الصباغ. عمليات قتل وإفلات من العقاب تؤشر إلى المنطق الذي تُدار به مصر حالياً، وهو منطق ديكتاتوري فاشي، يتفوّق على ما كانت عليه الأمور في العقود السابقة.
كل هذه الجرائم والتجاوزات من المفترض أن تؤسس لكرة ثلج تكبر شيئاً فشيئاً لتنفجر، في النهاية، في وجه النظام الحالي، غير أنه لسبب ما، يبدو أن هذا النظام مرتاح جداً إلى وضعه، ومطمئن إلى أن أي احتجاجات لن تتحوّل إلى ثورةٍ عارمةٍ تطيح رأسه. إذ إنه لا يبذل جهداً كثيراً لمحاولة احتواء أي غضبة شعبية، بل يتعامل معها بمنطق القوة والغطرسة التي يتم التعامل فيها مع الحالات الفردية في الشارع. الأمر لا يتعلق فقط بالإطار الأمني، بل يتعداه إلى المستوى الاقتصادي والمعيشي الذي يمس الحياة اليومية للناس. فها هي الحكومة تقوم بزيادة الضرائب على المواطنين، في وقت وصل سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الأميركي إلى مستوى قياسي، سيضع مزيداً من المصريين تحت خط الفقر. الأمر لم يحرك تجاهه النظام ساكناً، بل بدأ يرمي تبعاته على المواطنين أنفسهم.
بين الأمن والاقتصاد والسياسة، لا بد لكرة الثلج هذه أن تنفجر، ومعها موجات الغضب المكبوتة بين الناس. الأمر قد لا يحدث غداً، غير أن إرهاصاته انطلقت فعلياً، وبالتالي، على النظام أن يبدأ بالقلق.
بعد الثورة وتنحي حسني مبارك، ظن الجميع أن مثل هذه الممارسات التي يقوم بها رجال الشرطة انتهت، وأن الدرس الذي كرس، خلال المرحلة الماضية، سيكون كفيلاً بأن يلجم رجال الشرطة عن الظن بأنهم فوق القانون وأن ممارساتهم معفية من العقاب. هذا كان الظن الذي سرعان ما اتضح أنه مبني على وهم. فلم تكد تمر أشهر على الثورة، حتى توالت البراءات بحق ضباط وأفراد الشرطة الذين ساهموا في قتل المتظاهرين وتعذيبهم. في تلك الفترة، حمّل الجميع المجلس العسكري الحاكم مسؤولية هذه الأحكام التي استمرت حتى بعد تسليم المجلس، صورياً، دفة الحكم للرئيس محمد مرسي، وذلك بفعل المهادنة التي اعتمدها الإخوان في علاقتهم مع المجلس العسكري.
اليوم، تبدو الأمور أسوأ بكثير ممّا كانت عليه حتى ما قبل الثورة. فإذا كانت عمليات القتل تتم داخل مراكز الشرطة، أصبحت حالياً ترتكب على الملأ، وفي وضح النهار، ومن دون أي خشية من المساءلة. قتل سائق التوك توك، أول من أمس، لم يكن الحادث الأول، وبالتأكيد لن يكون الأخير في ظل حملة دفاع وزارة الداخلية المستميتة عن الجريمة والمجرم. لم تؤد حالة الغضب الشعبي بالوزارة إلى استنكار الحادث، أو اعتباره "عملاً فردياً"، كما درجت العادة، بل وضعته في إطار "الدفاع عن النفس" و"القتل عن طريق الخطأ"، على الرغم من أن إطلاق النار استهدف الرأس مباشرة.
حالة الغضب الحالية من الجريمة تضاف إلى كسر حاجز الخوف الذي أسس له تحرك الجمعية العمومية للأطباء، والتي استهدفت، أيضاً، وزارة الداخلية، بعد إهانة رجل شرطة عدداً من الأطباء. تحرك الأطباء لا شك كان ملهما للحركة الاحتجاجية الجديدة على الجريمة الأخيرة. فبعد تجمع الأطباء وهتافاتهم جاءت احتجاجات أهالي الدرب الأحمر، لتؤشر إلى أن الغليان الشعبي وصل إلى مداه، أو على وشك الانفجار، خصوصا إذا أضيفت له حالات البراءة الجديدة للضباط، وتحديداً قاتل شيماء الصباغ. عمليات قتل وإفلات من العقاب تؤشر إلى المنطق الذي تُدار به مصر حالياً، وهو منطق ديكتاتوري فاشي، يتفوّق على ما كانت عليه الأمور في العقود السابقة.
كل هذه الجرائم والتجاوزات من المفترض أن تؤسس لكرة ثلج تكبر شيئاً فشيئاً لتنفجر، في النهاية، في وجه النظام الحالي، غير أنه لسبب ما، يبدو أن هذا النظام مرتاح جداً إلى وضعه، ومطمئن إلى أن أي احتجاجات لن تتحوّل إلى ثورةٍ عارمةٍ تطيح رأسه. إذ إنه لا يبذل جهداً كثيراً لمحاولة احتواء أي غضبة شعبية، بل يتعامل معها بمنطق القوة والغطرسة التي يتم التعامل فيها مع الحالات الفردية في الشارع. الأمر لا يتعلق فقط بالإطار الأمني، بل يتعداه إلى المستوى الاقتصادي والمعيشي الذي يمس الحياة اليومية للناس. فها هي الحكومة تقوم بزيادة الضرائب على المواطنين، في وقت وصل سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الأميركي إلى مستوى قياسي، سيضع مزيداً من المصريين تحت خط الفقر. الأمر لم يحرك تجاهه النظام ساكناً، بل بدأ يرمي تبعاته على المواطنين أنفسهم.
بين الأمن والاقتصاد والسياسة، لا بد لكرة الثلج هذه أن تنفجر، ومعها موجات الغضب المكبوتة بين الناس. الأمر قد لا يحدث غداً، غير أن إرهاصاته انطلقت فعلياً، وبالتالي، على النظام أن يبدأ بالقلق.