داعش على ضفاف المتوسّط

08 اغسطس 2014

وليد جنبلاط وميشال عون... لقاء بعد تهديد "داعش"

+ الخط -

كان لافتاً التطور السريع الذي حصل في منطقة البقاع اللبنانية، وتحديداً في بلدة عرسال وجرودها، حيث سيطرت المجموعات المسلحة، ومارست أبشع أنواع الجرائم بحق الجيش اللبناني والقوى الأمنية، كما المواطنين العرساليين، وحتى النازحين السوريين الذين أرادوا ترك البلدة خوفاً من القصف والاشتباكات. وكانت لافتة، أيضاً، سهولة حركة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، (داعش)، في عملياته من خطف عناصر من القوى الأمنية واستخدامهم رهائن، إضافة إلى السيطرة فعلياً على البلدة، والتحكّم بأهلها وإطلاق النار بين الأحياء السكنية، لتعريض الأهالي للخطر.

صحيح أن لبنان شهد جولات قتالية وتوتراتٍ أمنية عديدة من طرابلس إلى عكار، وصولاً إلى عبرا، ومروراً بعين الحلوة، في السنوات الأخيرة، وصحيح أن الجيش اللبناني دفع ثمناً باهظاً في عملية نهر البارد التي قضى فيها على الإرهابيين، إلا أن ما يجري، اليوم، في عرسال يختلف، في الظروف والشكل والجغرافيا وحتى الديموغرافيا. فتطور الأوضاع الميدانية يرتبط مباشرةً بما حصل، ويحصل، في سورية والعراق، وبالتالي، هناك محاولة جدية لجرّ لبنان مباشرةً إلى هذه المعركة التي لا يستطيع أن يتحمّلها، كما إلى إيجاد بيئة إرهابية غريبة عن النمط اللبناني وتركيبته السياسية والاجتماعية، حتى لو برزت في فترات متباعدة ظواهر متطرفة في غير منطقة لبنانية، إلا أنها لم تستطع إيجاد بيئةً حاضنةً في مجتمعاتها الدينية، قبل أن تبحث في غيرها من المجتمعات.

منذ إعلان أبو بكر البغدادي ما سماها الدولة الإسلامية في مدن عراقية وسورية، وفرضه نمطاً اجتماعياً جديداً على العراق، كما على سورية، ومارس عمليات القتل وطرد المسيحيين من الموصل والبلدات المحيطة، علت الأصوات المحذرة من خطورة المرحلة التي تمر بها المنطقة، وما يمكن أن يشكله ذلك من واقع جديد تُلغى معه الحدود بين الدول، ويُعاد تركيب دول جديدة بأشكال وأنماط مختلفة. وذهبت التحاليل باتجاه التقسيم إلى الدويلات الطائفية، وإعادة رسم المنطقة، بعدما ألغيت اتفاقية سايكس بيكو، بحكم الواقع الميداني. 

ما حصل على ضفاف نهر دجلة، في العراق، والفرات، في سورية، كانت أصوات عديدة، وفي مقدمتها النائب وليد جنبلاط، قد حذرت من وصوله إلى لبنان، نتيجة الارتباط الجغرافي والسياسي، كما نتيجة الصراع الداخلي اللبناني بين القوى السياسية التي انقسمت بين مؤيد ومعارض للنظام السوري، وانعكس ذلك توتراً سياسياً وأمنياً، ما جعل الموقف اللبناني ضعيفاً في مواجهة أي عواصف قادمة، داعشيةً كانت أم نصراوية، خصوصاً في ظل تعطيل انتخاب رئيسٍ للجمهورية، من دون وجود أي أفق قريب لذلك، كما في ظل انهماك المجلس النيابي بصياغة نصٍّ قانوني يسمح له بالتمديد، بسبب عدم وجود ظروف ملائمة لإجراء الانتخابات النيابية، واقتصار عمل الحكومة، التي تتمتع بصلاحيات رئاسة الجمهورية، على المسائل الأمنية الملحّة، والتوافق على كل ملفٍ يتم البحث فيه داخل أروقة السراي الحكومي.

الخطر الذي شكله وصول "داعش" إلى عرسال وتهديده الوجود اللبناني، جعل القيادات السياسية تتحرك لإيقاف التمدد، ومعالجة التطورات الميدانية، بقرار الدعم السياسي الذي اتخذته الحكومة للجيش اللبناني، لمواجهة الإرهابيين، خصوصاً بعد ما حصل على الأرض من أعمال إجرامية مارسها "داعش"، عبر أسر وقتل جنود لبنانيين، وترهيب المواطنين في عرسال، كما النازحين السوريين، وهو ما حرّك، أيضاً، عملية التواصل السياسي، كما حصل بين النائب وليد جنبلاط والجنرال ميشال عون، بعدما كان جنبلاط قد زار الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، من أجل إيجاد قواسم مشتركة يمكن البناء عليها، حمايةً للبنان من سيناريو عراقي أو سوري، يسمح للدواعش بالوصول إلى ضفاف المتوسّط، بعدما كانت قطعت على ضفاف دجلة والفرات.