خونتنا الجدد

16 ابريل 2015
+ الخط -

تمثل النخبة، أي نوع من النخب، فكرية، ثقافية، إعلامية، فنية، شرعية، دعوية.. إلخ، عقل الأمة، وضميرها، وبوصلتها، وعاطفتها، إنها ذلك التيار الكهربائي الذي يتذبذب في جسدها، أو الدماء السائلة في عروقها، فإن كانت هذه النخب فاسدة فهذا يعني أن جسد الأمة مريض، متهالك، يعيش أو لنقل يموت، في أسوء حالاته. وهكذا فإن الأنظمة المستبدة حاولت وتحاول دوماً احتضان النخب، وضمها تحت جناحها، وفي حالة عدم استطاعتها فعل ذلك تعمد إلى تشويهها، ووصفها بكل نقيصة وشذوذ وانحراف، وهذا دأب النخب الحية على مر العصور والأزمان، حتى قضى الكثير منها في غياهب الزنازين، وفي الدرك الأسفل من جحيم السجون، تحت السياط وفوق النيران، وربما مات بعضهم ولم يشتهر إلا بعد مماته.

من هذه النخب التي صعدت على السطح في العقدين الأخيرين من ارتضوا لأنفسهم مسمى "الدعاة الجدد"، فهم مجموعة من الشخصيات ذات الاختصاصات المنوعة اشترك معظمها في تقديم نوع خاص من الإسلام، يركز على الأخلاق العامة، والممارسات الشعائرية، والطقوس العبادية، وارتكزت فيما تقدمه على الأسلوب القصصي، ومحاولة ربطه بالواقع بما يتلاءم مع منهجهم الذي ابتعد عن الواقع المعاش، في ظل أنظمة الاستبداد التي انعكس أداؤها على الحياة البائسة لملايين العرب والمسلمين، فهم إذاً يسيرون ضمن التيار ولا يجاوزونه في الغالب.

واستطاع بعض هؤلاء الدعاة الجدد الصعود إلى أعلى سلم الشهرة، والتأثير على قطاعات كبيرة من الشباب، الذين كانوا لهم مصدر إلهام، وأحلام، وطموحات مستقبلية.

أهم ما يميز منهج شريحة واسعة من هؤلاء الدعاة الجدد أنه منهج رمادي اللون، لا يوجد فيه أي نوع من المفاصلات أو المواقف الحاسمة، حتى في أحلك الظروف وأكثرها سوداوية، ولعل بعضهم لم يكتف بالمواقف السلبية في عدم المشاركة، بل تعداها إلى التورط في خيانة الأمة خيانة واضحة جلية. ولا يعنينا محاولة الدخول إلى النيات للتعرف إن كانت هذه الخيانات مقصودة مع سبق الإصرار والترصد، أم أنها عن جهل وسوء تقدير وضعف إدراك للواقع.

ربما حاول البعض منهم مسك العصا من المنتصف كمنهج اعتاد عليه، ونسوا أن عصا المواقف الحاسمة والمفصلية لا وسط فيها، بل هي مواقف حدية، نهائية، بيضاء ناصعة أو سوداء كالحة.

بقي القول إن خيانة المثقف والمفكر والإعلامي والفنان والممثل أمر اعتاد عليه أصحاب المظالم، وتحدث فيه العديدون منهم المفكر إدوارد سعيد في كتابيه "خيانة المثقفين، والآلهة التي تفشل دائما"، فهل سنرى في القريب كتباً تتحدث عن خيانات الدعاة الجدد، والقصاصين الجدد، وأصحاب لحى الضرار من مثلوا في الماضي والحاضر شكلا من أشكال تزييف الوعي وشرعنة الاستبداد باسم الإله والتقرب إليه والفوز بجنته!

أظن هذا النوع من النخب تستحق أن تقذف في مزابل التاريخ، مع غيرها من الخونة، وإن كان لمزابل التاريخ إدراك فلا شك أنهم يستحقون الدرك الأسفل منها.


(البحرين)

المساهمون