خلايا نائمة وقائمة في لبنان

02 نوفمبر 2014

مسلحون من حركة أمل في أحد شوارع بيروت (11مايو/2008/Getty)

+ الخط -

كثر، مؤخراً، تداول مصطلح الخلايا النائمة، في تعبير عن مجموعات قد يكون لها ارتباط بما يعرف بالتنظيمات التي تتخذ من العنف وسيلة للتعبير عن وجهة نظرها، أو ربما يكون اعتماد العنف أسلوبها لتحقيق تطلعاتها وغاياتها السياسية. وليس هنا بيت القصيد، وإنما في حديث يدور في أكثر من عاصمة وبلد عربي، حتى إن السائر في شوارع هذه العواصم بات يرسم مشهداً لخلية قد تستيقظ في أية لحظة، وتحوّل مسرح المنطقة التي تكون فيه إلى شيء مختلف، وهو ربما يكون نوعاً من أنواع الإرهاب الذي تستعمله الأنظمة والحكومات ووسائل الإعلام من أجل زرع الخوف والقلق الدائم عند شعوبها، باعتبارها مهددة، على الدوام، من هذا الشيء "الأسطوري" "الخيالي"، وبالتالي ليس عليها سوى أن تبقى خاضعة لسطوة الأنظمة وأجهزة أمنها، باعتبارها الوحيدة التي يمكنها أن تحمي الناس من تلك الخلايا النائمة التي لا نعرف عنها شيئاً، حتى إذا ارتكب لص في مدينة جريمة سرقة أو سطو أو حتى قتل، قالوا لنا إنه من خلايا نائمة تتربص بالناس شراً، وبالوطن خطراً مستطيراً.

في لبنان، وبعد الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة طرابلس وبعض المناطق المحيطة بها ثلاثة أيام (24 و25 و26/10/2014) بين الجيش اللبناني ومجموعات من المسلحين قيل إنهم من أصحاب التوجه الإسلامي المناصر للثورة السورية، بل لفصيلي جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية تحديداً، كثر الحديث عن الخلايا النائمة التي قد تكون منتشرة على مساحة لبنان، ويمكن أن تعبث بالأمن والاستقرار من جديد، حتى إن المجموعات التي خاضت مواجهات واشتباكات مع الجيش اللبناني كانت تصنّف، قبل ذلك، ضمن الخلايا النائمة، مع أنها كانت معروفة ومعلومة جيداً لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية.

وعلى خلفية الحديث عن الخلايا النائمة، شرعت الأجهزة الأمنية، في أكثر من منطقة لبنانية، في عملية بحث وتحرٍّ وتفتيش وتعقّب للاجئين السوريين، ولغيرهم من اللبنانيين، أصحاب التوجه الإسلامي السلفي، تحديداً. فألقي القبض على كثيرين، وجرى التحقيق معهم، ومن ثم أطلق سراح كثيرين، أيضاً، بعد ثبوت براءتهم من الانتماء إلى "الخلايا النائمة". ولكن العملية ظلت مستمرة، وباتت وكأنها سياسة ممنهجة، سيتم اعتمادها، والسير فيها، جزءاً من "الحرب الاستباقية"، إذا صحّ التعبير، أو جزءاً من سياسة الترهيب، كما يقول لبنانيون كثيرون. ولكن، يبقى ذلك، ربما من حق الأجهزة الأمنية، بعيداً عن أي تفسير، حتى لو كانت، أحياناً، تقع في أخطاء.

ولكن، ماذا عن حملاتٍ تقوم بها أجهزة حزبية، لا تتمتع بالحد الأدنى من الشرعية القانونية، من عمليات توقيف وتعقب واستدعاء وتحقيق، وما سوى ذلك من ممارسات لا تستقيم إلا للأجهزة الرسمية في أي بلد؟ ماذا عن ملاحقة اللاجئين السوريين في أماكن سكنهم في مناطق لبنانية عديدة، واستدعائهم إلى مراكز تحقيق حزبية، لإثبات عدم انتمائهم إلى "خلايا نائمة"؟ ماذا عن توقيف لبنانيين في مناطق ذات صبغة حزبية أو طائفية معروفة، وذات نفوذ حزبي لا يقبل حتى سيادة الدولة ودور أجهزتها؟ وقد نقل لي صديق أن أجهزة حزبية قامت، قبل ليالٍ، في مناسبة دينية، بعملية دهم لعدد كبير من سكن اللاجئين السوريين، وأوقفت عديدين منهم، وأخضعتهم لتحقيقٍ، لمعرفة إذا ما كانوا ينتمون إلى فصائل سورية معارضة.

وإذا كنا نتحدث عن خلايا نائمة تهدد لبنان بتفجيرات متنقلةٍ حيناً، أو بإطلاق رشقات رشاشة في زاروب، أو شارع حيناً آخر، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أغلب الأحيان، وتتصدى لها أجهزة الأمن، بكل حزم وتعاون، من المواطنين (كما جرى في طرابلس والشمال)، فماذا عن الخلايا القائمة التي تمارس كل أنواع "الإرهاب" بحق المواطنين والمقيمين؟
ماذا عن الخلايا القائمة التي تخطف أبرياء من أجل ابتزاز ذويهم بالمال، وتمنع أجهزة الدولة من القيام بدورها، لتوقيفهم بإقرار من أعلى سلطة أمنية (وزير الداخلية)؟ ماذا عن الخلايا القائمة التي تظهر بأسلحتها في وضح النهار، وكأنها جزء من الأجهزة الرسمية، ومن دون أي اعتبار للأجهزة؟ ماذا عن الخلايا القائمة التي تعتدي على سيادة الدولة وسلطتها، عندما تتحوّل إلى قوة بديلة عن هذه الأجهزة، وعلى مرأى ومسمع من الناس، بل على مرأى ومسمع من دول العالم كله، وتحت عنوان محاربة الخلايا النائمة؟

لا ينبغي أن يغيّب الحديث عن الخلايا النائمة التي تشكل خطراً على البلاد والعباد عن أذهاننا، الحديث عن الخلايا القائمة التي لا تقل خطورة على البلد وأمنه واستقراره من الخلايا النائمة. بل لربما كما يقول بعضهم، فإن هذه الخلايا النائمة نتيجة طبيعية لما قامت وتقوم به الخلايا القائمة، ومن هنا يتابع القول: المعالجة الجدية الحقيقية للخلايا النائمة وخطرها يجب أن يبدأ من معالجة الخلايا القائمة وممارساتها، وإلا فإن الجهود تبقى قاصرة، بل تكون جزءاً من سياسة ترهيب الناس!