تأميم فرنسا "المؤقت" لأحواض بناء السفن في سان- نازير، يغضب الجار الإيطالي

30 يوليو 2017
لومير سعى لطمأنة الجانب الإيطالي (ايريك بيرمونت/فرانس برس)
+ الخط -

تُذكّر سنة 1981، بالنسبة لشخصية سياسية فرنسية، مثل وزير الاقتصاد الحالي، برونو لومير، بموجة التأميمات (التي يمقتها اليمين) التي قام بها الرئيس الفرنسي الاشتراكي، فرانسوا ميتران، بعد وصوله للسلطة في العام ذاته.

ولأن الواقع عنيدٌ، كما يقال، فقد وجد الوزير نفسَه، وحكومته، مضطرَّيْن لتأميم "مؤقت"، لحوض بناء السفن في سانت-نازير، الذي يشغل أكثر من 7000 عامل وتقني.

وتجدر الإشارة إلى أن الدولة الفرنسية، قبل الإعلان عن التأميم، كانت تملك 33% من (STX France)، وهي الشركة المشغلة للحوض وتمتلك "أقلية الاعتراض"، وهو ما كان يمنحها دورا في اختيار مستثمر جديد. كما أن الدولة الفرنسية كانت تحبّذ ألا تمتلك الشركة الإيطالية أغلبية الأسهم لوحدها، ولكن المحادثات التي استمرت عدة أسابيع فشلت.

فهل بدأت الحكومة الفرنسية الحالية موجة تأميمات في القطاعات غير المنتجة، أو تلك التي تعرف بعض الركود؟ يجيب الوزير لومير: "لا، فنحن لسنا في سنة 1981".

إذا كان الوزير الاشتراكي الأسبق أرنو مونتبورغ، الذي يتقاسم معه لومير "الروح الديغولية"، كما يقول، حاول تأميم مصنع صناعة الحديد في فلورانج، دونما نجاح، فقد استطاع لومير فرض تأميم مؤقت لحوض بناء السفن.

ولكنه يشدد على أنه لم يتحول إلى الاشتراكية، كما يمكن أن يتصور البعض، لأنه "يجب الخروج من ردود الفعل الأيديولوجية. لأن القرار ليس يمينيا ولا يساريا، بل هو قرار من أجل فرنسا".

وعلى الرغم من أن هذا السياسي الفرنسي، القادم من اليمين، ومدير مكتب دومينيك دوفيلبان، لا يتفوه بكلمة "تأميم"، منذ أن أصبحت الحكومة الفرنسية تتحكم في مجموعة (STX)، منذ أن مارست حق الشفعة لمنع الشركة من الوقوع في براثن المجموعة الإيطالية، فينكانتييري Fincantieri.

ويشدد الوزير الفرنسي على أن هذا الإجراء، الذي حظي بتأييد 70% من الفرنسيين في استطلاع للرأي، مقابل رفض 23% فقط، هو إجراء "مؤقت"، وهو ما يعني أن الأمر ليس تأميما، لأن هذا الأخير يستلزم التحكم في الشركة خلال وقت طويل، باعتبار أن الدولة تقوم بالأمر أفضل من أي قطاع خاصّ.

بينما الإجراء الأفضل يبقى، كما يرى الوزير لومير، هو "أن تكون مسيرة من قبل فاعلين من القطاع الخاص، بمشاركة من الدولة، ولكن بضمانات. وما لم توجد ضمانات، لا يوجد اتفاق".

ونفى الوزير الفرنسي أي اتهام لحكومته باللجوء إلى السياسة الحمائية، لأنّ "فرنسا تحمي مصالحها، كما تفعل الصين أو الولايات المتحدة".

ويأتي القرار الفرنسي، يوم الخميس الماضي، 27 تموز/يوليو، بعد فشل الطرفين الإيطالي والفرنسي في الوصول إلى اتفاق، بعد زيارة الوزير لومير لإيطاليا.

وقد حرص الوزير الفرنسي، الذي أعلن عن القرار الصعب، نيابة عن رئيس الجمهورية ورئيس حكومته، على طمأنة الجانب الإيطالي الغاضب بأن "القرار ليس إهانة لأي كان"، بل "نمنح أنفسنا بعض الوقت حتى ننطلق مع أصدقائنا الإيطاليين على أساس جيد".

ولكن الإيطاليين لن يتوقفوا عند هذا الحد، ويبلعوا الإهانة، ويتقبلوا تبريرات المسؤولين الفرنسيين. وهو ما سيقوله وزير الاقتصاد والمالية الإيطالي، بيير كارلو بادوان، وزميله في وزارة التنمية الاقتصادية، كارلو كاليندا، للوزير الفرنسي برونو لومير، يوم الثلاثاء القادم، في روما.

وخوفا من تدهور العلاقات بين البلدين، ينتظر أن يحمل الوزير الفرنسي مقترحا من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون للمسؤولين الإيطاليين بتوسيع التعاون العسكري بين البلدين. وهو ما يعني، بالنسبة للفرنسيين، أن يقنعوا جيرانهم الإيطاليين بتنويع صناعة السفن، والانفتاح على الصناعة العسكرية، أيضا "انظروا ماذا يمكننا أن نفعله معا، في القطاع العسكري، في السفن الكبيرة، ولنشيّد بطولة كبرى في الصناعة البحرية الأوروبية".

وفي حالة فشل الوصول إلى اتفاق مع الجار الإيطالي، وهو ما لا يتمناه برونو لومير، فإن فرنسا ستبحث عن شركاء آخَرين.

ويعود برونو لومير للحديث عن دور الدولة في الشركة، فيقول: "دور الدولة ليس هو إدارة شركة مكان المقاولين، ولكن هو السَّهَر على ألا تندثر قدرات يمكن أن تكون مربحة".
وحذّر من تدخل "شركات جَشعة لمهاجمة شركاتنا الوطنية الكبرى"، مؤكدا أن الحكومة الفرنسية لن تقف مكتوفة الأيدي، خلافاً لما جرى مع الألواح الشمسية الأوروبية التي اكتسحتها الصين. وهذا الموقف الذي لن يتأخر، سيكون بوحي من "الشجاعة والإرادة السياسية"، كما يقول لومير.

ومن يدري، فقد يكون كل شيء مخطَّطاً، بشكل دقيق، من قبل الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون، الذي بدأ يفقد بعض شعبيته، والذي ترَك وزير اقتصاده يحترق لوحده، من أجل استعادة ناخبين يساريين خسرهم بعد أن منح لليمين نصيبَ الأسد في حكومته، وبعد أن أعلن عن إصلاحات قاسية، كما أنه ليس غريبا أن يحظى القرار الرسمي والسيادي الفرنسي بتأييد 70 في المائة من الفرنسيين.


     
  

المساهمون