خلافات أوروبية على توزيع اللاجئين السوريين

15 سبتمبر 2015
عائلة تفترش محطة قطار في فرانكفورت (العربي الجديد)
+ الخط -
في الوقت الذي يناقش فيه الاتحاد الأوروبي كيفية التعامل مع الزيادة الملحوظة لتدفق اللاجئين السوريين نحو دول الاتحاد، تحضر الأرقام كمؤشر على الارتفاع الملموس عاما بعد آخر، إذ سجّل الاتحاد الأوروبي، أخيراً، وصول 270 ألف طالب لجوء من سورية، منذ العام 2011 لغاية الأوّل من مايو/أيار الماضي، بحسب مكتب إحصائيات الاتحاد الأوروبي، "يوروستات".

والتقى يوم الإثنين، وزراء العدل والداخلية في دول الاتحاد الأوروبي لمناقشة أزمة اللاجئين وخطة التوزيع لـ160 ألف لاجئ، ممن وصلوا وعلقوا في اليونان وإيطاليا والمجر، بشكل عادل، بناءً على الظروف الاقتصادية والاجتماعية وعدد سكان كل دولة أوروبية. لكن تقف عقبات سياسية وقانونية عائقاً في وجه تنفيذ هذا الاقتراح. فدول وسط وشرق أوروبا ترفض الاقتراح، لكنّ دولاً غربية مثل بريطانيا وإيرلندا والدنمارك لديها "تحفظات قانونية" قديمة على مسائل عدة، بما فيها سياسة الهجرة واللجوء، عدا عن أن النرويج ليست جزءا من الاتحاد الأوروبي. ويشير مراقبون إلى أنّ رقم 160 ألفاً ليس سوى "نقطة في بحر"، آخذين على سبيل المثال، استقبال ألمانيا لحوالي 450 ألف لاجئ/مهاجر، منذ بداية العام 2015،  و105 آلاف في أغسطس/آب الماضي، و37 ألفاً في الأسبوع الماضي.

ويعيد بعض خبراء اللجوء أنّ أبرز الأسباب التي جعلت من ألمانيا والسويد تتربعان على قائمة الدول التي يقصدها اللاجئون، سهولة وترحيب الدولتين بهم، على الرغم من أنّ ألمانيا، شدّدت، يوم الأحد، إجراءاتها على الحدود مع النمسا، من خلال وقف العمل باتفاقية "شنغن" لحرية الحركة، كما أوقفت خط رحلات القطارات من النمسا. لكن تتشدّد دول أخرى، بقوانين تكاد تجرّم من يحاول الدخول كطالب لجوء، كما في الحالة المجرية، التي ستطبّق قانون "السجن لمن يخترق الحدود بعد 15 سبتمبر/أيلول الحالي". وفي حالات أخرى كالدنمارك، قيل بطريقة صارمة، "أنتم غير مرحب بكم"، عبر حزمة من التشديدات المتتالية.

وفي حين رحّبت "المفوضية السامية للاجئين" في الأمم المتحدة بخطة توزيع 160 ألف لاجئ بين دول الاتحاد الأوروبي، باعتبارها "خطوة في الاتجاه الصحيح"، لم يصعب اكتشاف المبررات التي يسوّقها البعض من اليمين الأوروبي المتطرف لرفض وجود اللاجئين عموماً والسوريين خصوصاً، إذ أعلنوا موقفهم مراراً، أنّه "ربما بين هؤلاء خلايا إرهابية نائمة ومدفوعة من داعش". في المقابل، يقف اليسار، واليسار الوسط في معظم دول الاتحاد الأوروبي حائراً بين التخويف من اللاجئين وعجز السياسات الغربية عن ممارسة حقيقية لوقف تدهور الوضع في سورية، "حتى لا تصبح سورية بلداً يطرد شعبه"، كما يقول الدكتور وليد البني في حديث لـ "العربي الجديد"، من بودابست.

وبالعودة إلى الأرقام، تشير إحصائيات "يوروستات"، إلى أنّ 89270 سورياً وصلوا إلى ألمانيا، بينما استقبلت السويد 61525، في حين لم تستقبل الدانمارك أكثر من 11390 لاجئاً سورياً، منذ العام 2011 لغاية شهر مايو/أيار الماضي. تجدر الإشارة إلى أنّ الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، باستثناء ألمانيا، لم تحتل المراتب الأولى في استقبال اللاجئين. فبريطانيا مثلاً، احتلت المرتبة التاسعة في استقبال 6960 شخصاً، واحتلت فرنسا المرتبة الحادية عشرة في استقبالها 6000 لاجئ. في دول الشمال، منحت النرويج 3865 شخصاً حق الإقامة، بينما هناك المئات ينتظرون منذ أشهر وسنوات. ولم تمنح فنلندا سوى 655 لاجئاً سورياً حق الإقامة. في دول أوروبا الشرقية، ارتفعت الأصوات أخيراً حول "اجتياح المسلمين"، كما في حالات التشيك وسلوفاكيا، على الرغم من منحهم حق الإقامة لـ 350 لاجئاً سورياً فقط، بحسب الإحصائيات.

وعلى الرغم من أن السوريين يتصدرون مشهد اللجوء نحو دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن الوقائع والأرقام الرسمية، تشير إلى نقطة أخرى ولها أبعادها. ففي مشهد الآلاف من اللاجئين الذين تعجّ بهم قرية سغد، على الحدود المجرية الصربية، ومحطة قطارات بودابست يصبح، "الكل سوريين". حتى المنظمات الخيرية العربية التي حضرت إلى بودابست من عرب 48 وغيرها العاملة في السويد والدنمارك وهولندا، فوجئت أثناء توزيع بعض المساعدات، كيف أنّ "الجميع يقول لك إنّهم من سورية". فحتى الأفغاني حين يُسأل عن مسقط رأسه، يجيب أنّه من سورية، وهو غير قادر على لفظ اسم منطقته المزعومة هناك.

اقرأ أيضاً:
ألمانيا تجد طريقها لنادي الكبار من بوابة السياسة والاقتصاد...واللاجئين

يردّد عدد كبير من السوريين الذين تحدّثوا لـ "العربي الجديد" أنّ "الأخوة العراقيين يريدون معرفة تفاصيل منطقة دير الزور، للقول إنّهم من سورية". ويقول أحد السياسيين السوريين إنّه فوجئ في بودابست، عندما سأل شخصاً سودانياً عن هويته، فأجاب أنّه من سورية، "فما كان منّي، إلّا الردّ، حرام عليك... أريد مساعدتك، لكن لا تدعي أنك من سورية".

وقد أثبتت الإحصاءات الرسمية أنّ الأرقام التي غطت السنوات الأربع الماضية، شملت كل الجنسيات. وتبيّن الإحصاءات أنّ 150 ألف عراقي وصلوا إلى دول الاتحاد، في الوقت الذي توجّه فيه آلاف اللاجئين السوريين إلى تلك الدول. كما وصل 140 ألفاً من كوسوفو، وتمت إعادة عشرات الآلاف منهم إلى بلدهم، في حين بقي عدد كبير من طلبات لجوء العراقيين قيد الدراسة. توضح النسب المئوية، حقيقة من هم الأكثر تدفقاً نحو أوروبا. فنسبة السوريين بين مجموع طالبي اللجوء، كانت 12.6 في المائة، والأفغان 7.5 في المائة، وحوالي 3 و4 في المائة من العراقيين والإريتريين، و2.6 من الإيرانيين، وبدا بارزاً في الإحصائيات، أنّ نسبة الروس بلغت 5.4 في المائة، من مجموع طالبي اللجوء في دول الاتحاد.

أرقام تعكس ضجيج السياسة

تعالت في الصحافة الغربية، وخصوصاً في الدول الصغيرة التي لم تستقبل السوريين كما فعلت السويد وألمانيا، أسئلة بدت شعبوية في الأسبوع الأخير، وتحديداً منذ السبت الماضي، إذ كان مشهد الرعب الذي يبثه اليمين المتطرف في نفوس عشرات الآلاف من المجريين، بحجة "اجتياح اللاجئين"، مبالغاً به. وفي الدول الأكثر ضجيجاً سياسياً، كما في حالة الدنمارك، برز سؤال صحافة اليمين واضحاً عبر صفحاتها: "لماذا لا يستقبل العرب هؤلاء اللاجئين... هؤلاء اللاجئون لن يعجبهم لا طعامنا ولا طقسنا، فلماذا لا يذهبون إلى المسلمين أمثالهم...؟".

لكن الواقع يختلف كليّاً عمّا يبثّه الإعلام اليميني، باعتراف "يوروستات" و"المفوضية السامية للاجئين"، والإحصاءات الرسمية التي ركّزت على تقدم بضعة مئات من اللاجئين من ألمانيا نحو السويد مروراً بالدنمارك، على سبيل المثال لا الحصر. ففي ذات الفترة الزمنية من العام 2011 ولغاية مايو/أيار 2015، سجّلت تركيا استقبال 1805255 لاجئاً سورياً. واستقبل لبنان 1172755 لاجئاً مسجّلاً، والأردن استقبل 270755 لاجئاً مسجّلاً. أمّا العراق، فاستقبل 249726 سورياً ومعظمهم من الأكراد، واستقبلت مصر 132375 ألفاً.

لا تشمل تلك الأرقام وجود مئات آلاف السوريين على امتداد دول الخليج العربي، حيث يقيم مئات الآلاف منهم قبل العام 2011، وازدادت تلك الأرقام، بعد ذلك التاريخ، كما في حالات السعودية والكويت وقطر. وتختصر النسب المئوية استقبال دول الاتحاد الأوروبي والنرويج وأيسلندا وسويسرا (وهي دول ليست عضوة) 6,4 في المائة من مجموع اللاجئين السوريين. بينما الدول الأخرى، بما فيها العربية وتركيا، استقبلت 93,6 في المائة من المهجرين واللاجئين السوريين.

أمّا الأرقام التي تلت شهر مايو/أيار الماضي، وتحديداً منذ شهر أغسطس/آب الماضي، لغاية الأسبوع الأول من شهر سبتمبر/أيلول الحالي، فقد سجلت غرفة الرقابة في وكالة الحدود الأوروبية، "فورنتيكس"، وجود نحو 35 ألف باحث عن اللجوء والهجرة على الحدود المجرية ــ الصربية، وليسوا جميعهم سوريين. وفي إيطاليا، يوجد حالياً حوالي 20 ألفاً، معظمهم من إرتيريا ودول أفريقية أخرى، بعدما توقف معظم السوريين من السفر إلى ليبيا والإبحار منها. بينما ضمّت كالي الفرنسية، حوالي 3 آلاف ممن يحاولون العبور نحو بريطانيا.

اقرأ أيضاً: قضية اللاجئين تعيد ترتيب عقارب البوصلة السياسية الفرنسية

المساهمون