خفض جديد لاستهلاك النفط في الصين يُعمِّق ورطة أوبك

11 فبراير 2020
عودة ضعيفة للعمل في المصانع (Getty)
+ الخط -

 

وضع مستهلكو النفط في الصين، منظمة أوبك والمنتجين الكبار من خارجها، في ورطة، بعد الكشف عن خفض جديد في الاستهلاك بنسبة كبيرة، على الرغم من عودة العمل في المصانع ومختلف المؤسسات في شتى أنحاء الصين، أمس الاثنين، بعد عطلة إجبارية، أدى خلالها فيروس كورونا القاتل إلى شلّ مفاصل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وزحفت عدواه نحو اقتصادات كبرى مجاورة.

وكشف مسؤول في شركة بتروتشاينا، ثاني أكبر مؤسسة لتكرير النفط في الصين، عن أن الشركة تعتزم خفض معدلات التشغيل بواقع 320 ألف برميل من الخام يومياً خلال فبراير/ شباط الجاري، بما يوازي نحو 10 في المائة من معدل التشغيل البالغ نحو 3.32 ملايين برميل يومياً.

وبهذا التقليص، فإن إجمالي تخفيضات المصافي المملوكة للدولة، بما في ذلك "سينوبك" و"سنوك" يقفز إلى نحو 940 ألف برميل يومياً هذا الشهر، وسط توقعات بزيادة المعدلات للفترة المقبلة، حيث قال المسؤول في بتروتشاينا لرويترز، أمس، إن من المرجح أن تعمق الشركة التخفيضات في مارس/ آذار المقبل إلى 377 ألف برميل يومياً.

وأكد أن بتروتشاينا تجري محادثات مع موردين بعقود طويلة الأجل مثل السعودية والكويت والإمارات بشأن تأجيل تحميل شحنات أو خفض الأحجام، لكنه لم يذكر تفاصيل، مضيفاً: "نتابع السوق يومياً، لكن مما لاحظناه حتى الآن، يبدو أن فرص تعافي الطلب علي الوقود في مارس/ آذار ضعيفة".

وأشار إلى أن تخفيضات الإنتاج معظمها في شمال شرق وشمال الصين، حيث تأثر الطلب أكثر منه في المناطق الغربية. وفي الأسبوع الماضي، كشفت تقارير متخصصة عن أن شركة سينوبك، ثاني أكبر شركة تكرير في آسيا، التي لديها مشروعات مشتركة مع أرامكو السعودية، ستخفض معدل التشغيل الشهر الجاري بنحو 600 ألف برميل يومياً، بما يعادل 12 في المئة من متوسط استهلاكها للخام، وهو أكبر خفض في عشر سنوات.

ولم تقتصر عمليات الخفض على الشركات المملوكة للدولة، بل قلصت شركات التكرير الخاصة في مقاطعة شاندونغ (شرق) الإنتاج إلى أقل من نصف طاقتها.

وأحبط الإعلان المتوالي لشركات تكرير النفط عن خفض الاستهلاك، آمال المنتجين، خاصة في منظمة أوبك، في عودة النشاط إلى أكبر مستهلك للخام وثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية.

وأمس الاثنين، بدأ العمال يتقاطرون على المكاتب والمصانع في شتى أنحاء الصين، بعد أن خففت الحكومة بعض القيود المفروضة على العمل والتنقل في أعقاب وباء كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 900 شخص، معظمهم في برّ الصين الرئيسي.

وسبّب الوباء تعطيلاً كبيراً للحياة، حيث تحولت المدن الصينية التي تعجّ عادة بالحركة إلى مدن أشباح خلال الأسبوعين الماضيين، بعد أن أمرت الحكومة بإغلاق المدن وإلغاء الرحلات الجوية وإغلاق المصانع والمدارس.

وكانت السلطات قد طلبت من الشركات تمديد عطلات السنة القمرية الجديدة عشرة أيام، بعد أن كان من المقرر أن تنتهي مع نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي.

وسيكون لانخفاض الطلب الصيني على النفط، وما تبعه من تراجع في سعره، نتائج كارثية على العديد من الدول التي كانت تعتمد على تصدير الخام للحصول على العملة الأجنبية المطلوبة لسداد فاتورة الواردات.

والصين أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، بنسبة لا تقلّ عن 20 في المائة من إجمالي تجارته الدولية. والعام الماضي، وصل استهلاكها إلى 14 مليون برميل يومياً، وهو ما كان مساوياً لما استهلكته المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليابان وكوريا الجنوبية مجتمعة.

ويتجاوز الخفض الفعلي في الاستهلاك الصيني للنفط، توقعات الكثير من المؤسسات النفطية والمالية العالمية، ما يزيد من مأزق المنتجين داخل أوبك وخارجها، الذين هرعوا الأسبوع الماضي إلى الاجتماع من أجل الخروج بقرار لمواجهة الخطر المحدق بهم، لكنهم لم يتفقوا على موقف موحد بشأن زيادة حجم الخفض في الإنتاج، معلنين تمديد حالة الترقب لحركة التنين الصيني.

والأسبوع الماضي، توقع برايان جيلفاري، المدير المالي لشركة "بي.بي" النفطية البريطانية، أن يؤدي تباطؤ الاستهلاك إلى خفض الطلب بما بين 300 ألف و500 ألف برميل يومياً. بينما رجحت مؤسسة غولدمان ساكس العالمية، في تقرير لها في وقت سابق، تراجع الطلب الصيني على النفط بنحو 260 ألف برميل يومياً.

لكن وكالة بلومبرغ الأميركية، نقلت في الثاني من فبراير/ شباط الجاري، عن مصادر وصفتها بالمطلعة على أوضاع قطاع الطاقة الصيني، قولها إن الطلب على الخام تراجع بنحو 3 ملايين برميل يومياً، بما يقترب من 20 في المائة من إجمالي الطلب.

ويمثل هذا الرقم صدمة كبيرة لمنتجي النفط، الذين كانوا يأملون خفضاً إضافياً للنفط بنحو 600 ألف برميل يومياً وفق توصية أصدرتها لجنة فنية من أوبك والمنتجين من خارج المنظمة في التكتل المعروف باسم "أوبك+".

وكانت "أوبك+" قد خفضت الإنتاج بالأساس قبل اشتعال أزمة كورونا، بنحو 1.7 مليون برميل يومياً بمقتضى اتفاق يستمر حتى مارس/ آذار المقبل من أجل دعم الأسعار والحيلولة دون هبوطها.

وهوت أسعار النفط بأكثر من 20 في المائة، منذ اشتعال أزمة كورونا منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، وسط مخاوف من عودة الأسعار للهاوية وإعادة المشهد إلى عام 2014 حيث بدأت الأسعار بالانهيار لتلامس في 2016 مستوى 27 دولاراً للبرميل.

وتراجعت عقود النفط الآجلة في بداية التعاملات الأسبوعية، أمس، قرب أدنى مستوياتها منذ ديسمبر/ كانون الأول 2018، حيث تدور أسعار خام برنت تسليم إبريل/ نيسان، حول 54 دولاراً للبرميل، بينما تحوم أسعار الخام الأميركي غرب تكساس الوسيط تسليم مارس/ آذار حول 49 دولاراً للبرميل.

وتبدو دول الخليج العربي الأكثر تضرراً بين منتجي النفط حول العالم، من عودة أسعار الخام للهبوط الحاد، خاصة في ظل المؤشرات التي تظهر ارتفاع الإنتاج الأميركي، وبقاء الإنتاج الروسي عند مستوياته المرتفعة رغم اتفاق خفض الإنتاج مع أوبك.

ورفعت شركات الطاقة الأميركية عدد الحفارات النفطية العاملة إلى 676 حفاراً وفق بيانات صادرة عن شركة "بيكر هيوز" لخدمات الطاقة، يوم الجمعة الماضي، في الوقت الذي تتوقع فيه إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة من الخام بنسبة 9 في المائة خلال العام الجاري إلى 13.3 مليون برميل يومياً، بينما كانت قد سجلت مستويات قياسية في 2019 ببلوغ 12.2 مليون برميل يومياً.

وتتزامن زيادة إنتاج النفط الأميركي، مع زيادة الإنتاج الروسي أيضاً، وفق بيانات رسمية صادرة عن وزارة النفط، أوردتها وكالة "إنترفاكس" للأنباء الروسية، الأحد الماضي، مشيرة إلى بلوغ الإنتاج 11.28 مليون برميل يومياً في يناير/ كانون الثاني الماضي، مقابل 11.26 مليون في الشهر السابق عليه.

وإنتاج روسيا من النفط لا يزال أعلى بكثير من المستوى المستهدف في اتفاق خفض الإنتاج البالغ نحو 11.1 مليون برميل يومياً. وقد يثير مستوى الإنتاج الحالي انتقادات من جانب "أوبك" تحديداً، خاصة بعد تهاوي أسعار النفط بفعل الهلع من تداعيات فيروس كورونا الجديد على الطلب العالمي.

ووفق تقرير لوكالة بلومبرغ، الأسبوع الماضي، فإن تراجع الطلب الصيني، يمكن أن يكون أقوى ضربة لأسواق النفط منذ الأزمة المالية العالمية التي تفجرت في 2008، وأدت إلى تراجع كبير في الطلب العالمي على الطاقة.

وحذّر صندوق النقد الدولي، من أنه يجب على دول الخليج، التي تعتمد بشدة على إيراداتها النفطية، القيام بإصلاحات أعمق، أو المخاطرة برؤية ثرواتها تتلاشى خلال 15 عاماً، مع تراجع الطلب العالمي على النفط وانخفاض الأسعار. وقال الصندوق في دراسة عن "مستقبل النفط والاستدامة المالية" في المنطقة، نشرت الخميس الماضي، إنه "في الموقع المالي الحالي، فإنّ ثروة المنطقة المادية قد تستنزف بحلول 2034".

ولا تملك دول الخليج التي لطالما اعتمدت بشدة على النفط، الذي كان له الفضل في إثرائها لعقود، أي خيار سوى تسريع الإصلاحات الاقتصادية وتوسعتها، تجنباً لأن تصبح مقترضة صافية. وارتفعت ديون حكومات دول مجلس التعاون الخليجي من قرابة 100 مليار دولار في عام 2014، إلى نحو 501 مليار دولار، بنهاية الربع الثاني من العام الماضي 2019، وفق تقرير لبنك الكويت الوطني حول تطورات سوق أدوات الدين، نشر في أغسطس/ آب الماضي.

المساهمون