خطّاط سخنين ورسّامها

07 اغسطس 2015
فيها روحانية وجمالية خاصة (العربي الجديد)
+ الخط -
سعيد النهري خطاط ومزخرف ورسام كاريكاتير وتشكيل من مدينة سخنين الجليلية في فلسطين المحتلة. الريشة لغته ووسيلته للتعبير. تنقل بين عوالمها العديدة ليستقر أخيراً عند شغفه الأول، الخط العربي وفنونه.

ولد النهري عام 1961 في سخنين ودرس التصميم الغرافيكي في حيفا، ليدرس بعده الخط العربي. بدأ حياته المهنية كرسام تشكيلي. وفي حرب الخليج الثانية عام 1991 كان قد بدأ يرسم الكاريكاتير السياسي، لينطلق في هذا المجال في عدة صحف فلسطينية محلية وأخرى عالمية. عمل طوال 20 عاماً رسام كاريكاتير، ليتوقف بعدها بسبب تهديدات تلقاها نتيجة رسومه.

يقول النهري: "بعد دخول الكمبيوتر إلى حياتنا لم يعد من مكان بارز للخط، لكنّي بقيت متعلقاً به بسبب براعتي الكبرى فيه. أما الكاريكاتير فقد شدني كتحد شخصي لشخص لا يملك إلاّ قلمه وريشته. فتمكنت من خلالهما أن أتحدى شخصيات سياسية وحكومات. لكن قررت التخلي عن العمل في هذا المجال بعد أن تلقيت تهديدات بالقتل من تيارات سياسية مختلفة، ولطالما كان اغتيال الرسام ناجي العلي ماثلاً أمامي. توقفت عن الكاريكاتير مع بداية الانتفاضة الثانية (2000)، يوم طالب وزراء إسرائيليون من بينهم آرييل شارون بطردي من البلاد.. واليوم أرسم الكاريكاتير لنفسي وأحتفظ به في درج مكتبي".

شغفه بالخط العربي استحوذ عليه بعد ذلك. فهو يعتبر أنّ الله منحه هذه الموهبة التي لم يتطلب درسه لها أكثر من ثلاثة أشهر. وعن هذه المهنة يقول: "لو كنت في دولة عربية لكان وضعي أفضل بمائة مرة من وضعي الحالي. آمنت بالخط العربي وإحيائه من أجل فلسطينيي الداخل بعد أن تم تغييبه من مناهج التعليم في المدارس العربية الفلسطينية هناك عن قصد، وهي خطة مدروسة لأسرلة فلسطين الداخل. فنزع الخط العربي واللغة العربية عن الشعب يعني نزع الهوية منه ليصبح شعباً لقيطاً".

في معرضه يقدم النهري لوحاته الفنية الخاصة بالخط العربي، بالإضافة الى لوحات أخرى مزخرفة بالخط. يقول: "أبحث دائماً في السبل التي تقرّب الخط العربي إلى الآخرين. لذلك أمزج ما بين الخطوط وأزاوج ما بين الرسم والخط. فيتعاطى المتلقي مع الشكل والزخرفة معاً ويعجب بها".

معظم لوحات النهري تجسد آيات قرآنية يعتبرها الأقرب إلى شخصيته كمسلم صوفي. ويعتبر أنّ القرآن هو أساس اللغة العربية، أما الفن فهو من عالم الروح النابع من ثقافته الصوفية. فيما يهدف مشروعه الحالي إلى "تدويل الخط العربي ليصبح لغة عالمية لكل الدول العربية والإسلامية".

شارك النهري في معارض عديدة حول العالم في أوروبا وأستراليا، كما وصلت لوحاته الى أميركا. أما عن الدول العربية فيقول: "جواز سفري الإسرائيلي لعنة عليّ، وهو أكبر عائق لنا. فكثير من الدول العربية ترفض استقبالنا مع أننا فلسطينيون أصليون وصامدون في أرضنا". يردف: "ترحب بي بعض دول الخليج العربي لكن حتى الآن لم أعرض أعمالي هناك، وربما أفعل هذا في المستقبل القريب". ويتابع: "تلقيت تكريماً في العاصمة المصرية القاهرة وربما أنجح في عرض لوحاتي قريباً هناك. فبالرغم من كلّ هذه الأوضاع اعتبر عضو شرف في جمعية الخطاطين المصريين، وفي جمعية الخطاطين العراقيين، وجمعية الخطاطين التونسيين. لدي علاقات دائمة مع زملائي الخطاطين من العالم العربي عبر البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي. وأتساءل هل عندما كانت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي واستعمل الجزائريون الجواز الفرنسي، انتقص هذا من وطنيتهم وعروبتهم؟ أطلب إعادة النظر في قرارات منعنا من الدخول إلى الدول العربية فنحن الأمل لأننا ثبتنا على أرضنا".

في السنوات السبع الأخيرة بدأ النهري العمل على زخرفة قبب المساجد بيديه. وطاول عمله عشرات المساجد في منطقة الجليل. وتميز برسومات الأرابيسك وكتابة الآيات على جدران المساجد.

يعيش النهري وحي لوحاته كفنان متمرس يكرس نفسه لها. فحتى لو استيقظ عند الثالثة فجراً يبدأ العمل. ويقول إنّ بعض اللوحات تتطلب منه العمل طوال ثلاثة أشهر. أما ارتباطه الأكبر فهو باللوحات المستوحاة من النص القرآني، التي يقول إنّ فيها روحانية وجمالية خاصة.

يدرّس النهري اليوم في "دار الخط العربي" ويقدم دورات لتعليم أصول الخط ويقول: "جيل الشباب خصوصاً يستعيد الخط العربي اليوم ويتجه إلى دراسته. ولا يغيب عن بالنا أنّ الفنان العالمي بابلو بيكاسو قال: أبعد نقطة أردت الوصول إليها في فن الرسم وجدت الخط العربي قد سبقني إليها منذ مئات السنين".

إقرأ أيضاً: عودة إلى صنع الفخّار في حيفا
المساهمون