خطة الأمن لمواجهة رمضان

25 يونيو 2015
خطة الأمن لمواجهة رمضان (Getty)
+ الخط -
أصبح من المعتاد في مصر، أن كل ما من شأنه أن يجمع الناس حول أي شيء جاد، فهو من ممنوعات الحياة اليومية في مصر، المجرم بقانون وبدون، الملاحق من السلطة، بوصفه خطراً على الأمن القومي!

التظاهر ممنوع، التجمعات، اجتماع بعض الأصدقاء من المعروف عنهم النشاط السياسي لا يعني إلا مؤامرة، وإن تجمعوا لتناول الإفطار، تحولنا من الحبس الاحتياطي إلى الخطف الاحتياطي، مجرد اجتماع ثلاثة في نزهة نيلية خطر يستوجب التوقيف، وربما نكون الدولة الأولى من نوعها، التي يجري تصنيف روابط مشجعي كرة القدم فيها، ولأكبر الأندية، في قوائم الإرهاب!


الآن، شهر رمضان، موسم للعبادة والتراويح، والتهجد، تخترع الأجنحة الدينية للنظام العسكري في مصر أنظمة لتوقيف المصلين، خوفاً من تحول الصلاة إلى مظاهرة أو ندوة لإبداء الرأي في النظام، قيام الليل في مصر أصبح بإظهار البطاقة الشخصية وأخذ البيانات، اسمك وسنك وعنوانك ومهنتك شرط للحصول على تصريح بالصلاة في مصر، المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف يبرر الرقابة الحكومية على السنن والنوافل بأنهم يخشون أن يندس بين المصلين أصحاب التوجهات السياسية المرفوضة، وأنهم لن يسمحوا للغرباء عن الحي أن يدخلوا مساجده، فمن يدرينا لماذا جاءوا ولأي هدف؟

رمضان في مصر ليس موسم العبادات وحسب، إنما هو موسم العزومات، الموائد الممتدة من أسوا إلى الإسكندرية، بل من النوبة إلى السلوم، من الناس من لا يرى أقاربه في هذا البلد غير الأمين، سوى في شهر الصوم، على موائد الإفطار، يفطر الناس، وينزل الرجال لأداء الصلوات، ثم يعودون ليكملوا السهرة إلى السحور، الآن، وبحكم وزارة الأوقاف المصرية، يمكن للأمن توقيفك إذا لم تخبرهم بطاقتك الشخصية أنك من أهل هذا الحي، ومنعك، ومطالبتك بأداء الصلاة حين ترجع إلى قريتك، أو حيك، يمكنك استخدام الأسانسير الخاص ببناية مضيفك، للصعود إليه، لكن لا يمكنك استخدام المسجد الذي يصلي فيه، المساجد خاصة بأصحابها، والحق في العبادة صار حصة توزع حسب المربع السكني.

يتجاوز الأمر السماح للمصلين بالصلاة، وللمعتكفين بالاعتكاف إلى السماح للمساجد نفسها بإقامة الشعائر، حيث قررت الأوقاف المصرية ألا تسمح لمسجد بأن تقام فيه صلاة التراويح أو الاعتكاف في الشهر الكريم إلا بإذن أمني، وترخيص، وحددت بنفسها لاعتباراتها الأمنية، أي المساجد يسمح لها بإقامة الشعائر، وأيها يمنع!

الأغرب على الإطلاق، هو الموافقة الأمنية على المقرئ، من يصلي الناس خلفه، مقيم الشعائر، ووظيفته كما هو معروف، وظيفة اجرائية، شعائرية، طقوسية، قراءة القرآن، والركوع والسجود، وهي أمور لا رأي فيها، لا وجهات نظر، لا تحمل شخصية المقرئ فيها أياً كانت انحيازاته المذهبية أو السياسية على مجريات الصلاة، ومع ذلك يشترط الأمن المصري الموافقة، من يصلي بالناس، ومن لا يصلي!

لم يهتم الأمن المصري كثيراً إذا كان عدد المساجد المسموح لها كافياً للمصلين أم لا، مع العلم أننا في السنوات السابقة كنا نعاني من خروج المصلين للصلاة في الشوارع أمام المساجد الكبيرة، لعدم اتساع المسجد لعدد المصلين، بما يستتبعه ذلك من تعطيل لحركة المرور في بعض الشوارع الهامة في القاهرة والاسكندرية، الأمر الذي يصل في القاهرة إلى إغلاق حارة مرورية كاملة في مسجد الجمعية الشرعية في القللي/ رمسيس، قلب العاصمة، وفي مساجد أخرى يجري سد الشارع بأكمله، وتوقيف حركة المرور تماماً، فما بالك بعد القرارت الحكومية بإيقاف بعض المساجد التي يخشى الأمن المصري من التداعيات السياسية لأداء الصلوات فيها؟

في القاهرة (20 مليون نسمة) عدد المساجد المسموح لها بأداء صلاة التراويح (196 مسجداً)، في الإسكندرية، 5 ملايين مواطن، 19 مسجداً، وبالقياس يمكنك أن تعرف أحوال باقي المساجد والمحافظات!

بالمناسبة: مفتي مصر السابق، الشيخ علي جمعة، أفتى هذا العام بأن الأصل هو أداء التراويح في البيت، وهو المكان الوحيد في مصر الذي يمكنك الصلاة فيه دون تفتيش!

(مصر)