خطاب محمود عباس في الجامعة العربية: لا مفاجآت

01 فبراير 2020
رفض عباس "صفقة القرن" (Getty)
+ الخط -

يبدو أن خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اليوم السبت، في الجامعة العربية، وإعلانه عن إبلاغ الجانب الإسرائيلي بقطع العلاقات مع إسرائيل لم يكن كافياً للرد على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب "صفقة القرن"، في الوقت الذي تؤكد فيه قيادات من حركة فتح أن ما أعلنه عباس لا يعني بأي حال من الأحوال حلاً للسلطة الفلسطينية رداً على "صفقة القرن".

وبالرغم من أن إعلان عباس من على منبر جامعة الدول العربية عن إرساله رسائل إلى الجانب الإسرائيلي بقطع الاتفاقيات لم يكن بالأمر المفاجئ للشعب الفلسطيني، لا سيما أن الإعلام الإسرائيلي كان قد نشر هذه الأنباء قبل يومين من خطاب عباس، في ظل تساؤل لماذا لم يعلن عباس عن وقف هذه الاتفاقيات خلال خطابه يوم الثلاثاء الماضي.
وفي قراءة لما ورد في خطاب عباس، وتحديداً ما تعلق منه بقطع العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك العلاقات الأمنية، يرى القيادي في حركة فتح حاتم عبد القادر، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أنه "موقف غير كافٍ، لأن صفقة القرن هذه ألغت عملياً كل الصفقات السابقة والتي لم يعد لها وجود، كما أطاحت كل الجهود السياسية والسلمية والتفاوضية، وبالتالي لم يبق هناك أي هامش للعملية السياسية". 
ويؤكد عبد القادر أنه "كان أحرى بالرئيس الفلسطيني أن يصارح شعبه بالإعلان عن انتهاء العملية السلمية، وإلغاء اتفاق أوسلو، ووقف حقيقي للتنسيق الأمني الذي أعلن عنه مراراً وتكراراً ولم يتوقف، وكان ذلك كما هو اليوم لمجرد الاستهلاك"،  قبل أن يضيف: "لذا نرجو هذه المرة أن يكون جاداً وحقيقياً".
في مقابل ذلك، يشدد عبد القادر على أنه من المفروض أن يبادر الرئيس عباس إلى فتح حوار فوري ومباشر مع حركة حماس لإنهاء الانقسام، وأن تتوفر هذه المرة في الحوار إرادة سياسية حقيقية من أجل إغلاق هذا الملف، والوصول إلى تصور مشترك بين الفصائل الفلسطينية جميعها، بما في ذلك فتح وحماس، على تحديد حالة جديدة للصراع مع الاحتلال تقوم على المقاومة الشعبية بكافة أشكالها، ودعوة جماهير الشعب الفلسطيني إلى تحمل مسؤولياتها في الدفاع عن أرضها ومقدساتها، وهذا هو الحد الأدنى الذي كان يمكن القيام به، فيما يشدد عبد القادر على أن استمرار الرهان على الشرعية الدولية ومواقف الدول ومجموعة الدول (الـ77 + الصين) التي ترد دائماً في كل تصريحات عباس لن يكون له نتيجة.

هذا المشروع المقاوم الفلسطيني الذي إذا طبق على أرض الواقع، بحسب عبد القادر، فإنه يمكن أن يشكل قاطرة لمشروع شعبي عربي مقاوم لصفقة القرن، أما إذا بقي الفلسطينيون كما هو الحال اليوم بدون مشروع مقاوم، فلا يمكن توقع أي مشروع مقاوم لصفقة القرن، خاصة مع بقاء التنسيق الأمني، ومع الإبقاء على الاتفاقات الأمنية مع الاحتلال والتي لا يحترمها، ويريد من الفلسطينيين أن يكونوا حراساً لأمنه فقط، ودون مقابل.
وشدد القيادي في فتح حاتم عبد القادر على أن هذا الإعلان يبقى دون معنى، إن لم يلمس معه الشعب الفلسطيني خطوات عملية وحقيقية على الأرض تكرس مشروع الشعب الفلسطيني للمقاومة الشعبية القادرة على دحر الاحتلال.

وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح صبري صيدم لـ"العربي الجديد" إن "الرئيس محمود عباس سيتوجه إلى المؤتمر الإسلامي والقمة الأفريقية ومجلس الأمن بعد أن توجه إلى جامعة الدول العربية"، وإن "الخطوات القادمة تعتمد على المواقف التي سترشح عن هذه اللقاءات، وعن لقاء القيادة الفلسطينية حال عودته لمناقشة التفاصيل وتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي فيما يتعلق بالصلاحيات والمستقبل".

وحول وجود توجه حقيقي لحل السلطة أم أن حديث الرئيس عباس مجرد تلميح، قال صيدم إن "موضوع حل السلطة جرى الحديث عنه سابقا، لكن تداعيات الأمور استوجبت أن يكون هناك حراك دولي وكل الأمور مرتبطة بهذا الحراك وبقرار مجلس الأمن من عدمه".

وحول التداعيات على الأرض لحديث عباس عن تحمل الاحتلال لمسؤولياته، قال صيدم إن "ذلك يعتمد على المواقف الدولية فيما يتعلق بصفقة القرن، هناك موقف واضح من جامعة الدول العربية برفض هذه الخطة، ومن المهم أن ترشح مواقف من الدول الإسلامية والقمة الأفريقية، ولاحقا مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة فيما يرتبط بموضوع المرحلة الانتقالية التي كان من المفترض أن تؤسس لدولة فلسطينية".

أما عن إعلان عباس عن رسالته إلى إسرائيل بقطع العلاقات معها من جامعة الدول العربية وعدم إعلانه سابقا في مؤتمره الذي تلا اجتماع القيادة الفلسطينية بالتزامن مع إعلان خطة ترامب قال صيدم: "تحدث الرئيس عباس خلال المؤتمر الصحفي عن تنفيذ قرارات المجلسين المركزي والوطني لمنظمة التحرير، وهذه القرارات شملت هذه الخطوة، ربما إعلاميا لم تأخذ الحيز المطلوب لكنه أشار في مؤتمره ونوقشت في اجتماع القيادة، أوكد أن ما طرح في اجتماع القيادة والمؤتمر الصحفي مرتبط بهذه الخطوات والتي تم البدء باتخاذها ومنها الرسالة التي أرسلها للجانب الإسرائيلي".

من جهته، اعتبر القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عمر شحادة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما أعلنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن إرسال رسائل إلى دولة الاحتلال بشأن وقف الاتفاقات هو رهان على التفاوض مع إسرائيل.

وقال شحادة إن "منطق إرسال هذه الرسائل رهان على التفاوض وعلى المجتمع الدولي، رغم أن ذلك لا يشكل جوهر مواجهة صفقة القرن ولا الاستراتيجية التي يجب أن تقوم بعد ذلك، الرسالة يجب أن تقدّم إلى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وإلى قادة قوى المقاومة والقوى الاجتماعية والسياسية للشعب الفلسطيني، لا للإدارة الأميركية والإسرائيلية، لذا لا أرى أن إرسالها علاج مقنع".

وتابع شحادة: "لا أرى حاجة إلى استمرار المراوحة بالرسائل والآليات والمتابعات والمفاوضات والمماطلة والتردد والالتفاف على قرارات المجلس المركزي التي تم إقرارها قبل 5 سنوات، وحتى اللحظة لم تطبق".

وبالحديث عن إرسال هذه الرسائل إلى إسرائيل بوقف الاتفاقيات الموقعة معها على اعتبار أنها بمثابة تلويح بحل السلطة، قال شحادة: "يجب أن يجمع قادة الشعب الفلسطيني على استراتيجية موحدة بدل القرارات الانفرادية، والتي هي غير مفهومة للشعب الفلسطيني، قبل الحديث عن حل السلطة".
من جانب آخر، قال شحادة إن "خطاب أبو مازن أمام الجامعة العربية أو أية بيانات تصدر عن الجامعة لا تحمل أي جديد، فالشعب الفلسطيني ليس بحاجة للخطابات، والمطلوب من أبو مازن وقبل أي حراك دولي الإعلان عن سحب الاعتراف بإسرائيل، وقطع التنسيق الأمني ووقف كافة الاتفاقات مع الاحتلال ودعوة القيادة الفلسطينية على مستوى الأمناء العامين للفصائل من أجل وضع استراتيجية موحدة لإسقاط صفقة القرن، وتبني استراتيجية لوضع خطة لما بعد أوسلو تقوم على الطبيعة النضالية التحررية للشعب الفلسطيني وعلى المقاومة بكافة أشكالها ويلتف حولها الشعب الفلسطيني بكل أطيافه".
وشدد شحادة على ضرورة التحرك على أساس هذه الاستراتيجية، من أجل توحيد قوى الشعب الفلسطيني عبر منظمة التحرير واستعادة مكانتها على قاعدة الشراكة والتحرك على هذا الأساس على المستويين العربي والدولي، كتحرك وحيد لمواجهة صفقة القرن.

وحول إمكانية أن يكون خطاب عباس يعني إعلاناً لحل السلطة، فإن أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح ماجد الفتياني أكد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن ما أعلنه الرئيس محمود عباس في الجامعة العربية لا يعني في أي حال من الأحوال حلاً للسلطة الفلسطينية، مؤكداً أنها إنجاز وطني نضالي، بل إن ما يتم الحديث عنه هو تجسيد مفهوم سلطة الدولة تحت الاحتلال دون تدخل مباشر أو علاقة مع الجانب الإسرائيلي.
وبالحديث عما قصده الرئيس عباس من قطع العلاقات، بما فيها الأمنية، إن كان يعني به وقفاً للتنسيق الأمني، قال الفتياني: "نحن لا نتحدث عن سقوف زمنية، ولا نتحدث عن حقوق والتزامات بهذه الحقوق".
وأضاف الفتياني: "الرئيس عباس أبلغ، وعندما يبلغ الرئيس فهذا يعني أن هناك قراراً بالوقف، أبلغناهم رسمياً بشكل خطي، وليس هاتفياً، كما أفاد الرئيس وصرح في اجتماعه في الجامعة العربية، وهذا يعني أننا لم نعد ملزمين بأي تنسيق في أي جانب من الجوانب، وإن كنا في كثير من الحالات نستعين بهذا التنسيق، خاصة في المناطق التي لا تخضع للسلطة الفلسطينية، فيما إذا ما حدثت بعض الإشكالات واحتجنا للتدخل المباشر من السلطة، لكننا نعول على أبناء شعبنا وقواه الحية في إسناد هذا الموقع ومعالجة قضايانا وتحمل مسؤولية قضايانا بأنفسنا".
وحول تحمّل الاحتلال المسؤوليات على الأرض قال الفتياني: "الحديث عن المناطق التي يسيطر الاحتلال عليها، وليست لدينا سيطرة أمنية فيها، وربما نمنع من الوصول إليها وفقاً لما تم نشره أميركياً في خارطة "الجبنة السويسرية" التي أعلنها ترامب، ربما لا نستطيع أن نصل بسبب معيقات إسرائيلية لخدمة أبناء شعبنا في كل مفاصل حياتهم فهذه مسؤولية الاحتلال حيث يمارس سلطته المباشرة".

 

اقــرأ أيضاً

جامعة الدول العربية ترفض "صفقة القرن الأميركية ــ الإسرائيلية"

 

وكان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات قد أكد في مؤتمر صحافي، أول من أمس الخميس، أن تنفيذ قرارات المجلسين المركزي والوطني الفلسطينيين، بشأن انتهاء المرحلة الانتقالية للسلطة الفلسطينية، يحتاج إلى تنسيق مع الإقليم، وقال: "نحن جزء من منظومة دولية وجزء من إقليم، وأي قرار سيؤثر على الآخرين وهو بحاجة إلى تنسيق مسبق".
أما عضو المجلس الثوري لحركة فتح عبد الإله الأتيرة فقد أكد في حديث لـ"العربي الجديد" أن "خطاب عباس في القاهرة اليوم جاء بعد نقاش داخل حركة فتح حول سبل الرد على صفقة القرن"، لافتاً إلى أن القيادة الفلسطينية قررت "قطع العلاقات الكاملة مع الكيان الإسرائيلي، بما فيها العلاقة الأمنية، والثاني تحقيق الوحدة الوطنية، التي سنعمل عليها بكل قوتنا"، فيما أوضح الأتيرة أنه درس بشكل معمق ملف التنسيق الأمني، والبديل سيكون المضي قدماً في ترسيخ مقاومة حقيقية على الأرض.
وعن إمكانية حل السلطة الفلسطينية، أكد الأتيرة أن فتح والقيادة لن تتوانيا عن الذهاب إلى كل خطوة تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، وهو من يقرر بهذا الشأن، "لذلك نحن مصرّون على إعادة السلطة للشعب من خلال إجراء الانتخابات".
وحذّر الأتيرة من أن تكون الفوضى هي بديل السلطة، وقال: "هناك للأسف من يريد أن يجرنا إلى هذا المربع، فعلينا أن نفوت عليه الفرصة، الأمر ليس بسيطاً، بل يحتاج إلى حسابات مدروسة بعناية بشأن كل النقاط، لكن الأهم هو إيجاد جسم يمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً، وهو ما يتأتى من خلال صندوق الاقتراع".
وأكد الأتيرة أن حركة فتح لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه المؤامرات التي تهدف لإنهاء المشروع الوطني الفلسطيني، وقال: "نحن اليوم نؤسس لمرحلة جديدة على الصعد كافة".