خطاب الحرب

28 يونيو 2016
الجيش اللبناني عزّز انتشاره في بلدة القاع (فرانس برس)
+ الخط -
فصلٌ جديد من الهجمات الانتحاريّة طاول لبنان. فجر انتحاريون أنفسهم في بلدة القاع الحدوديّة. المشهد كان مرعباً، للمقيمين في بيروت، فكيف الحال بالنسبة لسكان هذه البلدة المنكوبة. سِيَر الضحايا الخمس، تروي جزءاً كبيراً من القصة. متقاعدون عادوا إلى بلدتهم لإنشاء عائلات صغيرة والعمل في الزراعة. العيش في هذه البلدة هو عيش على الهامش. هامش السياسة وهامش الاقتصاد وهامش الأمن والأمان.
في لحظة، قررت وسائل إعلامية وسياسيّون وأمنيون أن تتحوّل القاع إلى المركز بدل الهامش. هكذا، يُعلن تلفزيون لبنان الرسمي (وعدد من التلفزيونات الخاصة) سقوط عدد من القتلى (وصل الرقم إلى عشرين)، في الهجمات المسائيّة. يتبيّن لاحقاً، أن الأمر اقتصر، لحسن الحظ، على الجرحى. انتقل السياسيّون واحداً تلو الآخر إلى القاع. هناك من يُريد أن تُلتقط صوره، وهناك من يرغب بالإدلاء بتصريح ناري، علّه يرفع بعضاً من شعبيته، التي تآكلت نتيجة فضائح الفساد. والأكثر لطفاً، من ذهب بموكب من عشرات السيارات ليُطمئن اللبنانيين على أمنهم.
خلال هذه المهزلة، لم يلتفت أحد إلى أوضاع البلدة. لم يُفكّر أحد بكيفيّة تسويق منتجاتها الزراعيّة. لم يسأل لماذا تراجع عدد المقيمين فيها من آلاف قبل الحرب الأهليّة، إلى مئات حالياً. تحدث "الزوار" الكرام عن شجاعة أهل البلدة وتضحياتهم. وغمروا الجيش وعناصره بالكلام المعسول. لكنهم نسوا، أو تناسوا، أنهم منعوا إقرار سلسلة الرتب والرواتب عن عناصره. وأنهم تركوا الجيش يعيش تحت رحمة المساعدات العسكرية الغربية. مدحوا الجيش، والأهالي الذي هبوا للسلاح للدفاع عن بلدتهم. وكأن واجب الأهالي حمل السلاح.
خطاب الحرب يشدّ العصب. يُغري الناس. يجذب الشباب. هلموا إلى السلاح. هذا يقول كنت محقاً عندما قاتلت في سورية، وذاك يقول أنا أحمي المسيحيين. وبينهما من يقول، السلاح في يدنا ليوم الدين. نمدح العيش والسلاح بين المدنيين. ماذا عن حصرية السلاح؟ أو عن سيادة الدولة؟ شعارات انتهى زمنها. نحن في زمن السلاح. وزمن القوة. ولن يضرّ لو أطلقنا بضعة شعارات ضد اللاجئين السوريين. ماذا سيحصل؟ هل سيُضرب بعض اللاجئين؟ تهان كرامة آخرين. لا يهم. شعبيتنا أهم.
دفع أهل القاع ثمناً غالياً. بدل أن يُحاسب المسؤولون، أو يتحملوا حداً من المسؤوليّة، رمى هؤلاء الأمر على اللاجئين السوريين، وعلى غريب يجب أن نتصدى له. خلال أربع وعشرين ساعة، استخدمت أدبيات تؤسس لجولات من العنف الأهلي الداخلي، والعنف اللبناني ــ السوري.
ألف شكرٍ لهذا الغرب الذي يمنعنا من قتل بعضنا للبعض الآخر... حتى اللحظة.