وكانت رئيسة الوزراء البريطانية تأمل في أن يُعزز خطابها من زعامتها للحزب، وأن يُعيد إحياء شعبية حزب المحافظين، عبر سياسات تحدُّ من ارتفاع أسعار الطاقة وإنفاق المليارات على التعليم والسكن، لكن سلسلة من الحوادث المخجلة ألقت بظلالها على محتوى الخطاب.
فقد تمكن ممثل كوميدي يُدعى سيمون بوردكين من الوصول إلى منصتها، وتسليمها وثيقة P45 الخاصة بإنهاء الخدمة، في مزحة كوميدية. كما منعها السعال المتكرر من إنهاء خطابها بسلام، قبل أن ينتهي الخطاب بتساقط الأحرف من الشعار الموضوع على المنصة خلفها.
وبحكم تراجع شعبية حزب المحافظين بعد الانتخابات العامة، في يونيو/حزيران الماضي، والصراع الداخلي، جاء الخطاب ليُهدد مستقبل رئيسة الوزراء في زعامة الحزب والحكومة، إذ علّق أحد النواب قائلاً: "هل سيتحسن الوضع في الأشهر الثمانية عشر المقبلة؟ من الصعب أن أرى ذلك ممكناً".
وكان الكوميدي برودكين قد نفّذ مقلباً في رئيسة الوزراء، عندما نجح في الوصول إلى منبرها، وتسليمها وثيقة غير أصلية من صيغة P45، والتي يعطيها أرباب الأعمال للموظفين الذين انتهت خدماتهم.
وأخبر برودكين ماي بأن وزير الخارجية ومنافسها على زعامة الحزب، بوريس جونسون، هو من طلب منه تسليمها هذه الورقة.
وما إن كادت ماي "تتعافى" من هذه المزحة، حتى انتابتها نوبة من السعال منعتها من إتمام خطابها، إلى أن قبلت المساعدة من وزير المالية، فيليب هاموند، الذي ناولها كأساً من الماء.
ومع وصول الخطاب إلى نهايته، بدأت أحرف الشعار "نبني بلداً يعمل للجميع" الموجود في خلفية المنصة بالتساقط من على الحائط، وهو ما زاد من إحراج رئيسة الوزراء.
وعلى الرغم من إسراع أعضاء حكومتها إلى إظهار دعمهم في العلن، صرّح نواب حزبها عن عدم رضاهم عن أدائها، وأن الوقت قد حان لتسريع مغادرتها من منصبها، خاصة في ضوء تصاعد شعبية حزب "العمال".
وقال أحد كبار المحافظين إن "الجمهور أشد قسوة في هذه الأشياء. سيرون رئيسة وزراء مريضة، على منصة متهالكة، وهو ما سيُعزز رؤيتهم المسبقة لها. يجب أن نرى ما حصل كنداء لاستدراك الأمور".
وأضاف: "هناك سياسات جيدة في خطابها، ولكن لن يتحدث أحد عن ذلك. لم يُسعفنا الحظ هنا، وكان هناك فشل حقيقي".
وكان خطاب رئيسة الوزراء قد ضمّ عدداً من النقاط، أهمها تحمّلها مسؤولية خسارة الأغلبية البرلمانية في الانتخابات العامة الماضية، واعتذارها لجمهور الحزب. كما كشفت عن سياسات شدّت انتباه المتابعين، وربما لقربها من السياسات التي طرحها جيريمي كوربن، الأسبوع الماضي، في مؤتمر حزب "العمال".
وقد تعهّدت ماي بوضع سقف لأسعار الطاقة، مثل الغاز والكهرباء، إضافة إلى نية الحكومة إنفاق ملياري جنيه لبناء المزيد من المنازل المدعومة حكومياً، وتطرّقت إلى موضوع الدين الطلابي، إذ سترفع الحكومة من عتبة البدء بسداد الدين إلى حين وصول الراتب السنوي إلى 25 ألف جنيه بدلا من الـ21 ألفاً الحالية، إضافة إلى تجميد الزيادة في الرسوم السنوية، وذلك في محاولة منها للحصول على أصوات الشباب.
كما أعلنت ماي عن رغبتها في تعديل قانون التبرع بالأعضاء، مكررة بذلك تصريح كوربن، إذ سيُعتبر الجميع متبرعين بالأعضاء ما لم يذكروا عدم رغبتهم في ذلك، وهو خلاف القانون الحالي الذي يعتبر الجميع غير متبرعين بالأعضاء، ما لم يذكروا صراحة رغبتهم بالأمر.
وعلى الرغم من محاولة ماي إضافة لمحة شخصية إلى الخطاب بذكر تجاربها الخاصة، بهدف تعزيز موقفها وصورتها أمام الناخبين، إلا أن ثلاثين برلمانياً عن الحزب صاغوا رسالة تطالب باستقالتها، مساء أمس.
وفي حال رفضت ماي التنحي، فإن النواب المتمردين واثقون من قدرتهم على الحصول على 48 توقيعاً من نواب الحزب بحلول عيد الميلاد، وهي العتبة المطلوبة للتصويت على زعامة الحزب.
وكان الرأي السائد في الحزب أن تُمنح ماي المزيد من الوقت حتى عام 2019، كي تتمكن من إتمام البريكست، ومن ثم يتجه الحزب لانتخاب قيادة جديدة تقوده في الانتخابات العامة المتوقعة عام 2021، إلا أن النزاع الداخلي في صفوف الحكومة، وتعثر مفاوضات البريكست، إضافة إلى خطاب ماي الكارثي الأخير، دفع بالكثيرين إلى إعادة النظر في بقائها.