خريف سياسي ساخن في الجزائر

29 اغسطس 2014
الصراع السياسي الجزائري ينتظر صافرة الانطلاق (Getty)
+ الخط -
تبدو الساحة السياسية في الجزائر متجهة إلى خريف سياسي ساخن، مع استعداد السلطة لتوفير مناخ سياسي واجتماعي يسمح بتمرير مسودة الدستور "التوافقي" قبل نهاية السنة الجارية، في حين تستعد المعارضة لحراك سياسي طرفاه هما "تنسيقية أحزاب التغيير الديمقراطي"، التي تستعد لتنظيم الجلسة الثانية من مؤتمر الانتقال الديمقراطي، إلى جانب أكبر أحزاب المعارضة "جبهة القوى الاشتراكية"، الذي يعمل لعقد مؤتمر وفاق وطني شامل.

وتترقب أطياف الساحة السياسية الجزائرية إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن مسودة الدستور الجديد، الذي أجرى بشأنه مدير ديوان الرئاسة، أحمد أويحيى، مشاورات مع 150 طرفاً بين أحزاب وتنظيمات مدنية وخبراء وشخصيات حكومية سابقة. لكن بوتفليقة لن يكشف عن مسودة الدستور قبل شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أي بعد الانتهاء من ترتيبات عودة التلاميذ والطلبة إلى المدارس والجامعات، إضافة إلى أن الرئيس ينتظر هدوءاً اجتماعياً بعد حالة من التوتر بين الحكومة والنقابات.

على الجانب الآخر، يسعى حزب "جبهة القوى الاشتراكية"، التي تأسست عام 1963 من قبل حسين آيت أحمد، وهو أحد قادة ثورة الجزائر، إلى عقد مؤتمر إجماع وطني سياسي. وقال عضو الهيئة الرئاسية للحزب، علي العسكري، في مؤتمر عقده الحزب شرقي الجزائر، إن الحزب مصرّ على الدعوة إلى عقد مؤتمر وفاق وطني، يحقق الإجماع الشامل في البلاد، للحد من الأخطار المحدقة بها.

وأكد العسكري أن "الإجماع المنشود اليوم يشارك فيه الجميع من أحزاب داعمة للسلطة أو في المعارضة أو في المجتمع المدني، وجسامة الأخطار والمناورات المحاكة ضد الجزائر، تتطلب العمل على تجسيد مثل هذا المسعى الحميد". ودعا إلى "التحضير لمؤتمر إجماع وطني، بمشاركة النظام، جنباً إلى جنب مع الناشطين السياسيين من المعارضة والمجتمع المدني، لصياغة برنامج سياسي موحد، وتبادل هادئ ومثمر حول السبل والوسائل لتحقيق أكبر إجماع وطني من أجل فتح آفاق جديدة للبلاد".

لكن "تنسيقية الانتقال الديمقراطي"، التي تضم أكثر من 400 شخصية سياسية، يمثلون قادة أحزاب وتنظيمات مدنية ونقابات مستقلة وناشطين حقوقيين ومستقلين، والتي قاطعت دعوة الرئيس بوتفليقة لمشاورات تعديل الدستور، ترفض فكرة "جبهة القوى الاشتراكية" حول عقد مؤتمر وفاق وطني تشارك فيه السلطة، ولا ترى في مشاركة السلطة بمسعى الانتقال الديمقراطي السلمي، سوى محاولة للالتفاف على هذا المسعى بالذات، تماماً مثلما نجحت السلطة في الالتفاف على المكاسب الديمقراطية التي حققتها "انتفاضة أكتوبر 1988".

وعليه، تستعد التنسيقية لعقد جلسة ثانية من مؤتمر الانتقال الديمقراطي، الذي عقد اجتماعه الأول في شهر يونيو/حزيران الماضي، وصدرت عنه أرضية للتغيير الديمقراطي، تضمنت رفض العنف بكل أشكاله في العمل السياسي، وتجسيد مبدأ التوافق والحوار والتفاوض في تحقيق الانتقال الديمقراطي، ورفض التدخل الأجنبي بأي شكل من الأشكال، وتمدين النظام السياسي، وإبعاد المؤسسة العسكرية والأمنية عن التجاذبات السياسية، وتجسيد ديمقراطية كآلية لتسيير وتنظيم الدولة، وتكريس العدالة الاجتماعية والحريات الفردية والجماعية، وإلغاء كل مظاهر الاحتكار السياسي والاقتصادي والإعلامي والنقابي والثقافي، وتمكين الشعب الجزائري من ممارسة حقوقه وأداء واجباته، وإخضاع كل المؤسسات المدنية والعسكرية لمبدأ الشفافية، والتقيد الصارم باحترام الدستور وقوانين الجمهورية. 

وتطالب التنسيقية بتشكيل حكومة انتقال ديمقراطي توافقية، تسهر على تجسيد الانتقال الديمقراطي، وتتولى مهام إرساء السلم الاجتماعي. وتشكل هيئة مستقلة ودائمة لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها، وصياغة دستور جديد للجزائر يعد بشكل توافقي، وتحقق ضمانات قانونية وإدارية للمنافسة السياسية تفضي إلى تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وتحقيق التداول السلمي على السلطة، وضمان استحالة حصول هيمنة من أي جهة عسكرية أو مالية أو دينية أو فئوية أو من مجموعات ضغط خلافاً للمعايير الديمقراطية، وتتمتع الأقليات، في ظلها، بحقوق معقولة وفق عقد اجتماعي تضمنها التشريعات والممارسات السياسية.

أمام الجزائر، إذاً، ثلاثة استحقاقات: مسودة دستور، ومؤتمرون للوفاق الوطني والانتقال الديمقراطي، يسبقهما صمت سياسي. تؤكد مؤشرات كثيرة أن البلاد على أعتاب خريف سياسي صاخب، تستعد فيه لمرحلة تحول تسعى خلالها السلطة لضمان حدود التغيير، وفق مشروع دستور تطرحه قريباً، فيما تسعى المعارضة إلى الضغط على السلطة لتحقيق المزيد من مكاسب الانفتاح السياسي والديمقراطي، وسط ظروف وأوضاع إقليمية مضطربة، ترجّح انتصار السلطة... مجدداً.

المساهمون