خروج بريطانيا ينعش معسكر المعادين للاتحاد الأوروبي في فرنسا


01 يوليو 2016
45 في المائة من الفرنسيين يؤيدون البقاء في أوروبا(Getty)
+ الخط -
تنوعت ردود الفعل في الأوساط السياسية الفرنسية بعد التصويت البريطاني لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. الغالبية الاشتراكية الحاكمة على غرار المعارضة اليمينية المحافظة تأسف على نتائج الاستفتاء البريطاني وتدعو إلى إعادة النظر في سياسات الاتحاد. في المقابل، يهلل المعسكر المناوئ لأوروبا في أقصى اليمين وأقصى اليسار فرحاً بنتيجة ذلك الاستفتاء.

ولم تتردد زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، التي تطمح للفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2017، في إشهار فرحها العارم بنتيجة الاستفتاء البريطاني، ذلك أن نتيجة الاستفتاء تعطي، من وجهة نظر لوبان، الصدقية "لفكرة خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي وتعزز التوجه نحو تنظيم استفتاء مشابه في فرنسا".
ولم يثر هذا الموقف الاستغراب في فرنسا، إذ إن حزب الجبهة الوطنية يدرج منذ العام 2013 الدعوة إلى تنظيم استفتاء شعبي حول البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي في برنامجه السياسي. وكانت لوبان انتهزت استقبالها، الأحد الماضي، من قبل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في إطار المشاورات التي عقدها الأخير مع زعماء الأحزاب السياسية الفرنسية غداة الإعلان عن نتيجة التصويت البريطاني، لكي تكرر مطلب حزبها، غير أن هولاند أجابها بالرفض القاطع.

وفي تصريحات واضحة الأبعاد أطلقتها نهاية الأسبوع الماضي، تتعهد لوبان بأنه في حال فوزها في الانتخابات الرئاسية المقبلة "ستفتح مفاوضات مع مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسل لمدة ستة أشهر حول أربع قضايا سيادية جوهرية، تتعلق بالعملة النقدية والميزانية والحدود الوطنية والنظام الانتخابي". وتؤكد لوبان بأنها ستعلن عن نتائج هذه المفاوضات لاحقاً للشعب الفرنسي وتنظم استفتاءً بهدف اتخاذ قرار شعبي بالخروج من الاتحاد.

أما بالنسبة لزعيم حزب جبهة اليسار الراديكالية والمرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، جان لوك ميلانشون، فإن التصويت البريطاني لصالح الخروج من الاتحاد يشكل مناسبة لإعادة النظر فرنسياً في المعاهدات التي وقعتها باريس مع أوروبا. وعلى الرغم من أن ميلانشون لا يستخدم المعجم السياسي نفسه الذي تستمد منه لوبان أفكارها وتعابيرها، إلا أنه يذهب في الاتجاه نفسه ويغتنم الفرصة ليهاجم الاتحاد، معتبراً أن "سياساته الليبرالية تعادي تطلعات الشعوب الأوروبية وتكرس بيروقراطية أوليغارشية تتحكم في السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدول الأعضاء".

ويتميز تاريخ ميلانشون منذ سنوات عدة بخطاب ينتقد مؤسسات الاتحاد الأوروبي ويطالب بإعادة النظر بشكل جذري في المعاهدات التي تنظم علاقة فرنسا به، لكن من دون أن يدعو صراحةً إلى خروج فرنسا من الاتحاد أو تنظيم استفتاء شعبي للحسم في هذه القضية. لكن ميلانشون يركز بشكل خاص على ضرورة مواجهة التحكم الألماني في سياسات الاتحاد الأوروبي.
ومن باب التذكير، كان القيادي اليساري الراديكالي من أشد المنتقدين لتعامل المفوضية الأوروبية مع اليونان خلال أزمتها المالية الأخيرة. وكان ميلانشون يعقد آمالاً كبيرةً على رئيس الوزراء اليساري أليكسيس تسيبراس ويشجعه على تحدي الاتحاد الأوروبي. لكن آماله خابت بعد التنازلات التي قدمها تسيبراس للخروج من الأزمة. إلا أن ذلك لم يمنعه من تكثيف انتقاداته للاتحاد الأوروبي وتوجيه دعوة علانية إلى ضرورة إعادة النظر في تبني فرنسا للعملة الأوروبية الموحدة (اليورو).

أما الصوت الثالث البارز في معسكر المهللين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهو اليميني القومي، رئيس حزب "لتقف فرنسا"، نيكولا ديبون آياغون، الذي يعتزم أيضاً الترشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية في عام 2017. ويدعو آياغون، منذ الجمعة الماضي، إلى تقليد بريطانيا وتنظيم استفتاء لكي يعبّر "الشعب الفرنسي عن رغبته في الخروج من حكم الاتحاد الأوروبي". ولم يتردد آياغون، الذي يعتبر نفسه وريثاً لأفكار الرئيس الفرنسي الأسبق الجنرال شارل ديغول، بنشر وثيقة يعتبرها بمثابة "دستور جديد" للاتحاد، وتهدف إلى بناء "أوروبا الشعوب وليس النخب". كما يدعو إلى تخلي فرنسا عن المعاهدات الأوروبية التي تمس بسيادتها، ولا سيما اتفاقية "شنغين" وحرية تنقل الأفراد داخل منطقة اليورو.

وفي خضم هذا الجدل الفرنسي حول القرار البريطاني بالخروج من الاتحاد الأوروبي، يظهر استطلاع للرأي، أعدته مؤسسة "سوفريس" لحساب صحيفة "لوفيغارو" اليمينية وإذاعة "إر تي إل"، أن 45 في المائة من الفرنسيين يؤيدون بقاء فرنسا في الاتحاد، مقابل 33 في المائة يؤيدون الخروج منه، في حال تم تنظيم استفتاء مشابه للاستفتاء البريطاني. كذلك يشير الاستطلاع إلى وجود 22 في المائة من الفرنسيين مترددين حول خيار التصويت.

يذكر أن هذا الاستطلاع يظهر أن 45 في المائة يؤيدون فكرة تنظيم الاستفتاء مقابل 44 في المائة ضد هذه الفكرة، الأمر الذي يعكس الانقسام الفرنسي بشأن تنظيم الاستفتاء. كما يبيّن هذا الاستطلاع أن 43 في المائة من الفرنسيين يعتبرون أن خروج بريطانيا من أوروبا قرار سلبي بالنسبة لفرنسا.