تعدّ "الخدمة العسكرية الإجبارية والاحتياطية" في صفوف القوات النظامية في سورية، أحد أكبر التحديات اليوم أمام الشباب السوري المتواجد في مناطق سيطرة النظام. تضيق الخيارات أمامهم، ويقضون سنوات في معركة ربّما لا يؤمنون بها. ومع كل يوم يمر، تصغر أحلامهم شيئاً فشيئاً.
"كنتُ قد أنهيت دراسة الماجستير في إحدى الدول الآسيوية. وفي عام 2011، كل ما كان يشغلني هو كيفية متابعة دراسة الدكتوراه. عدت إلى سورية في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، وقد تغيّر كل شيء"، يقول ماهر المهندس الذي لطالما كان متفوقاً في دراسته. يضيف: "لم تُنجز أوراقي في الوقت المحدد، وقررت الالتحاق بالخدمة العسكرية والبدء في بناء مستقبلي. ومع انتهاء الخدمة، أكون قادراً على الالتحاق بالجامعة في العام الذي يليه. ويفترض ألّا تتجاوز خدمتي العام وثلاثة أشهر. في ذلك الوقت، لم أكن على اطلاع بما يجري في البلاد، وقد اتخذت أسوأ قرار في حياتي. ما زلت في الخدمة حتى اليوم. وتتلخص حياتي في متابعة الحرس والعساكر وأمور أخرى. وفي النتيجة، خسرت الدكتوراه، ولم أمارس الهندسة منذ نحو سبع سنوات، ولا أدري إن كنت سأمارسها أم سأقتل قبل ذلك".
ويوضح ماهر: "كل شهر، آمل أن أُسرّح، لكن ما من خيارات أمامي. إلى أين أذهب؟ وفي حال انشققت عن الجيش، ماذا سيكون مصير عائلتي وأشقائي؟ هل سأنجح في الخروج من البلاد أم أبقى في المنزل لأعيش خوف الاعتقال كل لحظة؟ ربّما أقضي ما تبقى من عمري في السجن. لم أعد أفكر في شيء، ولم أتزوج. أعيش يومي من دون أن أفكر باليوم الذي يليه".
من جهته، يقول جبران، وهو في السابعة والثلاثين من عمره، وأب لثلاثة أطفال، لـ "العربي الجديد": "قبل نحو أربعة أعوام، تبلغت بوجوب الالتحاق بالخدمة الاحتياطية. وبقيت أفكّر بالبدائل على مدى أيام. ولم أكن أملك تكاليف السفر إلى خارج البلاد. وبالفعل، التحقت وكلّي أمل في أن أسرّح بعد 6 أشهر أو سنة على الأكثر. مضى على وجودي في الخدمة أربع سنوات، ولا أرى عائلتي إلا كل بضعة أشهر، فالإجازات قليلة جداً". يضيف: "حتى الراتب الذي أحصل عليه اليوم لا يكفي لتأمين طعام أبنائي. زوجتي وأبنائي انتقلوا للعيش في منزل عائلتي. ولولا مساعدة شقيقي اللاجئ، لكان وضعنا أسوأ بكثير".
ويتابع جبران: "في بعض الأحيان، أرغب في عدم العودة إلى الخدمة بعد انتهاء الإجازة. لكن في كل مرة أتراجع عن ذلك، لأن عائلتي في حاجة إلى الراتب الضئيل الذي أحصل عليه. وفي حال لم أحصل على راتب، سأعجز عن تأمين احتياجات أبنائي. وإذا اعتقلت، ماذا سيفعلون؟ على الأقل، إن قتلت سيحصلون على راتب، وتحصل زوجتي على وظيفة تعينها على إعالة الأولاد. للأسف، هذا كل ما أستطيع أن أقدمه لهم".
أما مهنّد، وهو مهندس زراعي، يعمل اليوم في متجر كبير إلى جوار منزله في أحد أحياء دمشق. يقول لـ "العربي الجديد": "في عام 2014، قرّرت إنهاء خدمتي في صفوف القوات النظامية، بعدما نجوت من الموت بأعجوبة في الرقة. عدت إلى بلدتي من دون أن أعلم إن كان قراري صحيحاً أم لا. اليوم، لا أستطيع التجوال، وأشعر أنني سأعتقل في أية لحظة. لا أعلم ماذا سيكون مصيري وما يخبئه المستقبل. أعمل في المتجر وراتبي الشهري لا يكاد يكفيني". يضيف أن الشعور بأنك في معتقل كبير وخطر دائم هو أشد من الموت. في بعض الأحيان، "أفكر في العودة إلى الجيش. أرغب بأن أحرج من البلدة وأزور دمشق القديمة وأتجول في أحيائها كما كنت أفعل". إلى ذلك، تشير تقارير إعلامية إلى أن النظام فقد أكثر من 75 في المائة من عديد قواته، بين منشق وقتيل ومفقود.
مذكرات اعتقال
خلال السنوات الماضية، استدعى النظام السوري مئات آلاف الشباب إلى الخدمة الإجبارية والاحتياطية ضمن صفوف قواته النظامية، وقد أصدر بحق كل من يتخلّف عن الالتحاق بالخدمة أو من يفر من قواته، مذكرات اعتقال. كما فصَل كل من يمتنع عن تلبية دعوته إلى الخدمة، من الوظيفة في القطاع العام، ولم يسرّح أي شخص يؤدي الخدمة الإجبارية أو الاحتياطية منذ عام 2012.