خدمة "الوطن" في مصر.. عبودية وإهدار للعمر

23 ابريل 2015
الجيش المصري في شوارع القاهرة (Getty)
+ الخط -

بين سندان الفقر والبطالة ومطرقة الهجرة غير الشرعية، يعيش الشباب في مصر. فمن اختار القعود في بلد قد افتُقِدَ فيها الأمل لتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، يعلم جيداً أن الأمل في تحقيق حياة أفضل له ضعيف ما دام ليس له ظهير أو "واسطة"، بمعنى أصح، تقف وراءه، في حين أخذ بعضهم زمام المغامرة وقرر أن يسلك رحلة مجهولة المصير، حيث باع أعز ما يملك حتى يخوض لجج البحار على أمل الوصول إلى أحد شواطئ الدول الأوروبية، رغبة في تحقيق حياة أفضل.

لم تكن البطالة والفقر وحدهما فقط هما ما يثقلا كاهل الشاب المصري، فهناك أيضاً التجنيد الإجباري، والذي يقوم الشاب فيه بقضاء مدة تراوح بين سنة و3 سنوات في القوات المسلحة المصرية، أو في قطاع الشرطة حسب المؤهل والرتبة بشكل إلزامي. وفي إطار هذا، ظهرت حركات ومنظمات مدنية رافضة للخدمة العسكرية الإجبارية، مثل حركة "اخلع" والتي ظهرت مباشرة بعد فيديو بثته جماعة أنصار بيت المقدس لعملياتها في سيناء تحت عنوان "صولة الأنصار" العام الماضي، إلا أن أول حركة قد تبنت هذا الهدف هي حركة "لا للتجنيد الإجباري" والتي تأسست في 9 أبريل/ نيسان 2009، والتي تعرّف نفسها بأنها "حركة سلمية مناهضة للعسكرية، تهدف إلى مناهضة العنف والحروب، وتعمل على نشر ثقافة السلام واللاعنف".

وفي هذا الإطار، صرح أحد منسقي حركة "لا للتجنيد الإجباري"، بأن "الفكرة بدأت في إيجاد قبول من جهة الشباب بشكل فعلي خلال الفترة الأخيرة، بسبب مخاوفهم من تعطيل هذه الخدمة لمستقبلهم وتأخيرهم عن فرص العمل والسفر للخارج. إن أغلب الشباب يعرف أن التجنيد الإجباري استمرار لنظام العبودية، وهو غير مؤمن به، لكنه مضطر لأدائه حتى يستكمل حياته".

وحول أسباب رفض التجنيد الإجباري، تقول الحركة على موقعها الإلكتروني، إنهم يرفضون الخدمة لاعتبارها استمراراً لنظام العبودية، ونظام العمل بالسخرة، كما أن الدولة ليست في حاجة لتجنيد مثل هذه الأعداد، بالإضافة إلى عنصرية نظام التجنيد الذي يفرّق بين المواطنين على أساس الجنس والدين وسن الأب وجنس الإخوة وجنسية الوالدين، كما أنه يتسبب في تقليل إجمالي الإنتاج القومي، ويعطي للعسكريين سلطة على المدنيين، ما يتعارض مع فكرة الدولة المدنية ويسحب الحقوق السياسية عن المجندين. وتسعى الحركة لتعديل الدستور من أجل إحلال التجنيد الاختياري مكان الإجباري، بالإضافة إلى استبدال قانون الخدمة العسكرية الحالي بقانون جديد.

ويضيف أن هناك معترضين "ضميريين" ضمن أعضاء الحركة أعلنوا رفضهم قضاء خدمة التجنيد الإجباري، ما عرّضهم للكثير من المشاكل، وكان أولهم مايكل نبيل في 2010، والذي رفض تسليم نفسه لمنطقة التجنيد وتم تحويله إلى المخابرات الحربية للتحقيق معه، وهيثم الكاشف وأحمد حسن في 2012.

وعند سؤاله حول فكرة الاعتراض الضميري، قال: "إن الاعتراض الضميري هو مصطلح في القانون الدولي، أقرته مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وفكرة الاعتراض الضميري (conscientious objection): هي أن القانون الدولي (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين) أقر مجموعة من الحقوق الإنسانية الأساسية، من أهمها: الحرية الفردية، وتجريم العبودية، وحرية الاختيار، وحرية الدين والمعتقد".

وكانت أول وثيقة رسمية من مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في سنة 1995، وتكلمت عن المعترض الضميري، حيث قالت: "هؤلاء الذين يؤدون الخدمة العسكرية، يجب ألا يتم استثنائهم من حق الاعتراض الضميري للخدمة العسكرية"، وفي عام 1998، أصدرت المفوضية وثيقة كاملة بعنوان: "الاعتراض الضميري للخدمة العسكرية"، وبعدها صدرت كثير من المواثيق الدولية التي تؤكد على حق المواطنين فى الاعتراض الضميري.

وحول أعداد المتهربين من خدمة التجنيد الإجباري والرافضين له، يقول إنه "من الصعب تحديد عدد الهاربين، فالهارب هو الذي يرفض تسليم نفسه لمنطقة التجنيد، لذا يصعب معرفة عددهم الحقيقي، لكن المعترضين الضميريين الذين يتواصلون مع الحركة عددهم معروف ويتم إصدار بيانات تضامن معهم، ويتم التواصل مع منظمات أخرى للتضامن معهم. ومن هؤلاء محمد فتحي وعماد الدفراوي وأحمد حسن ومايكل نبيل، كما يتم التواصل مع الرافضين الذين لم يأخذوا قراراً فعلياً بالهروب من التجنيد الإجباري بعد.

ويقول أحمد حسن، أحد أعضاء الحركة، إنه رفص أداء امتحان التربية العسكرية في مدرسته في المرحلة الثانوية، وبعد رفضه حاولت إدارة المدرسة والمستشار العسكري في المحافظة إجباره على قضاء 15 يوماً في تدريبات عسكرية كشرط لاستلام الشهادة، لكنه لما رفض، قاموا بحجب النتيجة عنه، فقام بتقديم طلب للمحافظ والمستشار العسكري ومدير المدرسة ووزير التربية والتعليم، يطلب فيه استثناءه من التربية العسكرية لأنها تخالف معتقده السلمي والسياسي، ولأن سنه حينها كان أقل من 18، ويقول حسن إن النتيجة ظلت محجوبة عنه إلى أن وافق مدير المدرسة في النهاية على منحه الشهادة.

وبسؤاله عن سبب رفضه للخدمة العسكرية، قال حسن إنه منذ صغره كان ضد فكرة اللجوء للعنف لحل النزاعات، بجانب كرهه لفكرة السلاح، مع رغبته في عدم دخول الجيش.

لكن كان لعبد الله المصري رأي آخر بخصوص التجنيد الإجباري، فرغم أنه سافر خارج مصر لتفادي تأدية الخدمة العسكرية بعد موافقة السلطات المصرية على سفره على ذمة المؤسسة الدراسية الملحق بها، قال إنه ليس ضد التجنيد الإجباري بشكل مطلق، ولكنه اضطر للسفر خارج مصر لأنه قارب الثلاثين وما زال يدرس، في حين أنه لا يريد إتمام الثلاثين إلا وعلى الأقل قد استطاع تحقيق مستوى معيشي جيد، لكن كان من شأن قضاء الفترة العسكرية في مصر أن تعطله عن تحقيق هدفه.

ويقول المصري: "إن التجنيد الإجباري له سلبيات وإيجابيات، حيث من المفترض أن يكون أساس لبناء جيش قوي مكوّن من أفراد الشعب، لكن من سلبياته أنه يقتطع سنوات هامة من حياة الشاب، في حين أنه أحوج ما يكون في هذا السن للعمل وبدء حياته. فالمفترض كما يخدم المجند الدولة أن تقوم الدولة بتعويضه عن هذه الفترة التي قضاها حتى لا يشعر أن عمره صودر باسم الوطنية". وأضاف المصري أنه بمجرد أن يعود إلى مصر بعد إتمامه سن الثلاثين، سوف تقام محاكمة عسكرية له لتسوية الأمر، وسوف يحكم فيها غالباً بغرامة مادية.


(مصر)

المساهمون