ما عاشه خالد عبد الله وعائلته تحت حكم "داعش" جعله يفضل البقاء في مخيم للنازحين، خشية وجود خلايا نائمة لداعش في قريته
يجلس خالد عبد الله تحت إحدى أشجار نخيل مخيم السلام في بغداد، وينظر إلى الصغار يلعبون أمام الخيم التي تحولت إلى مساكن للنازحين. يصف ما جرى أثناء احتلال تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" قريته في قضاء القيارة جنوب الموصل (شمال البلاد)، بـ "الفيلم السينمائي". يقول: "كان الرعب يسيطر على الناس. قد يُقتل أحدنا في أية لحظة، لا لشيء سوى بسبب وشاية من أحد ما". يوضح لـ "العربي الجديد" أنه استطاع الهرب من قريته في يونيو/ حزيران في عام 2016 مع عائلته، مشيراً إلى أن "انشغال داعش بالمعركة مع القوات العراقية مكننا من الهرب. كان صوت أزيز الرصاص والقذائف التي تسقط في مواقع تبعد على مسافة مئات الأمتار منا يرعب أطفالي خلال رحلة الهرب".
يضيف عبد الله: "كنا نسير بحذر بين البيوت خشية أن يرانا عناصر داعش، حتى وصلنا إلى قرية حجلة التي تقع على الضفة اليمنى لنهر دجلة. اختارت العائلات التي نزحت من قريتنا ومناطق أخرى اللجوء إلى هذه القرية، على أمل تحريرها لتهرب منها بمساعدة الجيش العراقي". يضيف: "بالفعل، تحررت القرية وحان وقت الهرب. المكان ما زال غير آمن، وقد يشن داعش هجوماً مباغتاً ويستعيد السيطرة على القرية مرة أخرى. خلال سيرنا صوب النهر، كنا نرى جثثاً لمقاتلين من داعش. نغمض عيون الأطفال حتى لا يرونها. والأخطر أن الجثث كانت مفخخة".
نجحت العائلات التي كانت مجتمعة في قرية حجلة في النجاة من "داعش"، حين عبرت النهر إلى ضفّته اليسرى، حيث قرية الحاج علي التي كانت تخضع أيضاً لسيطرة التنظيم قبل تحريرها، لكنها كانت خالية من أهلها، باستثناء المقاتلين الشباب من سكانها الذين تطوعوا للدفاع عن مناطقهم وقراهم. ويقول إن "عدداً كبيراً من العائلات النازحة لم تجد ما يكفي حاجتها من طعام وشراب. فالمؤونة التي يملكها المقاتلون شحيحة، لكنهم وزعوها على النازحين. لذلك، فضلنا أن يأكل الأطفال والنساء، ولم يأكل الرجال شيئاً. استمر الحال على هذا النحو يومين".
وصل عبد الله برفقة عائلته إلى كركوك، وقصد بيت أحد أصدقائه، ثم انتقل إلى مخيم في بغداد سبقه إليه جيرانه وأقاربه في قريته. يشير إلى أن "كل شيء متوفر في مخيم السلام، وتصلنا مساعدات مختلفة. ما يهمنا أن المكان آمن وتتوفر به خدمات صحية".
وحين كان يستعيد شريط هروبه وعائلته برفقة عائلات أخرى، توقف عند تفاصيل "كانت صادمة بالنسبة للصغار". يقول: "رأى الأطفال الموت. رأوا الجثث وعناصر داعش وهم يرعبون الناس. وفي طريق هروبنا، وقع حادث مروع، إذ انفجرت عبوة في الطريق ما أدى إلى مقتل أربعة أطفال وإصابة 15 آخرين، أكثرهم من الأطفال". يضيف وهو يستذكر أحداث عاشها تحت حكم "داعش" في قريته: "خلال حكم داعش، كنت أعيش كالميت، وكان القتل بالمجان. قتل عدد من أصدقائي وجيراني أمامي. أعدموا أقرب صديق لي على جسر القيارة بتهمة التخابر مع الجيش العراقي لأنه كان يملك هاتفاً خلوياً، إذ أن ذلك كان ممنوعاً. أما أنا، فكنت أشتري السجائر سراً".
اقــرأ أيضاً
عبد الله الذي كان يعمل في مجال البناء، يقول إن "الأعمال توقفت مع دخول داعش قريتنا والقرى المجاورة. وكان بين سكان القرية موظفون في مهن حكومية وحرفيون". يضيف: "كنا نتعاون في ما بيننا في القرية. من يحصل على الوقود من مكان آخر يقتسمه مع من يحتاج إليه. كما أن بعض الأهالي الذين يربون الدجاج والماشية كانوا يساعدون الآخرين بالبيض والحليب".
حين قرر عبدالله الهرب، اتصل بأحد أصدقائه المقربين في بغداد طالباً منه مبلغاً من المال لإعطائه لأحد المهربين. يقول: "اتفقت مع مهرب يدعى أبو حسين وانطلقنا من القرية. كان ذلك في العاشر من رمضان في عام 2015. كان علينا أن نقطع طريقاً طويلاً مع المهرب الذي كان يعرف أين تقف دوريات داعش، فضلاً عن امتلاكه علاقات واسعة مع قرى وسكان في مناطق عدة. كان الهدف هو الوصول إلى محافظة الأنبار، ما يعني أنه علينا أن نقطع نحو 600 كيلومتر، لأننا في مناطق صحراوية ومتعرجة وزراعية. كذلك، كان علينا أن نبيت ليلتين في إحدى القرى التي تقع شمال مدينة الأنبار. وهيأ لنا المهرب مكاناً للمبيت في منزل أحد أقاربه، في انتظار التأكد من الطرقات الأكثر أمناً".
يقول عبدالله: "انطلقنا في طريقنا بعدما عرف المهرب الطريق الأفضل. كان يختار الطرقات التي يتواجد فيها عناصر داعش من دون أن يفتشوا الناس كون هذه القرى بعيدة عن المناطق التي تمكّن الناس من الهرب. لكن المفاجأة التي واجهتنا أن مجموعة من عناصر داعش كانوا يقطعون طريقاً سلكناه داخل مناطق زراعية، فأوقفونا وانهالوا علي وعلى المهرب بالضرب والسباب، فارتفع صراخ زوجتي وأطفالي".
كان يتوجب على عبد الله إيجاد عذر حتى لا يقتل وعائلته. رفع صوته وهم يضربونه، وقال لهم إن زوجته مريضة وإنه يأخذها إلى طبيب في قضاء هيت، الذي كان تحت سيطرة داعش أيضاً، وفيه أطباء. يضيف: "كان هدفي من رفع صوتي أن أسمع السائق الذي ينال أيضاً نصيباً من الضرب المبرح، فقال بدوره إنه سائق يوصل الرجل لوجه الله، وهو لا يملك المال ولا يستطيع ترك أولاده الصغار وحدهم في قريته".
اقــرأ أيضاً
كانت هذه الحجة مقنعة لعناصر داعش، خصوصاً بعدما تأكدوا من خلال بطاقة الأحوال المدنية أن خالد والمهرب ليسا من عناصر الأجهزة الأمنية. بعدها، أمروا الجميع بالعودة من حيث جاءوا، وفشلت عملية الهرب. ولم تكن هذ محاولة الهرب الوحيدة التي فشلت، عازياً الأسباب إلى وجود قناصين في تنظيم داعش يقتلون من يحاول الهرب. وقد قتل الكثير من الأشخاص بعدما اجتازوا مناطق حرّم داعش الوصول إليها لأنها تؤدي إلى الهرب.
يقول خالد إن وجود خلايا نائمة لـ"داعش" في مناطق قريبة من قريته هو سبب بقائه في المخيم، رافضاً العودة، موضحاً: "عشنا أياماً صعبة. ما زال أطفالي يتذكرون القتل ومشاهد إجرامية لداعش، وينتابهم الرعب حين يذكرون هذه القصص".
يجلس خالد عبد الله تحت إحدى أشجار نخيل مخيم السلام في بغداد، وينظر إلى الصغار يلعبون أمام الخيم التي تحولت إلى مساكن للنازحين. يصف ما جرى أثناء احتلال تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" قريته في قضاء القيارة جنوب الموصل (شمال البلاد)، بـ "الفيلم السينمائي". يقول: "كان الرعب يسيطر على الناس. قد يُقتل أحدنا في أية لحظة، لا لشيء سوى بسبب وشاية من أحد ما". يوضح لـ "العربي الجديد" أنه استطاع الهرب من قريته في يونيو/ حزيران في عام 2016 مع عائلته، مشيراً إلى أن "انشغال داعش بالمعركة مع القوات العراقية مكننا من الهرب. كان صوت أزيز الرصاص والقذائف التي تسقط في مواقع تبعد على مسافة مئات الأمتار منا يرعب أطفالي خلال رحلة الهرب".
يضيف عبد الله: "كنا نسير بحذر بين البيوت خشية أن يرانا عناصر داعش، حتى وصلنا إلى قرية حجلة التي تقع على الضفة اليمنى لنهر دجلة. اختارت العائلات التي نزحت من قريتنا ومناطق أخرى اللجوء إلى هذه القرية، على أمل تحريرها لتهرب منها بمساعدة الجيش العراقي". يضيف: "بالفعل، تحررت القرية وحان وقت الهرب. المكان ما زال غير آمن، وقد يشن داعش هجوماً مباغتاً ويستعيد السيطرة على القرية مرة أخرى. خلال سيرنا صوب النهر، كنا نرى جثثاً لمقاتلين من داعش. نغمض عيون الأطفال حتى لا يرونها. والأخطر أن الجثث كانت مفخخة".
نجحت العائلات التي كانت مجتمعة في قرية حجلة في النجاة من "داعش"، حين عبرت النهر إلى ضفّته اليسرى، حيث قرية الحاج علي التي كانت تخضع أيضاً لسيطرة التنظيم قبل تحريرها، لكنها كانت خالية من أهلها، باستثناء المقاتلين الشباب من سكانها الذين تطوعوا للدفاع عن مناطقهم وقراهم. ويقول إن "عدداً كبيراً من العائلات النازحة لم تجد ما يكفي حاجتها من طعام وشراب. فالمؤونة التي يملكها المقاتلون شحيحة، لكنهم وزعوها على النازحين. لذلك، فضلنا أن يأكل الأطفال والنساء، ولم يأكل الرجال شيئاً. استمر الحال على هذا النحو يومين".
وصل عبد الله برفقة عائلته إلى كركوك، وقصد بيت أحد أصدقائه، ثم انتقل إلى مخيم في بغداد سبقه إليه جيرانه وأقاربه في قريته. يشير إلى أن "كل شيء متوفر في مخيم السلام، وتصلنا مساعدات مختلفة. ما يهمنا أن المكان آمن وتتوفر به خدمات صحية".
وحين كان يستعيد شريط هروبه وعائلته برفقة عائلات أخرى، توقف عند تفاصيل "كانت صادمة بالنسبة للصغار". يقول: "رأى الأطفال الموت. رأوا الجثث وعناصر داعش وهم يرعبون الناس. وفي طريق هروبنا، وقع حادث مروع، إذ انفجرت عبوة في الطريق ما أدى إلى مقتل أربعة أطفال وإصابة 15 آخرين، أكثرهم من الأطفال". يضيف وهو يستذكر أحداث عاشها تحت حكم "داعش" في قريته: "خلال حكم داعش، كنت أعيش كالميت، وكان القتل بالمجان. قتل عدد من أصدقائي وجيراني أمامي. أعدموا أقرب صديق لي على جسر القيارة بتهمة التخابر مع الجيش العراقي لأنه كان يملك هاتفاً خلوياً، إذ أن ذلك كان ممنوعاً. أما أنا، فكنت أشتري السجائر سراً".
عبد الله الذي كان يعمل في مجال البناء، يقول إن "الأعمال توقفت مع دخول داعش قريتنا والقرى المجاورة. وكان بين سكان القرية موظفون في مهن حكومية وحرفيون". يضيف: "كنا نتعاون في ما بيننا في القرية. من يحصل على الوقود من مكان آخر يقتسمه مع من يحتاج إليه. كما أن بعض الأهالي الذين يربون الدجاج والماشية كانوا يساعدون الآخرين بالبيض والحليب".
حين قرر عبدالله الهرب، اتصل بأحد أصدقائه المقربين في بغداد طالباً منه مبلغاً من المال لإعطائه لأحد المهربين. يقول: "اتفقت مع مهرب يدعى أبو حسين وانطلقنا من القرية. كان ذلك في العاشر من رمضان في عام 2015. كان علينا أن نقطع طريقاً طويلاً مع المهرب الذي كان يعرف أين تقف دوريات داعش، فضلاً عن امتلاكه علاقات واسعة مع قرى وسكان في مناطق عدة. كان الهدف هو الوصول إلى محافظة الأنبار، ما يعني أنه علينا أن نقطع نحو 600 كيلومتر، لأننا في مناطق صحراوية ومتعرجة وزراعية. كذلك، كان علينا أن نبيت ليلتين في إحدى القرى التي تقع شمال مدينة الأنبار. وهيأ لنا المهرب مكاناً للمبيت في منزل أحد أقاربه، في انتظار التأكد من الطرقات الأكثر أمناً".
يقول عبدالله: "انطلقنا في طريقنا بعدما عرف المهرب الطريق الأفضل. كان يختار الطرقات التي يتواجد فيها عناصر داعش من دون أن يفتشوا الناس كون هذه القرى بعيدة عن المناطق التي تمكّن الناس من الهرب. لكن المفاجأة التي واجهتنا أن مجموعة من عناصر داعش كانوا يقطعون طريقاً سلكناه داخل مناطق زراعية، فأوقفونا وانهالوا علي وعلى المهرب بالضرب والسباب، فارتفع صراخ زوجتي وأطفالي".
كان يتوجب على عبد الله إيجاد عذر حتى لا يقتل وعائلته. رفع صوته وهم يضربونه، وقال لهم إن زوجته مريضة وإنه يأخذها إلى طبيب في قضاء هيت، الذي كان تحت سيطرة داعش أيضاً، وفيه أطباء. يضيف: "كان هدفي من رفع صوتي أن أسمع السائق الذي ينال أيضاً نصيباً من الضرب المبرح، فقال بدوره إنه سائق يوصل الرجل لوجه الله، وهو لا يملك المال ولا يستطيع ترك أولاده الصغار وحدهم في قريته".
يقول خالد إن وجود خلايا نائمة لـ"داعش" في مناطق قريبة من قريته هو سبب بقائه في المخيم، رافضاً العودة، موضحاً: "عشنا أياماً صعبة. ما زال أطفالي يتذكرون القتل ومشاهد إجرامية لداعش، وينتابهم الرعب حين يذكرون هذه القصص".