03 اغسطس 2022
حين يشتد الحصار حول حزب الله
بدأت خيوط الشبكة التي نسجتها الإدارة الأميركية تلتف حول حزب الله الذي تعتبره إرهابياً، انطلاقا من الحصار المالي والإجراءات العقابية المصرفية الصارمة، التي فرضتها واشنطن على كل مصارف العالم، وعلى أي رجل أعمال أو تاجر أو صاحب شركة، كبر حجمها أو صغر، يتعامل مع حزب الله، أو على علاقةٍ معه، أو يمت إليه بصلة، مباشرة أو غير مباشرة. وهي خطوة تصعيدية وجذرية غير مسبوقة. كما أن التحضير الأميركي لهذه الخطوة انطلق بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران في يوليو/تموز الماضي، فهل جاء نتيجة صفقة عقدتها طهران مع الغرب، لرفع العقوبات عنها، وفك الحصار الاقتصادي القاسي، الذي عانت منه نحو عشر سنوات، في مقابل رفع الغطاء عن ذراعها العسكرية المتورّطة في لهيب الحرب السورية مع نظام الأسد. ومع نشر المراسيم التطبيقية لقانون ملاحقة حزب الله، وتجفيف مصادر تمويله، وبدء دخول الإجراءات حيز التنفيذ، قبل أيام، قرّر حاكم مصرف لبنان إلغاء حسابات مصرفية لـ 99 شخصية لبنانية فردية ومعنوية، في مقدمهم الأمين العام للحزب حسن نصرالله، ومصطفى بدر الدين، المتهم الرئيسي باغتيال رئيس الحكومة الأسبق، رفيق الحريري. وكانت واشنطن قد نشرت لائحة أولية بالأسماء ونوعية الأشغال أو الأدوار، التي يقومون بها في لبنان والخارج، والتي تعود، بحسب الخزانة الأميركية، بالمنفعة على حزب الله. ومعلوم أن نواب حزب الله في البرلمان اللبناني (13) يقبضون رواتبهم نقداً.
وقد سبق هذه الإجراءات بأشهر، وربما مهّد له، قرار السعودية اعتبار حزب الله إرهابياً، مما أدى إلى إلغاء هبة الثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني. وجاءت هذه الخطوة بعد الهجوم الذي تعرضت له سفارتها في طهران، احتجاجا على إعدام الشيخ الشيعي، نمر النمر، وامتنع وزير خارجية لبنان ورئيس التيار العوني، جبران باسيل، عن الموافقة على قرار إدانة الاعتداء على السفارة. والأرجح أن هذا "الخطأ" (المقصود؟) قد شكّل الفرصة الملائمة التي انتظرتها الرياض منذ نحو حرب تموز/ يوليو 2006، عندما اتهم نصرالله القيادة السعودية بالتواطؤ، ووصفها حليفه بشار الأسد من "أنصاف الرجال"، وهو الذي يقتل شعبه اليوم، ولا يحرّك ساكناً أمام إعلان إسرائيل ضمها هضبة الجولان. هل كان هذا الموقف منسقاً مع نصرالله أم بإيعاز منه؟
كانت النتيجة أن الموقف السعودي انسحب على مجلس التعاون الخليجي الذي تبنى اعتبار
حزب الله إرهابياً، ثم تبعته جامعة الدول العربية، وأخيراً امتد قرار الإدانة والحصار إلى مؤتمر القمة الإسلامية في إسطنبول، مما اضطر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الانسحاب وحيداً، من دون أن يلقى أي تجاوب، أو تضامن، من أية واحدةٍ من الدول الخمسين المشاركة. وقبل أيام، زار الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، لبنان، وعلى أجندته لقاءات مقرّرة مسبقا مع مختلف القوى السياسية، منها لقاء مع رئيس كتلة نواب حزب الله. وفي اللحظة الأخيرة، تم إلغاء الموعد، علما بأن الاتحاد الأوروبي كان قد اتخذ قراراً، قبل سنوات، تصنيف ما أسماه "الجناح العسكري" لحزب الله منظمة إرهابية، وكان نتيجة تسويةٍ سعت إليها فرنسا نفسها، في عهد الرئيس جاك شيراك، لتفادي تصنيف الحزب ككل تنظيماً إرهابياً. ناهيك عن قرار الحصار الإعلامي، الذي قضى بحجب قناة "المنار" التابعة لحزب الله عن الأقمار الغربية، وقبل أيام، إنزالها عن شبكة "نايل سات" المصرية.
التطور الأخطر، ومن شأنه أن يشكّل مصدر قلق حقيقي في لبنان، هو المعلومات (المخابراتية؟) التي سربتها، قبل أيام، مجلة "روز اليوسف" المصرية، تفيد بأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الناظرة في جريمة اغتيال الحريري المصنفة إرهابية في مجلس الأمن، تقترب من مرحلة استدعاء الأمين العام لحزب الله نفسه، باعتباره المسؤول الأول عن أعمال مصطفى بدر الدين، الذي تربطه صلة قربى بعماد مغنية، (اغتيل في 12 فبراير/ شباط 2008 في دمشق)، والذي لا يُعقل أن يكون قد اتخذ القرار ونفذ الجريمة، إذا صح أنه فعلها، مستعيناً بعدد من عناصر الحزب الأمنيين في بيروت، من دون أن يكون قد تلقى قراراً قيادياً كبيراً! وإن قراراً كهذا، في حال صدوره، لن يدفع نصرالله إلى المثول أمام المحكمة في لاهاي التي لم تتمكّن، حتى اليوم، من استدعاء العناصر الخمسة من الحزب المتهمين بالجريمة، إلا أن قوته المعنوية والرمزية كبيرة، وتترتب عليه مضاعفات تفجيرية خطيرة على السلم الأهلي اللبناني، وعلى العلاقات بين الطوائف والمجموعات اللبنانية، من نوع أن تعتبر الطائفة الشيعية نفسها المستهدفة والمحاصرة، مع احتمال أن تطال شظاياها المحيطيْن، العربي والإقليمي.
أدخل الحصار حزب الله في مرحلةٍ صعبةٍ وطويلةٍ ومعقدة، ستستنزفه على جميع المستويات، بدءاً بعلاقاته في الداخل اللبناني، وليس انتهاءً بما هو أسوأ مما تورّط به، أو ورّطته فيه إيران، منذ ظهوره قبل أكثر من ثلاثين عاماً، أي أغرقته في أتون القتال ضد الشعب السوري الذي كلفه إلى اليوم نحو 1500 من عناصره من خيرة أبناء الجنوب المغلوب على أمرهم. تحوله من مقاومة للاحتلال إلى مليشيا تلعب دوراً قمعياً وتفكيكياً لأوصال الدولة في الداخل، ومذهبياً وإرهابياً في الخارج، إنما هو إيذان ببدء العد العكسي.
وقد سبق هذه الإجراءات بأشهر، وربما مهّد له، قرار السعودية اعتبار حزب الله إرهابياً، مما أدى إلى إلغاء هبة الثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني. وجاءت هذه الخطوة بعد الهجوم الذي تعرضت له سفارتها في طهران، احتجاجا على إعدام الشيخ الشيعي، نمر النمر، وامتنع وزير خارجية لبنان ورئيس التيار العوني، جبران باسيل، عن الموافقة على قرار إدانة الاعتداء على السفارة. والأرجح أن هذا "الخطأ" (المقصود؟) قد شكّل الفرصة الملائمة التي انتظرتها الرياض منذ نحو حرب تموز/ يوليو 2006، عندما اتهم نصرالله القيادة السعودية بالتواطؤ، ووصفها حليفه بشار الأسد من "أنصاف الرجال"، وهو الذي يقتل شعبه اليوم، ولا يحرّك ساكناً أمام إعلان إسرائيل ضمها هضبة الجولان. هل كان هذا الموقف منسقاً مع نصرالله أم بإيعاز منه؟
كانت النتيجة أن الموقف السعودي انسحب على مجلس التعاون الخليجي الذي تبنى اعتبار
التطور الأخطر، ومن شأنه أن يشكّل مصدر قلق حقيقي في لبنان، هو المعلومات (المخابراتية؟) التي سربتها، قبل أيام، مجلة "روز اليوسف" المصرية، تفيد بأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الناظرة في جريمة اغتيال الحريري المصنفة إرهابية في مجلس الأمن، تقترب من مرحلة استدعاء الأمين العام لحزب الله نفسه، باعتباره المسؤول الأول عن أعمال مصطفى بدر الدين، الذي تربطه صلة قربى بعماد مغنية، (اغتيل في 12 فبراير/ شباط 2008 في دمشق)، والذي لا يُعقل أن يكون قد اتخذ القرار ونفذ الجريمة، إذا صح أنه فعلها، مستعيناً بعدد من عناصر الحزب الأمنيين في بيروت، من دون أن يكون قد تلقى قراراً قيادياً كبيراً! وإن قراراً كهذا، في حال صدوره، لن يدفع نصرالله إلى المثول أمام المحكمة في لاهاي التي لم تتمكّن، حتى اليوم، من استدعاء العناصر الخمسة من الحزب المتهمين بالجريمة، إلا أن قوته المعنوية والرمزية كبيرة، وتترتب عليه مضاعفات تفجيرية خطيرة على السلم الأهلي اللبناني، وعلى العلاقات بين الطوائف والمجموعات اللبنانية، من نوع أن تعتبر الطائفة الشيعية نفسها المستهدفة والمحاصرة، مع احتمال أن تطال شظاياها المحيطيْن، العربي والإقليمي.
أدخل الحصار حزب الله في مرحلةٍ صعبةٍ وطويلةٍ ومعقدة، ستستنزفه على جميع المستويات، بدءاً بعلاقاته في الداخل اللبناني، وليس انتهاءً بما هو أسوأ مما تورّط به، أو ورّطته فيه إيران، منذ ظهوره قبل أكثر من ثلاثين عاماً، أي أغرقته في أتون القتال ضد الشعب السوري الذي كلفه إلى اليوم نحو 1500 من عناصره من خيرة أبناء الجنوب المغلوب على أمرهم. تحوله من مقاومة للاحتلال إلى مليشيا تلعب دوراً قمعياً وتفكيكياً لأوصال الدولة في الداخل، ومذهبياً وإرهابياً في الخارج، إنما هو إيذان ببدء العد العكسي.