حمزة بونوة.. هشاشة الكائن التي لا تحتمل

31 يناير 2018
(مقطع من أحد أعمال بونوة ضمن المعرض)
+ الخط -

يعتمد التشكيلي الجزائري حمزة بونوة (1979) في تجربته على الرمز والحرف والتجريد، لكنه يذهب بطاقة حيوية نحو تعبيرات مركّبة في معظم المضامين التي يتناولها من مفاهيم وقضايا تخصّ الإنسان المعاصر الذي تهمين عليه جملة اضطرابات وتشوّهات، أو في مقارباته للحروب والأزمات وتداعياتها.

ضمن تجريبه المستمر في بناء مفرداته البصرية وتكوين لوحته، يقدّم الفنان ثمانية عشر عملاً في معرضه "وجوه بدون عنوان" الذي يتواصل حتى الثامن من آذار/ مارس المقبل في "مركز كتارا للفن" في الدوحة.

في أكثر من عمل يحضر العنصر البشري عبر تداخل تراكيب غريبة لشكل الرأس وملامح الوجه، وتبدو تفاصيلها كأنها مجموعة خيوط ملتفّة فوق بعضها بعضاً، وهي بقدر ما تظهر جاذبية في تشكيلها، إلا أنها تبرز تنافراً أو تبايناً مع خلفياتها باعتبارها طارئة وغريبة عن محيطها.

وعلى المنوال نفسه، ينسج هذه الكائنات فرادى أو اثنين أو مجاميع ملتصقة، وهي تظهر متشابهة في تشكيلها ونظرات عيونها وتقاطيع أجسادها، وهي تصدم المتلقي في قزميتها أو استعارة أظلاف الماشية وبروزها، وأنوف وأفواه بأبعاد مبالغ فيها، في هيئة تعكس انكساراتها وهزيمتها وعدم قدرتها على النطق، وتأهّبها للدفاع عن وجودها، وهي جزء من اشتغالات الفنان النظرية على قلب مفاهيم التلقّي.

يبحث بونوة عن تمظهرات الشكل الإنساني غير المستقرّة المتفلّتة والمتغيّرة، التي تكشف تناقضاته المتعدّدة في أكثر من مستوى؛ فهي في حالة فوضى تشكيلية تتناظر مع الواقع وتعبّر عن مدى الاستلاب، والهشاشة التي نعيشها اليوم، وتكشف ارتباكنا كبشر في التعبير وفي التباس موقعنا وحضورنا في العالم.

تدفع الأعمال المعروضة نحو إحساس بنوع من التعاطف/ الرثاء تجاه شخصيات بأيدٍ قصيرة متدلية وأرجل قصيرة تتضادّ مع بقية ملامحها وجسدها التي تجسّد عدّة ثنائيات في حياتنا المعاصرة؛ من الخير والشر، الحركة، والسكون، التوتّر والانتظام، العتمة والضوء، وبالضرورة العدل والظلم؛ التحدّي الأبرز الذي نواجهه بكينوناتنا العاجزة.

ألوان بونوة تميل إلى التقشف، حيث يريدها أن تتناسب مع المناخات العامة للكائن الذي يسكن لوحته في تمثيلها لمزاجه ورؤيته نحو الحياة، لذلك يغلب عليها أن تكون قاتمة وتظهر حدّة التناقض فيه من جهة، والاختلاف بينه وبين عالمه من جهة أخرى، لكنها بالنهاية تشير إلى وجوه لا تمتلك عنواناً يدلّ عليها وعلى وجودها وقدرتها على التعبير عن نفسها.

في جدارية "لاجئون" التي أمضى الفنان ثلاث سنوات في العمل عليها، ثمة دلالات مختلفة لتلك الجموع المحتشدة من اللاجئين، حيث يبدون في تراصّهم والتحامهم باحثين عن الأمل.

يُذكر أن الفنان حمزة بونوة ولد عام 1979 ودرس في "كلية الفنون الجميلة" في الجزائر، وأقيمت له عدة معارض فردية ومشتركة في الجزائر والدوحة والكويت وعمّان وبيروت ولندن ونيويورك وباريس.

دلالات
المساهمون