حلف البحث عن شرعية الوجود

12 سبتمبر 2020
+ الخط -

لم يكن إعلان العلاقات الرسمية بين الإمارات وإسرائيل أمراً مستغرباً، فقد كانت كل المعلومات تؤكد هذه العلاقات منذ سنوات. والتطبيع مع الكيان الصهيوني في الضمير العربي خيانة لثوابت الأمة، وقد ظلت القيادات العربية السابقة تخشى ردود فعل الشارع العربي، وكان التنديد والشجب مخرجها أمام شعوبها من عجزها الدائم عن تبنّي موقفٍ حقيقي وعملي تجاه القضية العربية في فلسطين، وهو ما كانت تستهجنه الشعوب، باعتباره رد فعل لا يتناسب مع التحديات الكبيرة للأمة.
ما الذي جعل دولة الإمارات تُقدم على خطوة التطبيع المعادية لتوجهات الأمة العربية، على الرغم من أنه لا تربطها بالكيان الصهيوني جغرافيا قد تجدها مبرّراً اضطرارياً لمفاوضات تفضي إلى تطبيع، كما حدث مع مصر والأردن؟ ليست العلاقات الإماراتية مع الكيان الصهيوني مجرد تطبيع، فطبيعيّة العلاقات بين دولتين تقتضي انعدام العداء ووجود تمثيل دبلوماسي وإمكانية الحركة البشرية والاقتصادية بينهما، وليس من مقتضياتها الدخول في عمليات مشتركة.
حالة هذه العلاقات تحالف، والسؤال هنا: ما هو الهدف المشترك؟ أو لنقل من العدو المشترك لدولة الإمارات والكيان الصهيوني، حتى يتحالفا ضده؟ اعتبار إيران عدوا كذبة كبيرة، فالإمارات هي الشريك التجاري الأكبر لإيران. الأحداث المتسارعة تظهر تركيا العدو الأكثر وضوحاً في المشهد لهذا الحلف، وهو ما يدعمه وصول دولة الإمارات لتكون ضمن تحرّكات عسكرية في منطقةٍ تبعد عنها آلاف الكيلومترات في شرق البحر المتوسط، فقط لأنها تحرّكات تستهدف تركيا، على الرغم من أن جزرا للإمارات ما زالت محتلة من إيران.

مواقف الإمارات في ليبيا واليمن ومصر وتونس والسودان تجعل إرادة الشعوب العربية وتطلعاتها للحرية والعدالة هي العدو الفعلي لدولة الإمارات

ما الذي دفع الإمارات إلى هذا المستوى من العداء مع تركيا؟ مواقف الإمارات في ليبيا واليمن ومصر وتونس والسودان تجعل إرادة الشعوب العربية وتطلعاتها للحرية والعدالة هي العدو الفعلي لدولة الإمارات، ووقوف تركيا، في بعض هذه الحالات، ضد سياسات الإمارات التخريبية يبدو سببا مناسبا لتصاعد حالة العداء الإماراتي ضد تركيا. وبالنسبة لقياداتٍ من نوعية ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، فإن إرادة الشعوب العربية وتوجهها نحو الديمقراطية والحرية السياسية يمثلان الخطر الحقيقي والأكبر لبقائها على عروشها، وجاءت ثورات الربيع العربي لتعزز تأكيد هذا التصور. فمن وجهة نظر بن زايد، هو يستطيع أن يشتري رضا رئيس أميركا، عبر صهره، بمليارات الدولارات، ليضمن دعمهم البقاء على كرسيه، أو أن يبيع ثوابت الأمة، ليقيم حلفا مع الكيان الصهيوني، بغية تعزيز وجوده ضمن الخريطة السياسية القادمة في المنطقة، في الوقت الذي يعلم فيه أنه لا يملك شرعية شعبية لوجوده، ولا يمكن أن يشتري هذه الشرعية بأي مال على حساب إرادة الشعوب الحرّة.

من وجهة نظر بن زايد، هو يستطيع أن يشتري رضا رئيس أميركا، عبر صهره، بمليارات الدولارات، ليضمن دعمهم البقاء على كرسيه

إنها، إذاً، أزمة مشروعية وجود يناضل من أجلها محمد بن زايد، واختار لتجاوزها استخدام مال النفط الإماراتي، لقمع توجهات الشعوب العربية، وشراء رضا أسياده. ولأن المشكلة الجوهرية في الحالة الإماراتية هي أزمة وجود، من الطبيعي أن يتشكل الحلف من أشباهها، وأي كيان يعاني من أزمة شرعية الوجود مثل الكيان الصهيوني؟! ولهذا كان لقاء التطبيع بين الطرفين لقاء الباحثين عن شرعية الوجود، حتى لم نستطع أن نميز في مشهد تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني ونظام محمد بن زايد، من الذي كان يبحث أكثر عن الاعتراف بوجوده. وما يؤكد حالة انعدام الثقة لدى القيادة الإماراتية مشاهد حشدها أطفالاً إماراتيين في مشاهد مقززة ومخزية، وهم يعلقون علم الكيان الصهيوني على صدورهم، وهو أمر لم نشهده في أي حالة تطبيعية سابقة، حيث ظل الموقف الشعبي في مصر والأردن مخالفاً لموقف القيادتين السياسيتين في البلدين، مقاوماً للتطبيع، على الرغم من مرور عشرات السنين، ومع ذلك لم يلجأ أي من النظامين لحشر أطفال البلد في مشهد التطبيع.

يناضل  محمد بن زايد من أجل الشرعية، واختار لتجاوزها استخدام مال النفط الإماراتي، لقمع توجهات الشعوب العربية

كان النظام الإماراتي أيضاً بحاجة إلى حلفاء داعمين لخطوته، فجاءت كل مواقف الدعم على المستوى العربي من الأنظمة المشابهة له. ولم يتأخر الدعم من أكثر نظامين يمثلان نماذج متشابهة تعيش عقدة الاعتراف بشرعية وجودها في مواقعها على قمة هرم بلدانها، نظامي عبد الفتاح السيسي ومحمد بن سلمان في العربية السعودية؛ بالنظر إلى الحالة المصرية حيث يعلو رئاستها رئيس مكروه من شعبه جاء بانقلاب عسكري دموي، والحالة السعودية حيث ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي وصل إلى مكانه، بعد أن انقلب على نظام الأسرة الملكية في السعودية، وأطاح أعمامه وأبناء عمومته الأحق منه بالمُلك.
يبدو الأمر هكذا أكثر منطقية، إنه تحالف بين كيانات وأنظمة يجمعها شعور بالافتقاد للشرعية، أكثر من أنها علاقات بين دول بمفهوم الدولة كما تعرفها العلوم السياسية، أي قيادة وشعباً، يلتقي فيه الكيان الصهيوني الذي يعمل، منذ حوالي سبعين عاماً، على إثبات شرعية وجوده، مع نظام محمد بن زايد، ويتلقى الدعم العلني من نظام انقلاب عبد الفتاح السيسي، والدعم غير المعلن غالباً، والمعلن في حالة السماح بمرور الطيران الإسرائيلي في أجواء السعودية، من انقلابي آخر هو محمد بن سلمان، وتتوالى مباركة أمثالهم هذا الحلف من الحالات الطارئة على شعوبها وأمتها، من نوعية خليفة حفتر في ليبيا وبعض عسكريي السودان.
ما هو مؤكّد، واستخلاصاً من تاريخ الأمم، أن القيادات الطارئة أو المفروضة في لحظات ارتباك سرعان ما تنتهي نهايات مروّعة، وأن الارتباط بكيان يبحث بنفسه عن شرعية وجود لا يمنحك الأمان لاستمرار وجودك، ففاقد الشيء لا يعطيه. هذا التحالف الذي سعى إليه محمد بن زايد ومن سيأتي بعده يبدو على المدى القصير مصدر قوة وصمام أمان، لكنه في الحقيقة مسمار كبير ومؤكد في نعش هذه القيادات، وإن غداً لناظره قريب.
 

1C48AD8A-E202-44C0-AC53-F92337E3C6C3
وسيم القرشي

قيادي في ثورة فبراير الشبابية اليمنية.رئيس شبكة يمن شباب للإعلام، وباحث ماجستير دراسات دبلوماسية.