الربيع العربي.. حبل نجاة يخنقهم

11 فبراير 2019
+ الخط -
"مصلحة السعودية هي في إحياء أهداف ثورة فبراير اليمنية، ففي تحقيق أهداف ثورة فبراير خلاص السعودية من هذه الحرب". هكذا علق الصحافي السعودي المغدور، جمال خاشقجي، في مقابلة تلفزيونية له، على الوضع السعودي في اليمن. لم يكن هذا التعليق لحظة تعاطفٍ منه مع الربيع اليمني أو العربي، بل تحليلا واقعيا لمسار الأحداث في اليمن، يعكس المآلات التي وصلت إليها دول الربيع العربي، منذ تبنّت السعودية والإمارات الثورات المضادة، واستخدمتا كل مواردهما في سبيل وأد أحلام الجيل الحالي من الشعوب العربية. بعد قرن من العيش العربي على هامش الحياة، جاء جيل عربي شاب، شارك العالم مناخات الحرية والديموقراطية، وتفاعل معها في عالم الوسائط الافتراضي، وآمن أن السبيل إلى عودة حضارية عربية هو في الحرية والديموقراطية.
وفي حين استسلمت أنظمةٌ لثورات شبابها لم تتعامل الأنظمة التي لم يصل إليها مد الثورات مع هذا الجيل، باعتباره فرصةً لإعادة ترتيب وضعها، بل والاستفادة من هذا الحماس الثوري العربي في مواجهة تحديات التنمية العالمية، ومواجهة أعدائها المنطقيين. الأطراف التي ظلت هذه الأنظمة تسوقها لشعوبها أعداء حقيقيين، مثل إيران وإسرائيل، لم يعودوا أعداء، بل في لحظةٍ أصبح الربيع العربي العدو الأول، وأصبحت محاربته الهدف الأكبر، من دون اعتبار لأثر ذلك على معركتها مع من تدّعي أنه العدو الحقيقي.
دعمت السعودية والإمارات في مصر انقلابا عسكريا دمويا على النظام الذي جاء بانتخابات ديموقراطية، وفرتها ظروف ما بعد الربيع المصري، وكانت نتيجة هذا الانقلاب دماء آلاف 
الشهداء الذين حاولوا الدفاع عن حلمهم، وكانت ضحيته الأكبر الحياة السياسية في مصر التي أصبحت تعيش واحدةً من أسوأ مراحلها على الإطلاق. وبتحليل موقف مصر من معركة السعودية المفترضة، كان موقف نظام محمد مرسي الذي جاء بالانتخابات واضحا وقويا ضد تهديدات إيران، وضد تغلغلها في دول عربية، وخصوصا سورية، وهو موقفٌ يفترض أنه يدعم موقف السعودية، بينما جاء موقف نظام الانقلاب الذي سيطر على السلطة بالدعم السعودي منحازا إلى نظام بشار، وغير معادٍ لإيران!
في الملف اليمني، دعمت السعودية والإمارات عام 2014 جماعة الحوثي، وهي جماعة إيرانية بشكل صريح، أوصلتاها إلى إسقاط صنعاء، فقط لتتخلصا من النظام الذي كان يتشكل من قوى نتجت عن ثورة التغيير في صنعاء، لتصحو السعودية لاحقا على واقع إيراني يهز جنوبها، وتصل صواريخه إلى عاصمتها. اتخذت قرار عملية عاصفة الحزم العسكرية، ومعها الإمارات بطبيعة الحال، لا ليصلح ما أفسدتاه، بل دخلتا باستراتيجية واضحة، حرصت الإمارات، بكل طاقتها وإمكاناتها، أن تنفذها ولا تتراجع عنها السعودية، وهي استراتيجية أن هزيمة الحوثي يجب أن تكون مرافقة لضرب قوى ثورة الربيع في الوقت نفسه، وبما أن من يقاتل التوغل الحوثي الإيراني هو الجيش الوطني الذي دعم ثورة فبراير، أو تشكل لاحقا من شبابها، فإن المعادلة لم تكن منطقية. ولهذا لا يزال اليمنيون يدفعون ثمنا غاليا من دماء وجوع وتشريد وتدمير لبلدهم، نتيجة هذه الاستراتيجية الغبية، وطالت معركة كان في الوسع إنجازها خلال أشهر، لتدخل عامها الخامس. وتقول المؤشرات إنه إذا وصل تحالف السعودية الإمارات إلى الخيار بين بقاء الحوثي أو نظامٍ يمثل قوى فبراير، فإنه لن يمانع في بقاء الحوثي، ليتحقق له (الحوثي) ما يريده وتريده إيران، ويدفع اليمن أولا، والسعودية لاحقا بشكل مؤكد، ثمنا باهظا، بسبب الحقد السعودي الإماراتي على الربيع العربي.
في سورية، وحين كان الثوار يحاصرون دمشق، وبدافع ضرب الثورة بجريمة أن لها علاقة بتركيا أو قطر أو ثورات الربيع؛ دفعت الإمارات والسعودية بدعم كبير لجماعات متطرّفة داخل الصف الثوري، ووجهتاه بعيدا عن وحدة الهدف، لتبدأ الانشقاقات والتراجع والخسائر في صف الثوار، ويتحول بذلك إلى صراع داخلي، منح نظام الأسد الوقت اللازم لاسترداد أنفاسه، ومنح العالم مبرّرا لعدم تقبل البديل في سورية، ومنح روسيا مبرّرا للتدخل العسكري، والنتيجة منح سورية لإيران على طبق من دم.
ولهذا، كان من الطبيعي أن تقرّر الإمارات فتح سفارتها في دمشق، لمواجهة ما أسمته التغلغل التركي والإيراني. وباعتبار كل ما حدث، وما يعرفه الجميع من الوجود الكامل لإيران في سورية حاليا، فإن الهدف الإماراتي فعليا هو مواجهة النظام التركي، وليس من المنتظر أن تعلن السعودية الخطوة نفسها، ثم أن التوجه المعلن لدعم الأكراد ضد تركيا التي تشكّل حليفا سنيا منطقيا للخليج أمام التوسع الإيراني يعكس أولويات الأعداء لدى قيادة النظامين، السعودي والإماراتي.
أما حصار قطر ومعاداتها، فليس لعلاقتها بإيران كما زعموا، بل لعلاقتها بالربيع العربي، فقد دعمت تطلعات الشعوب العربية. ولو كان الأمر متعلقا بايران، لكان الأوْلى اتخاذ موقف مباشر من الإمارات ضد إيران التي تمثل أكبر شريك تجاري لها، ولكان الأكثر منطقيةً إعادة السفارات إلى الدوحة، قبل دمشق التي باتت بعد سبع سنوات من الثورة مدينة إيرانية، بل وكالحالات السابقة، وفِي ظل حصار ثلاثي الاتجاه، وبقاء اتجاه إجباري واحد لقطر، لمقاومة قتلها ببطء، كانت إيران المستفيد الأكبر من هذا الحصار.
في كل الأحداث، كان التدخل الإماراتي السعودي موجها بشكل قاطع ومحدّد ضد الربيع العربي، وكل من وقف معه أو تعاطف معه، حتى وإن كانت النتائج ستخدم إيران، العدو الإقليمي المفترض للسعودية، ليظهر بوضوح أن الربيع العربي وقيمه التي نادى بها، مثل 
الحرية والديموقراطية، وليس إيران، هو العدو الأول لأنظمة الثورات المضادة. فيما لم يكن من أهداف ثوار الربيع العربي، وكاتب هذه السطور أحد أبنائه في اليمن، نظامي السعودية أو الإمارات أو غيرهما، بل كانت موجة ثورية لتصحيح أوضاع أوطاننا. ولو أتيح المجال للربيع العربي أن ينجز أهدافه لكان في وسع السعودية أن تكون أحد المستفيدين من شعوبٍ قويةٍ وأنظمةٍ قويةٍ، مواقفها تجعلها أكثر صلابة في دعم قضايا الأمة العربية، والحفاظ على أمنها.
بطريقةٍ ما، كان يمكن للربيع العربي أن يكون حبل نجاة للسعودية، والأنظمة التي تشبهها، ولَيس تهديدا لها، لكنها حوّلته إلى تهديد عندما تعاملت معه بوصفه تهديدا، واعتبرته خطرا يتجاوز الخطر الإيراني عليها. وبكل مواردها، أعطت القضاء عليه أولوية كاملة. ومع كل النتائج التي حصلت عليها من سياساتها في كل الدول، فإنها فعليا تلف حبل نجاتها حول عنقها، وتختنق به. وبات الربيع العربي الذي لم نوجهه نحوها بات وشيك الوصول إليها، لكنه لن يكون ربيعا، ولا عربيا، ولن يكون ساحاتٍ سلميةً وشبابا حالمين من أبنائها، بل سيكون شكلا آخر، ويتحدث لغة أخرى ويحمل ثقافة أخرى؛ سيكون أكثر بشاعةً، لأنه لم يصنع من آمال شعوبهم، بل صنعوه هم بأيديهم من مخاوفهم، ولا شيء أسوأ من أن تعميك مخاوفك، لتصنع عدوك بيديك.
1C48AD8A-E202-44C0-AC53-F92337E3C6C3
وسيم القرشي

قيادي في ثورة فبراير الشبابية اليمنية.رئيس شبكة يمن شباب للإعلام، وباحث ماجستير دراسات دبلوماسية.