حلال عليك وحرام عليها

05 ابريل 2018
+ الخط -
كثيراً ما نشاهد ونقرأ ونسمع بين حين وآخر عن خيانة الزوج لزوجته، وهذا ليس بجديد على واقعنا العربي، وعلى رجاله للوصول إلى هدف وغاية ما تحت ذرائع مختلفة. ولكن الخيانة العظمى، برأيي، هي الزواج الثاني الذي يسارع فيه الزوج بالفوز بزوجة ثانية لمجرد وفاة زوجته الأولى، وهذا ما أعتقد جازماً بأنه تجرّد من أخلاقيات الحياة العامّة، وتنكّر لوفاء الزوجة، رفيقة الدرب.

ولو كان إقدام الزوج على الزواج من زوجة ثانية في حياة زوجته التي افتقدها، ورحيلها عن الحياة الدنيا، فهذا لا أظن أن فيه أي عيب شرعي أو انتقاص من شخصيته.

وفي هذا، يطرح التساؤل: ما مبرّر اختلاق ذرائع ما أنزل الله بها من سلطان، ولمجرد وفاة الزوجة، بإعطاء الزوج حق الزواج بزوجة أخرى، وخلال فترة قصيرة جداً بعد فراقها؟


وكان من الأجدى، وهذا أقلّها، انتظار فترة من الزمن احتراماً لزوجته، في قبرها، وللعشرة الطويلة.

هل بهذه البساطة ينسى الزوج زوجته وأفضالها عليه، وما قدمته في حياتها له ولأسرته، من جهد وعناء، وللأيام الخوالي التي رسمت من خلالها صورة الحال والوقت والزمن الذي سرق منها عمرها الذي أُفني؟ فالضرورة تحتّم عليه الانتظار فترة من الزمن قبل الارتباط بزوجة ثانية، احتراماً لزوجته، برغم غيابها الأبدي، وإيلائها بعضاً من اهتماماته، لما قدمته وساهمت في إنتاجه، وأوقدته في هذه الحياة الفانية.

وهل من المعقول، وبهذه البساطة، أن ينسى الزوج، أو يتناسى ما قدمته من طاقة وقدرة على العطاء، لتقدمه لزوجها، ولأولادها، باتخاذ القرار الصعب رغم شرعيته، نكافئها على ما قدمت، بالزواج من امرأة ثانية بمجرد مرور أيام الأربعين أو قبل ذلك، وما بعدها نضرب بكل ما تعلّمناه وما نشأنا عليه عرض الحائط، ونتجاوز القيم وأخلاقيات الحياة، بالركض نحو المجهول، والبحث عن الزوجة - الحل، بذريعة أنّ هناك فجوة اتسعت لمجرد غيابها وفقدانها والإسراع بزواج ثان، عسى أن يلبي الحاجة، ولإخماد الرغبات الجامحة؟!

أليس من الأفضل انتظار المزيد من الوقت، ما دام أن مشروع الزواج قائم، والقرار اتخذ؟ ولكن تمنينا على ذلك الشخص، أياً كان، أن ينتظر الوقت الكافي احتراماً لتلك الزوجة، الأم، التي لم تقصّر يوماً مع زوجها، ولكن وكما يبدو، بأننا ما زلنا نجهل، بل نطمس الكثير من المبادئ، أو بالأحرى نتجاهلها، ونضع على أعيننا نظارة سوداء، ونسير في طريق المجهول، للوصول إلى الهدف الأسمى.

وفي هذا رأي شخصي أجد أنّه بات يفجّر اليأس، ويلغي مكانة الزوجة الأولى، ويبرّر أخطاء كثيرة نحن بغنى عنها، وأعتبر ذلك، قمّة الخيانة الزوجية لجهة الزوجة المتوفية التي عاشت مع زوجها أعواماً مبعدة، ولمجرد نزوة، نتجاهل أنها كانت موجودة يوماً، فلماذا هذا التصرّف، وهذا الإقدام على زواج لا مبرّر له، على الرغم من وجود الأولاد، وإن وجد المبرر، فإنه كان من الإنصاف تأجيل ذلك القرار الحسم، لفترة ما، احتراما لخدماتها، ولآدميتها، وللعِشرة.. وللأيام التي شاركته فيها أفراحه وأحزانه!

وبالمقابل، إذا قلبنا الصورة رأساً على عقب، وهذا ما حدث ويحدث، وباستمرار، وهو لماذا نجد أنّ هناك الغالبية من النساء ممن فقدن أزواجهن، يمكثن في بيوتهن، ويقمن بتربية أولادهن ورعايتهم الرعاية المثلى بعيداً عن الارتباط بزوج ثان، أو لمجرد التفكير في هذه الخطوة مهما كانت المغريات والمزايا والدوافع؟ وهذه المرأة أليس لديها إحساس ورغبة، وبحاجة إلى زوج يحميها ويحافظ عليها ويلبي احتياجاتها، ولكنها فضلت العيش بمفردها راعية أولادها وحاضنة لهم على الزواج، وهذا قمّة العطاء والوفاء البذل والتضحية والإخلاص.

هذه الصورة التي نقرأ فيما نقرأ عنها الكثير، حدت بالجيل الناشئ ممن حاول الخوض في هذه التجربة، والتسابق نحوها إلى تصعيد هذه الحالة، بل أجّج الموقف حيال الكثير من الشباب الذين كانوا ضحية الموقف، أيضاً، وهذا ما انطلى على شريحة واسعة ممن قرأت الموقف بمثل هذه الصورة التي نأمل أن يُعاد النظر فيها، وبوازع أخلاقي حماية للزوجة ـ اﻷم التي حاولت، وﻻ تزال، وبكل طاقتها وكيانها، ما يمكن أن تقدمه سواء لبيتها وأسرتها وزوجها، على وجه التحقيق، ﻷجل العيش برغد وبحب حقيقي خلي من أي شائبة يمكن أن ينعكس على الزوج الذي ﻻ يهمه سوى تحقيق رغباته، بغض النظر عن أي موقف حاسم، يمكن أن يصبّ في اتجاه مصلحة اﻷسرة، واﻷم بصورةٍ خاصة.

فلماذا لا يتعلّم الأزواج من أخلاقيات ومبادئ الزوجات ممن سبقنهم، أم أنه حلال عليك أيها الزوج، وحرام عليك أيتها الزوجة الأم؟

فاتخاذ مثل هذا القرار الجريء، غير المبرّر، حطّم الكثير من الآمال، وفتح المجال واسعاً أمام رفاق الدرب للحذو حذوه.
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.