أخطاء متلاحقة وقعت بها حكومة الأردن برئاسة عمر الرزاز خلال أقل من شهرين، باتت تشكّل منعطفات مهمة للمطالبة بإقالتها وسط حالة استياء غير مسبوقة لدى مختلف الأوساط الفاعلة التي ترى أن هذه الحكومة زادت من الاحتقان الشعبي في ظل تفاقم الأزمات المعيشية.
وحسب مصادر برلمانية ومختصين في الشأن الاقتصادي، لـ"العربي الجديد"، تواجه الحكومة انتقادات واسعة منذ تشكيلها في 14 يونيو/ حزيران من العام الماضي، بعد إقالة حكومة هاني الملقي على وقع الاحتجاجات، إذ تؤكد كافة المؤشرات تدني شعبية حكومة الرزاز لعدة اعتبارات، أهمها إخفاقها حتى الآن في إدارة الملف الاقتصادي ورفعها الضرائب وأسعار السلع.
وواجهت الحكومة خلال الفترة الأخيرة مزيداً من الانتقادات من قبل المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني لدرجة وصف بعض المراقبين لها بالأسوأ منذ نحو 20 عاماً.
وقال مصدر مطلع، رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن حالة من التوتر بدأت تطغى على أداء الفريق الحكومي بسبب الانتقادات الكبيرة للحكومة، وخاصة بعد اكتشاف تعيينات أشقاء النواب.
ونقل عن مقربين من الحكومة وجود خلافات بين الرزاز ونائبه رجائي المعشر، على خلفية إحراج الأخير له أثناء حضور الملك عبد الله الثاني اجتماع مجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضي، وتوجيهه الحكومة بإعادة النظر في قرارات التعيينات الأخيرة التي تمت غالبيتها، بحسب ما قاله المعشر، من دون أن تمر من خلال اللجنة المخصصة لذلك.
كذلك يرى مختصون أن البيان الصادر عن صندوق النقد الدولي في ختام زيارته إلى الأردن، يوم الخميس الماضي، يؤكد أن الإصلاحات التي قامت بها خلال العام الماضي لم تكن ناجعة لتحسين الوضع الاقتصادي وتخفيض عجز الموازنة والدين العام.
وقال صندوق النقد في بيان نشره نهاية الأسبوع الماضي، إن الأردن ما زال بحاجة إلى تدعيم مالي لتعزيز الإصلاحات الاقتصادية التي يقوم بها لتحسين ظروف وإمكانيات العمل، علماً أن الأردن ينفذ مع الصندوق برنامجاً موسعاً للإصلاح يهدف إلى خفض الدين العام وعجز الموازنة وزيادة التشغيل وضبط المالية العامة.
وحسب الصندوق ترتكز إصلاحات 2019 على مسار التعزيز المالي ومواصلة تنفيذ إجراءات تعزيز ظروف العمل وآفاق التوظيف، وفي المقابل دعم هذه الإصلاحات من مجتمع المانحين الدولي والإقليمي. لكن الصندوق لم يأت على ذكر التفصيلات المطلوب من الحكومة القيام بها خلال هذا العام.
وقال وزير المالية عز الدين كناكرية في تصريحات عقب انتهاء زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إن الحكومة لن ترفع الضرائب خلال العام الجاري.
ووفقاً لاستطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية عقب مرور 100 يوم على تشكيلة الحكومة، فإن 66% من العينة الوطنية التي شملها الاستطلاع ترى أن الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ، فيما أظهرت دراسات استطلاعية أخرى تدني شعبية الحكومة بشكل كبير بسبب سياساتها الاقتصادية.
نائب رئيس الوزراء الأسبق والبرلماني لعدة دورات في مجلس النواب ممدوح العبادي قال إن الحكومة لم تقدم للمواطنين الأردنيين الذين يمرون بظروف اقتصادية صعبة حلولاً عملية للمشكلات التراكمية التي يعيشونها، مثل زيادة نسب الفقر والبطالة، واقتصرت حلولها على التنظير بالعقد الاجتماعي الجديد ومشروع النهضة والدولة المدنية.
وأشار العبادي إلى أن حادثة التعيينات الأخيرة لأشقاء النواب وما تبعها تؤشر إلى حجم التخبط في الإدارة الحكومية، إذ يجرى اتخاذ قرار والتراجع عنه أو عدم القدرة على تبريره أو تأكيد صحته من عدم صحته.
ومن جانبه، قال الناشط في مجال حماية المستهلك سهم العبادي إن الحكومة وقعت في عدة أخطاء في ما يخص الجوانب الاقتصادية، من بينها إعلان إعفاء حوالي 60 سلعة من ضريبة المبيعات لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين.
وبين العبادي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الأمر عاد بنتائج عكسية على الحكومة، عندما اتضح أن عددا كبيرا من تلك السلع لا يصنع أو يستورد من الخارج، وبعض المواد عبارة عن حيوانات، مثل أفاعٍ وسلاحف وغيرها، ما أثار سخرية المواطنين.
وقال إن من أخطاء الحكومة الأخيرة واقعة تعيينات الفئات القيادية التي قامت بها الحكومة، ومنها تعود إلى أشقاء أعضاء في مجلس النواب، وكذلك عدم صحة إعفاء العراق لأكثر من 300 سلعة لدخول العراق من دون رسوم جمركية، إذ إن حوالي 200 منها لا يصنع في الأردن أصلاً.
وتعاني الصادرات الأردنية من عقبات عديدة أدت إلى تراجعها خلال السنوات الأخيرة، أبرزها الاضطرابات الإقليمية التي أدت إلى إغلاق الحدود مع كل من العراق وسورية لفترات طويلة.
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي مازن مرجي لـ"العربي الجديد" إن الأداء الحكومي يشير إلى حالة واضحة من التخبط تؤثر على الوضع الاقتصادي بشكل عام، وقد بات مطلب استقالة أو إقالة الحكومة محقاً في هذا الوقت.
وأضاف أن ضعف الأداء الحكومي تمثل بمخالفة المبادئ الأساسية التي أكدت الحكومة أنها ستلتزم بها، وفي مقدمتها العدالة والمساواة بين المواطنين وتعزيز سيادة القانون، وهذا لم يحدث في التعيينات الأخيرة.
وأشار إلى أن الحكومة لا يوجد لديها كما هو واضح أيضاً برنامج لتطوير الوضع الاقتصادي، كالعمل على جذب الاستثمارات وتحسين بيئة الأعمال، بل إن سياساتها قائمة على فرض الضرائب وما صدر عن صندوق النقد الدولي في ختام مراجعته لأداء الاقتصاد الأردني لا يبعث على التفاؤل.
وما يعكس عدم استقرار الحكومة الحالية إجراء الرزاز تعديلاً على حكومته في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أي بعد نحو 4 أشهر فقط من تسلمها مهامها، غادر بموجبه 10 وزراء، ودخل سبعة جدد، كما تم دمج ست وزارات.
وقال النائب في البرلمان الأردني جمال قموه لـ"العربي الجديد" إن ملف الطاقة وارتفاع أسعار الكهرباء من أكثر المسائل التي تؤزم علاقة الشارع بالحكومة، إذ تتم من حين إلى آخر زيادة أسعار الكهرباء وقيمة الفواتير بدون أسباب مبررة.
وأشار أيضاً إلى عدم صحة قرار وقف ترخيص أعمال جديدة في مشاريع الطاقة المتجددة والذي يعد من القطاعات الناجحة في الأردن ويعول عليه كثيراً لتطوير الوضع الاقتصادي وتصدير الطاقة إلى دول مجاورة مثل العراق وسورية ومصر والسعودية.
وكانت الحكومة قد أقرّت قانوناً جديداً لضريبة الدخل تضمّن رفع الضريبة على العديد من القطاعات وإخضاع شرائح إضافية من المواطنين لضريبة الدخل.