16 نوفمبر 2024
حكومة فلسطينية شعبية لمواجهة خطر وجودي
في إطار التحضير لإعلان حكومة فلسطينية جديدة، برئاسة الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، محمد اشتية، لوحظ أن هذا الحدث قد أثار تطوراتٍ من نوعٍ جديد في الحياة السياسية، فقد أدى الموقف من المشاركة في الحكومة رقم 18 إلى استقالة الأمينة العامة لحزب فدا، زهيرة كمال، من موقعها في الأمانة العامة للحزب (المنشق عن الجبهة الديمقراطية في العام 1993). كما استقال أعضاء من الأمانة العامة للسبب نفسه. وبينما شهدت الفصائل حالات انشقاق من قبل، إلا أنها قلما عرفت حالات استقالة لقياديين، وفي حالات حدوثها، فقد كان يتم التستر على هذه الاستقالات.. زهيرة كمال هي أول شخصية نسائية تتبوأ المركز الأول في حزب فلسطيني، وجاءت استقالتها يوم 3 إبريل/ نيسان الجاري، على خلفية قرار الحزب عدم المشاركة في الحكومة، ثم التراجع عن هذا القرار بغير معرفة الآلية التي تم فيها هذا التراجع.
لم تر حكومة اشتية النور بعد مضي أكثر من ثلاثة أسابيع على تكليفه. وكان من المثير تحديد ماهية الحكومة المقبلة بأنها ستكون "حكومة فصائل"، بدل الانفتاح على المجتمع الأوسع (غير الفصائلي) وتمكينه من التمثيل، إذ لم تغب الفصائل عن الحكومات الـ17 السابقة، مع تصدّر حركة فتح تلك الحكومات، بما في ذلك موقع رئاسة الحكومة. وقد ظل تكوين الحكومات يماثل تكوين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، على الرغم من اختلاف مهام السلطة التنفيذية التي تدير شؤون المجتمع، عن مهام جسم سياسي هو المنظمة. وبما أن الفصائل تحمل إرثا طويلا من التسليم بتصدّر دائم لحركة فتح، فإن الطابع الفتحاوي ظل يغلب على الحكومات المتعاقبة. وقد أبدت فصائل تمنعها عن المشاركة في الحكومة المرتقبة، وبالذات فصائل اليسار، باستثناء حزب الشعب (الحزب الشيوعي سابقا)، الذي قبل المشاركة. ويسترعي الانتباه أن قياديا في الحزب، هو وليد العوض، قد أعلن استقالته من الأمانة العامة للحزب، وكتب على صفحته في "فيسبوك": "ليس احتجاجا على قرار مشاركة الحزب في الحكومة، وليس احتجاجا على انتخاب ممثل الحزب في الحكومة، بل على ما شاب وتبع ذلك من مراهقة، أعلن استقالتي من المكتب السياسي واللجنة المركزية لحزب الشعب". ولم يوضح العوض ما الذي يقصده بـ"المراهقة".
هذه الخلخلة قابلة للتفسير على محمل إيجابي، كونها تضع حدا للسرّية المفرطة، وغير المبرّرة، التي تكتنف جوانب العمل السياسي، وبالذات آليات اتخاذ القرارات، وتفسح المجال لقدر من
الشفافية، والاستعداد لمخاطبة الجمهور العريض، بدل الاكتفاء بمخاطبة أعضاء التنظيم السياسي. غير أن هذه المكاشفة كان ينقصها أمر جوهري، وهو توضيح الموقف السياسي من تشكيل حكومة جديدة، والمشاركة أو الامتناع عنها في هذه الحكومة، وذلك في ظل التطورات الراهنة. وفي الوقت نفسه، تحمل هذه الخلخلة بعدا سلبيا يتمثل في التأشير على حالةٍ من التيه السياسي، وافتقاد رؤية واضحة، بما انعكس في خلخلة تنظيمية، في وقتٍ تزداد فيه رؤية العدو صفاءً، بمحاولة تشريع السيطرة على الضفة الغربية المحتلة، لا القدس فحسب، واحتساب الأرض جميعها من البحر إلى النهر خاضعة لسيادة المحتل.
والحال أن مواجهة صفقة القرن هي التحدي الأبرز، والأشد جسامة، أمام الحركة الوطنية، إذ ترمي هذه الصفقة بين تل أبيب وواشنطن إلى تصفية وجودية لقضية فلسطين، على طريق حل نهائي، وفق منظور اليمين الإسرائيلي المتحالف مع اليمين الإنجيلي الأميركي الحاكم. والحاجة قائمة إلى جسم قيادي يستجيب لهذا التحدّي بالغ الخطورة، ويستنهض الطاقات والموارد البشرية في الوطن والشتات. وسيكون مثيرا للاستهجان والسخط الانشغال بتوزيع مناصب وزارية بعيدا عن تحديد الهدف الأول والمركزي للحكومة المنتظرة، وهو التصدّي لصفقة القرن بما تحمله من رشى اقتصادية، هي من قبيل ذر الرماد في العيون وتوزيع الحلوى بمناسبة دفن الحقوق الوطنية، كما يخطط الأعداء، وما قد يتم الإعلان عنه في ظرف شهر.
حدد رئيس الحكومة المكلف مهامها بإنهاء الانقسام مع غزة، وإجراء انتخابات تشريعية، ومواجهة الأزمة المالية المترتبة على احتجاز سلطات الاحتلال لنحو 14 مليون دولار، وهو
المبلغ الذي ترصده السلطة الوطنية لرواتب الأسرى وعائلات الشهداء. وقد كشف وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال، شكري بشارة، أن سلطات الاحتلال اقتطعت خلال السنوات العشر الماضية أكثر من عشرين مليار شيكل من أموال السلطة (الدولار يساوي تقريبا 3 شيكلات). وفي ظل ذلك، تقتضي الحاجة تأطير المهمات في سياق التصدي للمؤامرة الكبرى المنتظرة، وليس في معزل عنها، وإنتاج خطاب وطني وسياسي يوحد الصفوف، ويستنهض الهمم لمواجهة الخطر الوجودي، ومنح هذه المواجهة الأولوية المطلقة في هذا الظرف. إذ إن إنهاء الانقسام وإجراء انتخاباتٍ قد يصبح بلا معنى أو جدوى، بغير جهد وطني مشترك يقوم على رفض الصفقة، والقبول بالحلول الدولية المتفق عليها حلولاً وحيدة للصراع. ويخطط العدو، على كل حال، لإنهاء الانقسام على طريقته، بتحويل إمارة غزة إلى ما يشبه الدولة، وتمكين الغزيين من الانتقال إلى الضفة الغربية، والعمل داخل إسرائيل، وتسهيل انتقال أبناء الضفة إلى غزة، وذلك كله في إطار تصفية القضية، وإعلان السيادة على عموم الضفة الغربية المحتلة، ومنح الفلسطينيين مدنا صناعية للعمل فيها، بديلا عن القدس وبيت لحم ونابلس والخليل، وسواها من مدن وبلدات وقرى.
والأحرى بالمعترضين، في الجانب الآخر في غزة، على تكليف اشتية بتشكيل حكومة، التشديد على أن القدس، لا غزة، هي عاصمة الكيان الوطني، وأن القطاع جزء من الأرض الفلسطينية، وليس كياناً قائما بذاته، وليس قابلا للتحول في جميع الظروف إلى دولة قزمية، وأن مواجهة "صفقة القرن" بصف موحد يتقدم على جميع الاعتبارات، ويتعيّن أن يجمع الأشتات السياسية والفصائلية، بعيدا عن أوهام التمكن والتمكين التي تهدد الصفقة بإزالتها، عبر مصادرة الأرض، وتجويف الحقوق على طريق تبديدها نهائيا، كما يخططون ويمكرون، وذلك بالسعي إلى توريط أطراف عربية بقبولٍ ما للصفقة، ومحاولة تسويقها.
لم تر حكومة اشتية النور بعد مضي أكثر من ثلاثة أسابيع على تكليفه. وكان من المثير تحديد ماهية الحكومة المقبلة بأنها ستكون "حكومة فصائل"، بدل الانفتاح على المجتمع الأوسع (غير الفصائلي) وتمكينه من التمثيل، إذ لم تغب الفصائل عن الحكومات الـ17 السابقة، مع تصدّر حركة فتح تلك الحكومات، بما في ذلك موقع رئاسة الحكومة. وقد ظل تكوين الحكومات يماثل تكوين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، على الرغم من اختلاف مهام السلطة التنفيذية التي تدير شؤون المجتمع، عن مهام جسم سياسي هو المنظمة. وبما أن الفصائل تحمل إرثا طويلا من التسليم بتصدّر دائم لحركة فتح، فإن الطابع الفتحاوي ظل يغلب على الحكومات المتعاقبة. وقد أبدت فصائل تمنعها عن المشاركة في الحكومة المرتقبة، وبالذات فصائل اليسار، باستثناء حزب الشعب (الحزب الشيوعي سابقا)، الذي قبل المشاركة. ويسترعي الانتباه أن قياديا في الحزب، هو وليد العوض، قد أعلن استقالته من الأمانة العامة للحزب، وكتب على صفحته في "فيسبوك": "ليس احتجاجا على قرار مشاركة الحزب في الحكومة، وليس احتجاجا على انتخاب ممثل الحزب في الحكومة، بل على ما شاب وتبع ذلك من مراهقة، أعلن استقالتي من المكتب السياسي واللجنة المركزية لحزب الشعب". ولم يوضح العوض ما الذي يقصده بـ"المراهقة".
هذه الخلخلة قابلة للتفسير على محمل إيجابي، كونها تضع حدا للسرّية المفرطة، وغير المبرّرة، التي تكتنف جوانب العمل السياسي، وبالذات آليات اتخاذ القرارات، وتفسح المجال لقدر من
والحال أن مواجهة صفقة القرن هي التحدي الأبرز، والأشد جسامة، أمام الحركة الوطنية، إذ ترمي هذه الصفقة بين تل أبيب وواشنطن إلى تصفية وجودية لقضية فلسطين، على طريق حل نهائي، وفق منظور اليمين الإسرائيلي المتحالف مع اليمين الإنجيلي الأميركي الحاكم. والحاجة قائمة إلى جسم قيادي يستجيب لهذا التحدّي بالغ الخطورة، ويستنهض الطاقات والموارد البشرية في الوطن والشتات. وسيكون مثيرا للاستهجان والسخط الانشغال بتوزيع مناصب وزارية بعيدا عن تحديد الهدف الأول والمركزي للحكومة المنتظرة، وهو التصدّي لصفقة القرن بما تحمله من رشى اقتصادية، هي من قبيل ذر الرماد في العيون وتوزيع الحلوى بمناسبة دفن الحقوق الوطنية، كما يخطط الأعداء، وما قد يتم الإعلان عنه في ظرف شهر.
حدد رئيس الحكومة المكلف مهامها بإنهاء الانقسام مع غزة، وإجراء انتخابات تشريعية، ومواجهة الأزمة المالية المترتبة على احتجاز سلطات الاحتلال لنحو 14 مليون دولار، وهو
والأحرى بالمعترضين، في الجانب الآخر في غزة، على تكليف اشتية بتشكيل حكومة، التشديد على أن القدس، لا غزة، هي عاصمة الكيان الوطني، وأن القطاع جزء من الأرض الفلسطينية، وليس كياناً قائما بذاته، وليس قابلا للتحول في جميع الظروف إلى دولة قزمية، وأن مواجهة "صفقة القرن" بصف موحد يتقدم على جميع الاعتبارات، ويتعيّن أن يجمع الأشتات السياسية والفصائلية، بعيدا عن أوهام التمكن والتمكين التي تهدد الصفقة بإزالتها، عبر مصادرة الأرض، وتجويف الحقوق على طريق تبديدها نهائيا، كما يخططون ويمكرون، وذلك بالسعي إلى توريط أطراف عربية بقبولٍ ما للصفقة، ومحاولة تسويقها.