تونس تردع الفساد... حكومة الشاهد تطيح رجال أعمال ومسؤولين مشبوهين

25 مايو 2017
نشطاء يدعمون حملة الشاهد ضد الفساد (فرانس برس)
+ الخط -
في سابقة هي الأولى من نوعها، اتخذ رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد أول من أمس الثلاثاء، قرارا بإيقاف عدد من كبار رجال الأعمال ومهربين ومسؤولين جمركيين بتهمة المساس بالأمن العام، معلنا حربا شاملة على كبار الفاسدين في البلاد استنادا إلى أحكام قانون الطوارئ.
وتأتي حملة الإيقافات التي طاولت شخصيات كبيرة ونافذة في عالم المال والأعمال بعد تحذيرات محلية ودولية من ارتفاع غير مسبوق لمنسوب الفساد في البلاد، فضلا عن ورود معلومات كشفت عنها مصادر أمنية حول ضلوع رجال أعمال ومهربين في تأجيج الأوضاع بالجنوب ودفع المعتصمين في المناطق النفطية إلى الانتقال من الحراك السلمي إلى قطع الطرق وتخريب معدات الشركات النفطية في الصحراء.
ووجدت حملة الإيقافات لعدد من رجال الأعمال وكبار المهربين صدىً كبيرا لدى عموم التونسيين الذين عبّروا عن مساندتهم رئيس الحكومة في قراره إطاحة رؤوس الفساد في البلاد، وفتح هذا الملف الذي لطالما تلكأت الحكومات السابقة في فتحه، فيما أطلق نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي حملة تحت عنوان "يوسف نظّف البلاد".

وواجهت حكومة الشاهد على مدار الأشهر الماضية اتهامات بعجزها عن مقاومة الفساد وضلوع أطراف من الأحزاب الحاكمة وحتى نواب داخل البرلمان في حماية رجال أعمال ومهربين تحوم حولهم شبهات عديدة، مقابل تأكيد الشاهد أن حكومته ماضية في فتح ملف الفاسدين ومعالجة هذا الورم الذي اكتسح كل مؤسسات الدولة.
واعتبر الناشط الحقوقي رامي الصالحي، أن إيقاف بارونات التهريب والفساد تؤكد أن الحرب على الفساد بدأت جديا، مشيرا في تصريح إلى "العربي الجديد" إلى أن الاقتصاد التونسي دفع فاتورة باهظة لتغلغل الفساد في أجهزة الدولة وتوسع نفوذ المهربين والناشطين في الاقتصاد الموازي.
ويرى الصالحي، أن الحد من سطوة المهربين يحتاج إلى سنوات ووضع استراتيجية اقتصادية واجتماعية تمكن من استيعاب هذا النشاط وإدخاله تدريجيا في الاقتصاد المنظم.

وأضاف أن محاربة الفساد كان من بين النقاط الرئيسية لبرنامج حكومة الشاهد ووثيقة قرطاج التي صاغتها الأطراف المشاركة في الحكم، لافتا إلى أن الحكومة ستجد الدعم الشعبي الكبير إذا ما أثبتت الصدق والإرادة الجدية في مقاومة الفساد، حتى من قبل المعارضة.

وتوقع الناشط الحقوقي أن يتحرك أتباع رجال الأعمال الموقوفين بهدف إحباط مخطط الحكومة في القضاء على الفساد، قائلا: "هؤلاء الفاسدون يمولون عديد من الأحزاب والصحافيين ووسائل الإعلام والمدونين والمهربين والموظفين، كما أن ارتباطاتهم بالحركات الإرهابية غير خفيّة على أحد، وعليه سيهبّون جميعهم للدفاع عن أولياء نعمتهم".

وتسعى الحكومة إلى تعزيز الآليات التشريعية والهيئات المقاومة للفساد وخفض الاقتصاد الموازي من 54% حاليا إلى 20% من إجمالي اقتصاد الدولة في غضون السنوات الثلاث المقبلة.
وقال رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، في تصريحات إعلامية، إن تخصيص ميزانية بقيمة 100 مليون دينار لفائدة الهيئة هو بمثابة الاستثمار في مكافحة الفساد الذي سيمكن من استرجاع 10 مليار دينار (4.1 مليار دولار) سنويا كعائدات مباشرة لميزانية الدولة.
وطالب الطبيب، أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها في دعم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والسلطة القضائية ودائرة المحاسبات وكذلك دعم كل هيئات الرقابة.
وأشار إلى أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تقتضي العمل على فهم منظومة الفساد بهدف تفكيكها، وهو ما يحتاج تنسيق الجهود مختلف الأطراف التي أوكلت لها مهام تعديل الاقتصاد بمراقبة المنافسة والتوازنات الاقتصادية للبلاد.

ونبهت منظمات دولية دوائر القرار المالي العالمي إلى الخطر المحدق بالاقتصاد التونسي نتيجة تغلغل الفساد وغياب الشفافية في مناخ الاستثمار الأمر الذي قلص من إمكانيات البلاد في تخطي أزمتها الاقتصادية واحتياجها للتمويلات الأجنبية لتقليص عجز الموازنة المتفاقم.
وكشف تقرير مؤشر مدركات الفساد لسنة 2016 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، أن تونس تقدمت بمرتبة واحدة وثلاث نقاط ضمن المؤشر، لتنتقل من المرتبة 76 في سنة 2015 إلى المرتبة 75 في 2016 في حين ارتفع عدد نقاطها من 38 إلى 41، لكنها ما زلت تحت المعدل الدولي المطلوب بخمسين نقطة.
وقد تراجعت أغلب الدول العربية في الترتيب لهذا العام باستثناء تونس التي جاءت في المركز الثامن عربياً.

ويقول مهتمون بالشأن الاقتصادي إن تحسن ترتيب تونس الدولي في مقاومة الفساد خلال العام 2016 جاء نتيجة بداية جديدة لعمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وانطلاق النقاش التشريعي حول قوانين مكافحة الفساد. وقد شهدت نهاية العام الماضي، وضع الاستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وخطة عمله.
وقال كاتب الدولة لأملاك الدولة والشؤون العقارية مبروك كرشيد، في تصريحات إعلامية أمس الأربعاء، إن حكومة الوحدة الوطنية أعلنت الحرب على الفساد، مشددا على أنها ستتصدى للفاسدين الذين يريدون سرقة خيرات الشعب التونسي.
أما في ما يتعلق بالتصريحات الأخيرة التي أتت على لسان صهر الرئيس المخلوع عماد الطرابلسي وعدم تجاوب المكلف العام بنزاعات الدولة لمبدأ الصلح، أفاد كرشيد أن مقاربة حكومة الوحدة الوطنية في استرجاع أموالها المنهوبة لا غبار عليها، لكن ذلك يكون في وضوح وشفافية ووفق القانون، مضيفا أن الإشكاليات القائمة مع هيئة الحقيقة والكرامة تكمن في مستوى الآليات التي لا يجب أن تكون أحادية الجانب.
وقال كرشيد: "لا نتصالح إلا وفق قواعد صحيحة".

وكان صهر الرئيس المخلوع عماد الطرابلسي الذي يقبع في السجون التونسية بتهم فساد، كشف في جلسة استماع نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة الأسبوع الماضي عن شخصيات ورجال أعمال ومسؤولين في الجمارك سهلوا مهمته في القيام بتجاوزات والاستفادة من الصفقات الحكومية دون وجه حق، من بينهم رجل الأعمال شفيق الجراية ومسؤولون في الجمارك شملتهم حملة الإيقافات التي شرعت الحكومة في تنفيذها منذ أول من أمس.
وأشار أمين عام حزب التيار الديمقراطي وعضو البرلمان غازي الشواشي، إلى أن هناك إجماعا بين الأحزاب المشاركة في الحكم والمعارضة على أن مقاومة الفساد تأخرت في تونس.
وأضاف الشواشي لـ "العربي الجديد" أن الحكومة لم تكشف بعد عن الأسباب الحقيقية لتنفيذها حملة الإيقافات ضد عدد من رجال الأعمال، قائلا: "إذا كانت الإيقافات تدخل في إطار إرادة حقيقية لمحاربة التهريب سنكون أول المساندين لحكومة يوسف الشاهد".

ولفت عضو البرلمان إلى أن مقاومة الفساد توفر للدولة إيرادات مهمة يمكن توجيهها للتنمية وبناء اقتصاد قوي قادر على استيعاب جزء مهم من طابور العاطلين عن العمل الذي يضم قرابة 650 ألف عاطل.
وبدأت لجان البرلمان التونسي مؤخرا في مناقشة مشروع القانون الخاص بإنشاء هيئة خاصة بالحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، وقد طلبت حكومة يوسف الشاهد استعجال النظر للمصادقة على هذه المؤسسة الدستورية التي تعتبر من أبرز المؤسسات لمحاربة الفساد.
ويضم قانون الهيئة 67 بندا تنظم آليات مكافحة الفساد ووسائله، وتعطي صلاحيات التقصي والتتبع لهذه الهيئة بما يمكّنها من التصدي لهذا الشبح الذي يخيم على البلاد منذ عقود.

واعتبر الخبير الاقتصادي أشرف العيادي، أن حملة الإيقافات التي طاولت رجال أعمال تعلقت بهم شبهات فساد، خطوة متأخرة نسبيا تعطي انطباعا بالمحاولة لإلهاء الرأي العام بعد أحداث الكامور جنوب البلاد.
وأضاف العيادي، أن هذه الخطوة تبقى إيجابية إذا ثبتت إدانة الموقوفين وأخذوا جزاءهم العادل، مؤكدا في تصريح إلى "العربي الجديد" أنه يجب على الحكومة إعطاء إشارات إيجابية لصندوق النقد لدولي بشأن جديتها في محاربة الفساد حتى لا يتعطل صرف القسط القادم من القرض الذي سيصادق عليه مجلس إدارة الصندوق في اجتماعه نهاية الشهر الجاري.


المساهمون