تلفت المصادر إلى أن العلاقة بين الحزبين، عرفت في الفترة الأخيرة تقارباً كبيراً بعد فترة الاختبار المتبادل التي استمرت أشهراً، تغيّر معها موقف الرافضين للتحالف من جهة "نداء تونس"، وخصوصاً من الشق اليساري في النداء. وتشير المصادر إلى أنّ المواقف اختلفت عمّا كانت عليه منذ خمسة أشهر، عندما قرر رئيس الجمهورية ورئيس الحزب آنذاك، الباجي قايد السبسي، إشراك "النهضة" في الحكومة، مؤكّدة أنّ أبرز المعارضين، كان وزير الخارجية الحالي، الطيب البكوش، الذي تغيّر موقفه من التحالف مع "النهضة" اليوم، وكذلك مستشار السبسي السابق والأمين العام لـ"النداء" الحالي، محسن مرزوق، بالإضافة إلى ممثلين بارزين عن "التيار الدستوري" في الحزب نفسه، وهما حافظ قائد السبسي ورؤوف الخماسي، اللذان ينظران مع قيادات في "النهضة" إلى أن التحالف الطبيعي هو المتحدر من "التيار الإصلاحي" التونسي، الذي ولد من رحمه "التيار الإسلامي المعتدل" و"الحزب الدستوري"، وأنّ المستقبل سيقود بالضرورة إلى إعادة تشكيل هذا التحالف الطبيعي.
وتؤكد المصادر، أنّ المواقف داخل "النهضة" تغيّرت، أيضاً، وأنّ الذين كانوا يعتبرون "نداء تونس" إعادة إنتاج للمنظومة القديمة ينبغي قطع العلاقة معه، أصبحوا يَرَوْن فيه حليفاً يمكن الوثوق فيه، خصوصاً مع تزايد التباعد مع بقية الأطراف السياسية داخل الساحة التونسية وأبرزها اليسار.
من جهة أخرى، تؤكد المصادر، أن التردد الذي رافق موقف "النهضة" من المشاركة في الحكومة الحالية، قد تراجع، أيضاً، معتبرة أنّه ينبغي الاختيار بوضوح بين المشاركة الفاعلة فيها بما يعكس تمثيلها أو الخروج منها. واستبعدت المصادر خروج قيادات "النهضة" البارزة التي قررت منذ البداية ألا تكون على مقعد المتفرجين على مشهد تتشكّل فيه أبرز مؤسسات الدولة، وأهم القوانين التي نص عليها الدستور، بالإضافة إلى أن قواعد "النهضة" غير راضية على تمثيلية محدودة، تكاد تكون صورية في حكومة الحبيب الصيد.
اقرأ أيضاً: البرلمان التونسي يعتزم مناقشة تداعيات حالة الطوارئ
وتشدد قيادات بارزة في "نداء تونس" لـ"العربي الجديد" على ضرورة أن تقرر النهضة ما إذا كانت تريد المشاركة، فعلياً، في الحكومة وتحمّل المسؤولية كاملة عن كل نتائجها، مضيفة أنّه "حان الوقت لاتخاذ قرارات سياسية شجاعة بين الحزبين في اتجاه الإفصاح عن هذا التحالف، لأن الوضع في البلاد لم يعد يحتمل التردد ولا الحسابات القريبة الضيقة.
وتعتبر مصادر متقاطعة من "النهضة" والنداء" لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك اقتناعاً فعلياً بإجراء تغييرات هامة على الحكومة بعد مرحلة أولى من عملها، قادت إلى هذه النتيجة الحتمية، وقد تؤدي التغييرات إلى دخول أسماء بارزة من قيادات الحزبين إلى الحكومة بسبب القناعة الحاصلة بأنّ المرحلة سياسية بامتياز من ناحية، وبسبب محدودية الفاعلية لعدد من الوزراء التكنوقراط الموجودين في الحكومة الحالية.
وعن توقيت هذا التعديل وسبب تأجيله، إلى شهر سبتمبر/أيلول المقبل، عوضاً عن بتّه في الوقت الحالي، خصوصاً بعد أحداث سوسة، توضح المصادر أنّ "تغييراً آنياً ليس بالفكرة الجيدة، لأنّه سيتعثر عمل الحكومة في ظرف دقيق للغاية، وسيبعث رسائل سلبية عن التضامن السياسي". مشيراً إلى أنّ "الفترة الحالية هي للوحدة والتكاتف والتضامن السياسي والشعبي. ثم إنّ قرارات من هذا النوع، يجب أن تُبحث بشكل هادئ بعيداً عن التغيرات والطوارئ، وأن تنضج كل ظروفها السياسية". وتؤكد المصادر أنّ القناعة بضرورة التغيير حاصلة بين أبرز قيادات الحزبين، وأنّه ينبغي اختيار الموعد بعناية ودقة كبيرتين.
وفيما يتعلق باختيار رئيس الحكومة الجديدة، يجري الحديث عن بعض الخيارات المطروحة، منها الإبقاء على الحبيب الصيد، فيما تُقترح بعض الأسماء الأخرى مثل محسن مرزوق، ووزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي. وتصرّ بعض قيادات "النداء"، خصوصاً من الشق الدستوري، على الإبقاء على الصيد "نظراً لكفاءته ونزاهته". وتشير القيادات لـ"العربي الجديد" إلى أن الصيد نجح على الرغم من كل الصعوبات في تحقيق جزء من الأهداف التي أعلن عنها إبان تشكيل الحكومة، وأهمها تراجع الأسعار وتحسين البيئة وتحقيق تقدم على مستوى الوضع الأمني على الرغم من الاعتداءات الموجعة التي شهدتها تونس منذ أحداث باردو.
اقرأ أيضاً تونس: الصيد في مهب الأزمات
وتلفت القيادات إلى أنّه لا يمكن إخفاء ما قامت به الأجهزة الأمنية من تفكيك عدد كبير من الخلايا الإرهابية والقبض على عدد كبير من المتشددين وإحباط مخططات الاعتداء على مؤسسات وشخصيات بارزة، مؤكّدة أنّه بعد فترة من التردد التي تطلبها الوضع السياسي السابق، فإن الصيد عاد إلى تنفيذ المهام كما ينبغي، بارزاً خبرته الأمنية. ورجحت القيادات أن تحمل الفترة المقبلة نجاحات كثيرة للحكومة وللصيد نفسه.
كما لا تعارض قيادات في "النهضة" بقاء الصيد، مفضّلة أن يكون رئيس الحكومة مستقلاً، مثل الصيد أو الزبيدي، لكنها تستبعد في حديثها لـ"العربي الجديد" أن يتم التوافق على تعيين مرزوق في رئاسة الحكومة على الأقل في هذه المرحلة، على الرغم من تغيير مرزوق لكثير من خطاباته تجاه "النهضة".
وترجّح القيادات أن رفض الزبيدي تولي المهمة في الفترة الماضية، كان بسبب غياب وفاق حقيقي بين الحزبين، ووجود معارضة قوية من "نداء تونس" قادها البكوش إلى آخر لحظة، ما جعل الزبيدي "يهرب" من فشل حتمي بسبب غياب أرضية سياسية صلبة لحكومته، مضيفة أنّ هذه الأسباب متوفرة حالياً، وربما تشجعه على قبول المهمة، ولكن الندائيين يستبعدون وجود الزبيدي على رأس الحكومة الجديدة، وإذا تم الاتفاق على اختيار الشخصية المستقلة التي تستبعد مرزوق، فإنّهم يفضلون أن يبقى الصيد، لأنّه يحظى، لغاية اليوم، بدعم أهم رجلين في البلاد، الرئيس السبسي ورئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي، لكنهم يفضلون، في الوقت عينه، أن يُدخل الصيد الكثير من التغييرات على جهده في التواصل الذي يبقى في نظرهم أهم النقاط السلبية في عمله.
وعلى الرغم من تصريحات المصادر الفاعلة والقريبة من مواقع القرار، إلا أنّ الظروف والحالات الطارئة قد تغيّر من هذه المعطيات. لكن ما هو ثابت ومؤكد، أنه سيتم إدخال تغييرات على الحكومة، لأن الصيد نفسه لم يعد مستعداً لتحمّل مسؤولية بعض وزرائه المحدودي الفاعلية أو من أصحاب الحسابات الحزبية الشخصية الذين لا يهمهم نجاح الحكومة بقدر ما يهمهم نجاحهم الشخصي.
اقرأ أيضاً الغنوشي في الجزائر: رسائل طمأنة