حكواتي: طاسة العيران التي قصمت ظهر صبيحة

22 ديسمبر 2014
الطعام التركي التقليدي (Getty)
+ الخط -
في ذلك المطعم الكردي التقليدي في مدينة غازي عنتاب، اجتمعنا مجموعة نساء سوريات بعضهنّ كرديات، قادمات من عدة محافظات سورية، نعيش في بلدان عربية وغربية. لا يختلف المطعم التركي عن السوري كثيراً، إلّا أنّ هناك تفاصيل في إعداد الأطباق، لهذا كنا نحتاج لبعض الشروحات، منها، عدم المبالغة في استعمال الفليفلة الحارة.

وصل الطعام على مزاجنا، يشبه الأكل السوري، الكبب والحمّص والمشاوي، ولكن ذلك التفصيل الكردي البحت، هو ما أثار دهشتي لأصرخ: ياي، كأنني في بيت أهلي بحلب! بينما شهقت صبيحة، وانخرطت بالبكاء.

إبريق العيران من المعدن، لا من الزجاج، مع طاسات من المعدن أيضاً، بدل الأكواب. هي التي فجّرت تلك الطاقة المكبوتة من النوستالجيا لدى صبيحة: كما لو أنني في بيت أهلي! راحت تمتدح الطاسة بين يديها وتبلّلها بالدموع.

إحدى الصديقات المقيمة في ألمانيا منذ سنوات، أبدت استغرابها حول كيفية تناول العيران في تلك الطاسات، ورحنا نشرح لها كيف تمسك الطاسة بكفّيْها.

صديقتنا السويدية التي اندهشت من المشروب القسري للجميع وكأنّه إبريق ماء، حيث لكل من الجالسات، طاسة أمامها، وقد ملأها النادل مسبقاً، في مطعم لا يقدم المشروبات الكحولية.
في الطابق العلوي، كانت طاولات المشروبات الخفيفة، والأراكيل، وفرقة موسيقيّة يغنون باللغتين التركية والكردية. صعدنا لتدخين الأرجيلة بعد الطعام، دوّنت صبيحة اسم أغنيتها المفضلة بالكردية، وأرسلتها للمغني.

البكاء الذي قطعه صخب الطعام على صبيحة، أعاده مجدداً حنين الموسيقى. وعندما لبّت الفرقة أغنية صبيحة حتى انخرطنا جميعاً بالبكاء. تركنا المغني يقودنا إلى نشوة الحزن والنكد، مسترسلات بدموع تستجلب وطناً صار خلفنا، إلى حين انتهت الأغنية، عرف جميع الزبائن، بأنّ على هذه الطاولة تجلس نساء سوريات!

حين نهضنا، أحسست ببعض الدوار، سألت صديقاتي فيما لو كان العيران مغشوشاً أو أنّ بكاء صبيحة النادر، الذي قصم ظهورنا جميعاً. أعتقد أن الجميع أحس بالارتياح ونحن نغادر الطابق العلوي.
المساهمون