حكواتي: حلمي أن يكون عندي تخت "مجوز"

11 يوليو 2014
الصورة لفرانسوا ديون / Getty
+ الخط -
أنا لاجئة في الوطن، لكن لم أعِش أبداً في مخيم. ومنذ أن قرأتُ قصص غسان كنفاني عن المخيم، وأنا أشعر بحسرة لأنّني ما عشت تفاصيل المخيم، الصعبة جدا من ناحية، والرومانسية جدا من ناحية أخرى. ولاحقاً، حين كبرتُ وصرتُ أسمع من أصدقاء جيلي عن طفولتهم الصعبة، لكن المثيرة، (مقارنة بطفولتي)، في المخيمات، صرت أتحيّن الفرص لأعمل مع أطفال وشباب المخيّمات، لأعيش معهم تفاصيلهم اليومية، وأستعيد بعض ما خسرته من تجارب في حبّ الوطن.

قبل شهر تقريباً، ومع بداية التوتر الأمني في الضفة، أدرتُ ورشة مع أمّهات من مخيم قلنديا. وكانت كلّ زيارة إلى المخيم بمثابة تحدٍّ، خصوصا أنّني أصل المخيم من حيفا بالمواصلات العامة، مروراً بالقدس الغربية، ثم إلى الشرقية، ومنها إلى حاجز قلنديا، بعدها إلى المخيم.
رحلة تستمرّ في أفضل الحالات 4 ساعات، إذا لم يكن هناك مواجهات عند الحواجز، وإذا لم يتم توقيف سيّارات الأجرة المتوجّهة من القدس إلى رام الله، وإذا...

هذا الوضع غير المستقرّ مدّني بالقوّة لأتجاوز التحديات، إضافة إلى عزيمة نساء المخيم، اللواتي لم يتوانينَ عن حضور جميع اللقاءات رغم كلّ الصعوبات: "أحلامنا قناديل المخيم" هو الاسم الذي اتفقنا مع الأمّهات على أن يكون اسمَ ورشةٍ حول الحكايات والأحلام. ورشة أدرتها بطلب من مؤسسة محلية لكنْ بتمويل أجنبي.

هذا الأمر كثيرا ما أقلقني، لكن أقنع نفسي بأنها فرصة لأتواصل مع نساء، وأن أساهم، ولو بالقليل القليل، في إدخال بعض الفرح إلى واقعهنّ المرير، إضافة إلى تساؤلي الدائم حول من أعطاني الحقّ في التدخّل في حياة نساء يعشنَ أسوأ الظروف الاقتصادية الاجتماعية، ومؤخّراً يعشنَ أجواء رعب يومية تسبّبها المداهمات والاعتقالات واستشهاد شباب من المخيم، فأدعوهنّ إلى زيادة وعيهنّ الذاتي النسوي والمجتمعي... وهذا موضوع حكاية ثانية.

بدأت بحكاية "الحلم"، كنتُ سمعتها للمرّة الأولى بالإنكليزية، وأعدت صياغتها لتلائم بلادنا من حيث المواقع الجغرافية. وبعد الحكاية طلبتُ من النساء أن يحكينَ لي عن أحلامهن،ّ حين كنَّ صغيرات. تلك التي تحقّقت، والتي لم تتحقّق، والأحلام التي يردن لها أن تتحقّق.

في البداية حكينَ، كلهنّ، عن أحلامهنّ العامة حول زوال الاحتلال وتحقيق حلم العودة، بدل السكن في مخيم، والحلم بمستقبل أفضل لأطفالهنّ. وكلّما نلت ثقتهنّ أكثر، تكلّمن عن أحلامهنّ الشخصية أكثر.

فهذه تريد تعلّم قيادة السيارة، وتلك تفضّل الحصول على وظيفة بدل العمل في المنزل، وتلك تحلم بالاستقلال في شقّة مستقلّة بدل السكن مع أهل الزوج، وأخرى ترغب في الحجّ إلى مكّة... وغيرها من الأحلام العادية، رغم علمهنّ بأنّه، في معظم الأحيان، لن تتحقّق أيّ منها، ورغم محاولتي إقناعهنّ بأنّ من حقّهنّ أن تحلمنَ، وأنّ الحلم هو بداية حقيقة ما نريد.

من نظراتهنّ فهمت أنّني لم أكن مقنعة. لكن اكتسبت ثقتهنّ أكثر في كلّ لقاء، ومع كلّ حكاية حكيتها. حتى أنّ إحداهنّ، في اللقاء الأخير، أخذتني جانباً وقالت لي هامسة كي لا تسمعها الأخريات: "بتعرفي شو حلمي؟ أن يكون عندي تخت مجوز، (زوجي)، بدل تختين هالحديد اللي منقرّبهم لبعض كلّ مرّة نبغي فيها الوصال. شو رأيك بيطلعلي أحلم هيك حلم؟ فنظرتُ إليها وقلت لها حائرة من صراحتها، ومن بساطة حلمها، الذي يبدو لها عصيًّا على التحقيق في المستقبل القريب: "الله كبير، وإن شاء الله تحقّقي حلمك قريبا".

المساهمون