حكواتي: حافظ الأسد وجلدة الحنفية

16 نوفمبر 2014
نكتة عن حافظ الأسد (Getty)
+ الخط -
في إحدى الجلسات، قال لي محمود: "حينما تكون الأمور في دولة ما غير طبيعية، تجد سلوك معظم الناس غير طبيعي. خذْ ذلك الشخص الجالس في زاوية المقهى، المنخرط في مطالعة الإنترنت من خلال اللابتوب مثلاً..
قلت: ما اسمه؟ قال: (عدنان ج) وهو رجل عجيب أكثر ممّا تستطيع أن تتخيل. قلت: ما حكايتُه؟
قال: ذات يوم شتائي قارس، قبل بضع سنوات، كنّا نجلس هنا، إلى هذه الطاولة، قرب المكيّف الذي يضخّ هواءً ساخناً، مع مجموعة غير متجانسة من الناس. ويبدو أنّهم قد استشعروا الدفء، فانشرحوا، وأخذوا يلقون بعض النكات، كما هي العادة في جلسات المقاهي. فتحمّس هذا (عدنان ج) وألقى نكتة عن الجنرال حافظ الأسد!
قلت: كيف تجرأ على ذلك بين أناس لا يعرفهم؟ قال: لا أدري. إنّه نوع من التهور. قلت: ما هي النكتة؟
قال: قبل أن أسمعك إياها، لا بد من تمهيد صغير. أنت تعلم أن الفساد في سورية، خلال حقبة الثمانينيات، قد بلغ حداً فظيعاً. ولمعالجة الموضوع، أقدم حافظ الأسد على طباعة كمية كبيرة من الأوراق النقدية دون أن يكون لها رصيد. فارتفعت نسبة التضخم، وانخفض الحد الأدنى لمعيشة السوريين بشكل مرعب. ولأن السوريين لا يجرؤون على القيام بأي فعل، أو التلفظ بأي كلام، أو انتقاد، جلسوا ينتظرون أن يُلهم اللهُ تعالى الجنرال الأسد بتقديم بعض الإصلاحات، أو أن تجود نفسه بزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين.
وحينما أُعلن في أجهزة الإعلام أن الأسد سيلقي خطاباً في مجلس الشعب الذي يعرف في المجالس الخاصة باسم (مجلس التصفيق والدبكة) تجمهروا أمام شاشات التلفزيون متأملين الفرج عبر الخطاب. ولكن، ماذا فعل الأسد؟
قلت: ماذا؟ قال: تحدّث في الخطاب عن المواطن الصالح الذي يمشي باستقامة، ولا يسبب للمجتمع أي ارتباكات! وتحدّث عن المواطن غير المسؤول الذي يخرج من مكتبه دون أن يطفىء مصباح الكهرباء، وعن ذلك المواطن الذي يسمح لحنفية الماء أن تهدر الماء، ولا يأتي بالسبّاك ليصلحها. وقال، إنّه علينا النظر إلى هذا الشخص المهمل بالازدراء والاشمئزاز، ونعامله بالشجب والتنديد.
قلت: والنكتة؟ قال: تنص النكتة على أنّ حافظ الأسد، وهو على فراش الموت، وعد ابنَه بشار أن يأتيه في المنام خلال أسبوع من وفاته، ليقول له أشياء هامة تفيده خلال فترة حكمه الممتدة من عام 2000 وحتى الأبد.
وبناء على ذلك صار بشار الأسد ينام على وضوء وينتظر قدوم والده في المنام، لكن من دون جدوى. وبعد مضي أربعة أشهر، أتاه، فعاتبه بشار على التأخير. فقال الجنرال حافظ: اعذرني يا ولدي.. فملائكة الحساب طيلة هذه المدة كانوا يسألونني عن إحدى حنفيات القصر الجمهوري، كنت شاهدتُها تهدر المياه، ولم أهبّ لتغيير جلدتها!
ضحكتُ في أعماقي. وسألته: وبعد؟ ماذا جرى؟ قال لي: كتب أحد الحاضرين في حقه تقريراً للمخابرات فاعتقلوه، وغاب سنين طويلة. فلما عاد كانت لنا معه قصة أخرى، ربما أحكيها لك في وقت لاحق.
المساهمون