حكواتي :بقرة العيد بين الشقراء والسمراء

02 أكتوبر 2014
البقرة من أضاحي العيد الكبير (Getty)
+ الخط -
من أغاني كلّ الأعياد التي كانت تنشد في بيتنا، كانت هناك أغنيتان علقتا بذاكرتي حتى اليوم، أوّل واحدة منهما تبدأ هكذا: "واليوم العيد يا لالا / ولبست جديد يا لالا / فستان مكشكش يا لالا / عالصدر مرشرش يا لالا".
ومنذ صغري لم أكن أحب هذه الأغنية كثيرا، لأنني ما كنت أحب فساتين الكشكش. والكشكش هو الفستان الذي له من الخصر ونازل طبقات فوق بعضها البعض، مثل الوردة المفتحة، وأنا كنت أحب الفساتين القصيرة بدون الكشكش. اليوم أحب هذه الأغنية لأنها تحمل نكهة العيد.
أما الأغنية الثانية، فهي من المفروض أنها لعيد الأضحى المبارك، ولكن كنا نغنيها، مع أن عائلتي مسيحية، وما كنا نحتفل بعيد الفطر، ولكن في عيد الميلاد والفصح كانت تذبح الخرفان بشكل مشترك.. خروف واحد لعدة عائلات، وفقط في الأعياد كنا نأكل اللحم المشوي، لأن الوضع الاقتصادي في الستينيات كان صعباً على الجميع، وما كان مألوفاً أبداً أن نشوي اللحوم إلا في الأعياد.
وكنا نحن الصغار نغني مع الكبار حينها:
"بكرا العيد ومنعيّدْ / ومنذبح بقرة السيّد/ والسـيد ما لو بقرة / منذبح سوزا هالشقرة".
كنت أحب هذه الأغنية وأفرح كثيراً؛ لأن أهلي كانوا يغيرون كلمات الأغنية الأصلية وبدل "نذبح بنتو هالشقرة" كانوا يذكرون اسم أختي (سوزا) وهي أختي الوحيدة الأصغر مني بسنة ونصف السنة، كانت شقراء واسمها سوزان، كانت مسكينة، ترتعب من هذا الكلام وتبقى في غرفة نوم أهلي لا تغادرها أبدا طوال نهار العيد، وأنا كنت أفرح بهذا الأمر، لأنني كنت آخذ عيديتها وعيديتي من الملبس (ع لوز) وشكولاتة (سلفانا) وآكل بعضا من عيديتها قبل أن أصل بها إلى غرفة نوم أهلي، بالإضافة لشماتتي بذبح الشقراء وليس السمراء (لاحقاً سمعت باقي الأغنية الشعبية "والشقرا ما فيها دم، منذبح السمرا بنت العم"!).
كنت أشمت بسوزا أختي، لأنها كانت بسبب بياضها وشقارتها الطفلة المفضلة في عائلتنا الموسعة، وليس فقط في بيتنا، إضافة إلى أنها البنت العاقلة المؤدبة السكوتة، التي تقوم بمساعدة أمي من دون أن تطلب منها، وكان أبي يستبشر بها خيراً ويأخذها معه لتختار ورقة اليانصيب، في كل مرة يقرر أن يوم الحظ قد حان.
أنا كنت السمرا المشاغبة الوقحة التي لا تسكت عن حقها، وغالباً ما كانوا يمدحون جمال أختي، قائلين "هالبنت بجمال ناديا لطفي وحتى أحلى منها"، وعندما كانوا ينتبهون لوجودي كانوا يلتفتون إليّ بشفقة ويقولون: "انت سمرا بس نغنوشة (خفيفة دم) يعني".
كبرنا، وفي يوم ونحن نسترجع ذكريات الطفولة، قالت لي أختي: "كتير كنت أغار لما كانوا كل الأهل يقولوا عنك نغنوشة". ضحكت وقلت لها: "وأنا كنت أغار لما كانوا يقولوا عنك حلوة".
ضحكنا سوياً على السمرا والبيضا الحلوة والنغنوشة، ولليوم تعلو ابتسامة الشماتة شفتي كل ما أسمع أغنية "بكرا العيد ومنعيد...".
المساهمون